إدريس على: مصادرة «الزعيم يحلق شعره» أيقظت الشر بداخلى

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره : خلف على حسن     

الروائى النوبى إدريس على صاحب الروايات الشهيرة «انفجار جمجمة» و«النوبى» و«دنقلة» و«مشاهد من قلب الجحيم»، وأخيراً روايته المثيرة التى صودرت «الزعيم يحلق شعره»، حين تجلس معه تجد شخصاً يحكى بالفطرة وبعفوية تامة، ويؤكد ذلك قائلاً «بحكيلك بكل صراحة يا بيه.. معنديش حاجة أخبيها عليك».. ولا يلبث أن يسلمك ورقتين فيهما سيرته الذاتية للتعريف به، وبيان بخط بيده: «لقد حافظت على ثوابت الأمة فى أعمالى الإبداعية على مدى 4 عقود، دون أن يخطر فى بالى أن هذه الثوابت قد تلد ثوابت أخرى، ولم أكن أتصور أبداً أن نقد أفكار الحكام وقراراتهم من الثوابت».. فى هذا الحوار نفتح من جديد ملف حرية الرأى والتعبير، والخطوط الحمراء فى وجوه مثقفينا.

 

? ما آخر تطورات روايتك «الزعيم يحلق رأسه» وما تردد بشأن مصادرتها؟

– بالنسبة لى وإلى الآن لم يتصل بى أحد.. لا من مكتب النائب العام ولا أمن الدولة ولا من جهات بعينها، وكل ما يتوفر لدى هو كلام الناشر لى.. اتصل بى وأعلمنى أن الرواية صودرت، وهى الآن فى قسم شرطة شبرا ونيابة أمن الدولة، فأجريت عدة اتصالات لتحرى الأمر، وقام الكاتب محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتاب بمجهود كبير فى ذلك، وكلف محامى اتحاد الكتاب بالحضور معى فى حالة استدعائى.. وما تم أن النائب العام أبلغ المحامى بأن يحضرنى للإدلاء بأقولى بدلاً من استدعائى عن طريق الشرطة «لأننى راجل مسن»، لكن المحامى قال لى «لا تذهب دون أن يأتيك إخطار رسمى من النائب العام».. ونشرت معلومات عن سحب الرواية من معرض الكتاب، ونفى د. صابر عرب وحلمى النمنم ذلك.

 

? ما الجهة التى صادرت الرواية.. وما الذى حدث؟

– مازالت معلوماتى ضعيفة فى هذا الشأن.. أما أين الرواية فاسألوا قسم شرطة شبرا ونيابة أمن الدولة عنها.

 

? هل توقعت أن تثير الرواية مشاكل قبل نشرها.. وهل يمكن القول إنك تكتب من أجل المصادرة بحثا عن الشهرة؟

– لا يوجد عاقل يبحث عن الشهرة عن طريق الاشتباك مع الرئيس الليبى «معمرالقذافى»، وما يقال بأن الناشر سعى إلى مصادرة الرواية غير صحيح، وأنا شخصيا كتبت الرواية ونشرتها دون حسابات مع أحد سواء المعارضة الليبية أو دول الخليج أو بالاتفاق مع مخلوق.. لا أبيع قلمى ولو اتصل بى أحد من الإخوة الليبيين قبل النشر لكنت صرفت النظر عن هذا تماما وتخليت عن العمل دون مقابل.

 

? وهل تتخلى عن كتاباتك مجاملة لأحد؟

– أحاول العيش فى سلام، ولا أحب التشهير بأحد، وروايتى تنويرية وليست تشهيرية، كان من المفترض أن يشكرنى النظام الليبى لأننى نبهته إلى بعض الأخطاء فى قراراته.

 

? وهل فعلا مصادرة الرواية مجاملة من النظام المصرى لمعمر القذافى مثلما قلت؟

– الأمن لا يستطيع التصرف فى ذلك دون قرارات عليا.. وأتعجب، فأنا كاتب أناهض الاعتقادات النوبية وأقف فى صف الدولة فى هذه القضية فكيف يصادرون روايتى.

 

? هل تعتبر روايتك رداً على أفكار القذافى الواردة فى كتابه «الأخضر» حول تملك البيوت والمنازل أو تنظيم علاقات العمل وغيرها؟

– الرواية تتعرض لأهم قرارين فى الكتاب الأخضر وآثاره السلبية فى المجتمع الليبى: «البيت لساكنه» و«شركاء لا أجراء» فالأول جرد الليبيين من ثرواتهم، لأن الليبى لا يعرف مسألة الإيداعات فى البنوك، لكنه يحوِّل فائض ثرواته إلى عقارات يقوم بتأجيرها للوافدين، وهذا القانون خلق أزمة إسكان وأضر بهم، القرار الثانى حول العمال إلى ملاك يشاركون أصحاب رأس المال فى الإدارة وهو الأمر الذى تسبب فى تركهم أملاكهم وضياعها منهم.

 

? وماذا عن اتهام روايتك بأنها خادشة للحياء؟

– الرواية ليست بها إلا عبارة واحدة فى سياق العمل، وتأتى فى موقف بين مواطن ليبى وعامل مصرى يتبادلان شتائم نسمعها يوميا فى الشارع، وهى جمل وشتائم محدودة للغاية لا تبرر مصادرة رواية من 130 صفحة.

 

 

? هل هناك دور نشر حكومية أو خاصة رفضت نشر روايتك؟

– توجهت إلى أكثر من جهة منها دور نشر حكومية مثل المجلس الأعلى للثقافة ودور نشر خاصة مثل الشروق وإلى إحدى المجلات الأسبوعية لكنهم جميعا رفضوا نشر الرواية ومن باب العناد ذهبت بها إلى الناشر «أحمد الجميلى»، ونبهته إلى مشاكلها وأسهمت معه فى تكاليف النشربـ 500 جنيه وتم نشرها وإذا كانوا يريدون مصادرتها فعلى الأقل «يدفعوا لنا اللى صرفناه».

 

? ولماذا كنت تنتظر مجاملة النظام المصرى لك فى روايتك؟

– على الأقل ما كانوا صادروا الرواية لسبب وجيه جداً وهو أننى أقف سدا منيعاً ومعى الصديق الكاتب «يحيى مختار» أمام التطرف النوبى، وكنت أتوقع تكريمى لا مصادرة روايتى.. هاتفت محافظ أسوان مصطفى السيد لمساعدتى فقال لى: هذا موقف آخر غير المسألة النوبية.. ربما يكون على حق.

 

? وهل من الممكن أن تغير موقفك حالياً بعد إدانتك وعدم مجاملتك؟

– موقفى واضح وثابت رغم ما يحدث لى، لكن هذه المصادرة ستضطرنى إلى مواجهة كل الثوابت والمحاذير، وكل ما كنت أخشاه سأكتبه بكل جرأة ولا يلومنى أحد على هذا. مشيت بجوار الحائط على مدى 5 عقود والآن هم الذين أيقظوا الشر داخلى سأكتب عن الواقع المصرى وسأفضح الفساد فى كل مكان وسأبوح بما تجنبت الكتابة عنه.

 

? تدور أحداث الرواية فى فترة السبعينيات وزيارة الرئيس السادات القدس.. لماذا اخترت هذا الزمن؟

– كنت فى ليبيا أثناء هذه الزيارة وحضرت مؤتمر «المواجهة» الذى أقيم على الأراضى الليبية، وكان يتزعم ذلك الرئيس العراقى الراحل «صدام حسين» وبقية العرب، وأقيم المؤتمر تحت مسمى «الصمود والتحدى» ثم لا صمدوا ولا تحدوا، فصدام اتجه إلى إيران بدلاً من إسرائيل، والقذافى ذهب إلى تشاد والنيجر.. وأنا كنت مقتنعا بهذة الزيارة لأن مصر فى تلك الفترة كانت تعيش فى أزمة اقتصادية طاحنة.

 

? بمناسبة حديثنا عن إسرائيل قلت «المفروض أن نعرف أعداءنا، لذا لا أرفض ترجمة الكتب العبرية، حتى إننى أنصح بأن نتبادل مع إسرائيل الزيارات الثقافية ونسافر إليها كى نتعرّف إلى كيفية تفكير شعبها ولا مانع من التطبيع الثقافى».. هل مازلت عند قولك؟

– نعم لست ضد ترجمة الكتب العبرية إلى العربية، إذا كنا نعتبر إسرائيل عدونا فكيف نفهم هذا المجتمع من الداخل دون التعرض لآدابه وعلومه ومنتج أفكار مثقفيه؟ وزيارة المثقفين لإسرائيل لدراستها من الداخل أى زيارات فردية، يقوم بها أفراد وليس مؤسسات، وإسرائيل لا تعتبر الزيارات الفردية تطبيعاً معها، هى تريد تطبيع مؤسساتى مع الاتحادات والنقابات والكيانات الاعتبارية ولا يشغلها التطبيع الفردى، وصراعنا مع إسرائيل «صراع وجود وليس صراع حدود» وأنا مع التطبيع الفردى، وليس التطبيع بمعناه الرسمى أى زيارات سياحية غير رسمية.

 

? لماذا يغضب النوبيون من آرائك وكتاباتك؟

– الشارع النوبى سليم تماماً ولا علاقة له بهذه الأفكار التى ينادى بها المثقفون النوبيون، وروايتى «النوبى» كتبتها لتكون مصالحة مع المجتمع المصرى بعدما كتبت روايتى «دنقلة» مطالباً فيها بفصل النوبة عن القطر المصرى، لأننى كنت فى حالة شديدة من الحنق على المجتمع. أنا كاتب صادم بطبيعتى بسبب طبيعة الوظائف التى مارستها. والنوبيون غضبوا منى لأنها رواية دخلت فى منطقة المسكوت عنه، وتضمنت بعض الأسماء الحقيقية، العمدة ابن خالتى، والمدرس صديق وعندما قرأ الرواية أعجب بها، فكل ما فى الأمر أننى راجعت موقفى وصالحت المجتمع المصرى مرة أخرى.. لكن ما يحدث من البعض هو مزايدات من بعض المثقفين النوبيين على القضية ومتاجرة بها لا أكثر.

 

? أخيراً هل اختلفت رؤية الأجيال النوبية الجديدة عن نظرة الأجيال القديمة لمشاكل النوبة؟

– الأجيال الجديدة التى ولدت فى المدن ليست لديهم معلومات عن واقع النوبة القديمة، فقبل بناء السد وخزان أسوان كانت النوبة منطقة طاردة حضارياً، ومن خلال العزف الغربى عن النوبة ومراكز الدراسات ومتحف النوبة والكتابات الغربية، يتصورون أن النوبة كانت الفردوس المفقود، ولهذا يحلمون بها. أتصور أن الذى يغذى هذا الإحساس الكتابات الغربية ومراكز الدراسات فى أمريكا وفرنسا والمسألة كلها ألعاب غربية لخلق قومية أخرى موازية للمصرية «هى فى النهاية فتنة».

 

مقالات من نفس القسم