أُفكر، بل فكرت، في إنهاء الأمور

مالك رابح
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مالك رابح

الصيف الماضي، كنتُ أتمشي مع صاحبة سابقة في الزمالك في نهاية نهار معتدل. بالكاد أتذكر ما تحدثنا حوله لكنّي أتذكر، بحيوية، انعكاساتِنا المُنبسطة على واجهات المحلّات محلّاة بآشعة المغيب والهدوء المريب لحركة المرور في ذلك الوقت بينما ترددنا، كفردين في مؤسسة توفر للعملاء كل الوقت الذي في العالم، من رصيف إلى مقابله.

كانت قدماها تؤلمانها من المشي وهكذا جلسنا في مكان ما أمام سور سفارة اليونان. لم نكن نعرف أنها سفارة اليونان لكننا، بعد، عرفنا وتلكأنا أمام الحارس الذي أخبرنا، بامتعاض، أنه ممنوع الجلوس هنا، ثم تلكأنا، مرةً أخرى، ضاحكين أمام اللافتة التي تقول أن هذه سفارة اليونان. كانت تقتبس من الخفة التي لا تحتمل لكائن (أليس من ذلك بد؟ بلى، ليس من ذلك بد) ردًا على إقتراح وهي تعدل عويناتها، لحظات بعد ذلك، أتذكر، أوقفتها قبل أن نعبر الطريق وأعدّتُ خصلة شعر بنية (ربما بسبب الإضاءَة) إلى حجابها. تركتنّي ثوانٍ، محدقًا بقدر من البلاهة أو متتبعًا بلمسة من براءة الخريطة التي تصنعها الشامات على جلد وجهها المعتنى به جيدًا، ثم صاحت في قصة شعري العسكرية أنّي أخذت اللقطة من ثلاثية ريتشارد لينكليتر: لقد سرقتُ من أحد الأفلام، ليس هذا فحسب كنتُ لصًا غير محنّك فالفيلم لم يكن مغمورًا. أيًا كان، أبديتُ اعتراضي؛ لم أكن أتذكر أن چولي ديپلي ارتدت حجابًا داكن اللون في أي مكان في الثلاثية المشار إليها.

أعرف الآن أنها الحقيقة. لقد غطّسنا، دون انتباه غالبًا، الموعد في برميل من علامات التنصيص السوداء والأسلاك القصيرة الملونة التي اقتطعناها من هناك وهنا، من الشاشات والراديو، من اللوحات وسطور تحتها خطين في الروايات: بداية من المكان الذي اخترناه لخطواتنا (نحن أبناء الشمال والقرية) إلى الأحاديث والمجازات التي دُرنا حولها، من طريقة مشينا وإمساكنا ثم إفلاتنا الأصابع إلى الأشياء والإهداءات التي تبادلناها كتذكارات، من محاولتنا (في النهاية) المرور على على الهيئة العامة للكتاب إلى حضورنا معرض لمجد كردية في الساقية، كل شئ، كما تقول إحدى شخصيات نواه باومباك، كان وكأننا في أغنية أو بالأحرى كل شئ كان يتوسل المسؤولين أن يُصبّ في مونتاچ من المونتاچات الروشة لنواه باومباك (مجددًا / هي فرانسيس ها من فرانسيس ها، أنا فرانسيس ها من فرانسيس ها) أو في نيدل-دروپ تنزلق على المشهد وحركة بطيئة تحت إشراف كار-واي وكأنه بحدوث ذلك يتحول الموعد إلى كولّاچ يحفل بالجماليات (سيسيليا من وردة القاهرة البنفسجية تهرب من شحوب حياتها) أو على الأقل (إن لم يستحضر يوفوريا تصنع على عجل في البيت) يماثل ما تصورناه في رأسنا وتخيلناه عن الأمر.

ممتثلة وتقبل ما يُملى عليها هي العناصر في الخيالات والتهويمات، تلك قاعدة يعرفها الجميع: وهم يشكلون الجُمل المفحمة على سلالِم النظر إلى الوراء وهُم يخلقون الحوادث بملمس القطيفة على الوسائد. لقد كُنت حقيقيًا كسروالي القصير وحذائي الأسود وكذلك كانت هي حقيقية كقميصها المخطط وحقيبة يدها الوردية لكن الأمر كان وكأني، من ناحية، أطلب منها أن توقع عقدًا وتنضم لوهلة إلى مخيم المانِك بيكسي دريم جيرلز ومن ناحية أخرى، في حين خدّمت سرقاتنا الصيفية الصغيرة المرسخة في دواخلنا على الهنا والآن، كنت بتلك أجرها إلى تقبَّل ما يومئ به الفعل ناحية نسخة تشبه ما حدث بعد ذلك في الفيلم.

لم تكن غلطتي اختيار تنفيذ لحظة مبتذلة بتصرف يمكن ردّها إلى مصدر معروف لكن موقعها جعلها خارجة عن اللحن وشاذة عن المنطق (كانت الخصلة هناك من أول موعدنا)، خيانة للتهويم حيث كانت دون حماية، في العراء وسهل اكتشافها، مجرد علامة صح بقلم بيك أزرق ضُربت جوار رغبة حالمة غير أصلية. لحظات محددة مثل تلك حيث تظهر جليةً لا أصالتنا، سرقاتنا السينمائية، غشنا الدائم وما وجب إخفاؤه، يبدو طبيعيًا عندها، أن تقاوم الفانتازيا (بحسب تعبير تشارلي كوفمان نفسه) وترد الصاع (إلى السيدات تحت التأثير، إلى البرودة، يا حبيبي، في الخارج) وكأنها واعية منذ البداية وتفكر، تفكر كثيرًا، في إنهاء الأمور.

 

 

 

مقالات من نفس القسم