دخل مغاضبا قاعة الآلهة وهو يلعنها لفقدانه أحد أصدقائه مع أنه كان مهذبا في حضرتها قبل فقدانه لذلك الصديق، الآلهة لم تقتله بل أوكلت معاقبته الى إله البحر، وهي سابقة لم تقدم عليها مذ عاقبت أخيل عندما ضُرب على كعبه فمات، أو أجاممنون الذي قتل في الحمام، أو اياكس حينما انتحر، أوديسيوس تاه في البحر عشرا من السنين بسبب ذلك العقاب، ذهب إلى أماكن بعيدة، تكيف مع الكثير من الحالات وعانى ما عانى قبل أن يصل أخيرا الى الوطن، ولأن لديه في جعبته العديد من الحيل فقد انتصر أخيرا على الآلهة.
حفل هوميروس والأوديسة وبطلها باستقبال كبير من قبل الكتاب والأكاديميين الذين راحوا وعلى مر العصور يجددون قراءتها ويكشفون العديد من أسرارها، إديث هال أكاديمية إنكليزية متخصصة في التاريخ والأدب والأسطورة والمسرح والفلسفة اليونانية والرومانية نشرت مؤخرا دراسة معمقة عنها بعنوان ” إعادة يوليسيس: تاريخ ثقافة الأوديسة لهوميروس”، هال استندت في دراستها على ما تناوله الآخرون من بحث ودراسة أحوال أوديسيوس وهو أحد الشخصيات الرئيسة في تلك الملحمة العظيمة خاصة منها دراسة ويليام بيدل ستانفورد رجل الدين الإيرلندي والتي حملت عنوان “يوليسيس: تكييف بطل” الصادرة عام 1954 تتبع فيها مجموعة كبيرة من الردود على أوديسيوس، غالبا ما كانت أدبية ومصادر أخرى وصولا حتى هوميروس، ستانفورد رجح على أن هذا البطل كان قادرا على التكيف مع سيناريوهات متعددة غير متوقعة خاصة في صراعه مع عملاق الكهف ذو العين الواحدة وتخطيه لسرير الساحرة، وتقديم نفسه بطرق مختلفة لجميع من التقاهم، هذا ما وجده ستانفورد في أدب أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد والذي يعرف بالمأساة الأثينية Athenian tragedy ، التي يرتبط أوديسيوس فيها مع كل هموم مجتمعه المعاصر، لكنه يتناقض ونبل اياكس وسوفوكليس ، فهناك اشتباه متزايد بأن صفات أوديسيوس ليست جيدة على الاطلاق كما لاحظت ذلك سيلفيا مونتيجليو في كتابها الذي نتحدث عنه “من وغد إلى بطل: أوديسيوس في الفكر القديم”، فهو مارق كما ترتبط النذالة في الكثير من صفاته وكان قادرا على الكذب عندما تتطلب الظروف ذلك، ساعده كثيرا ذكاءه وقدرته على الحفاظ على أحاسيسه في الحصول على مبتغاه بأي وسيلة ممكنة.
مونتيجليو وبسبب زحمة الدراسات عن الأوديسة وأوديسيوس فقد ساهمت من جانبها بقراءة جديدة عنها لأنها أحبتها وتعلقت ببطلها فراحت تتعقب تفاصيلها أكثر بكثير وأعمق مما تم القيام به من قبل ، دليلها المصادر الفلسفية القديمة مع تخصيصها مساحة صغيرة نسبيا من دراستها لمؤلف ستانفورد ومؤلفات أخرى باستثناء مصادر المسرح الشعري التي لايمكن التعويل عليها بسبب مبالغتها، حيث أظهرت الكاتبة أن تلك الدراسات الفلسفية أعطت صورة إيجابية لأوديسيوس بسبب صبره الطويل على معاناته واستخدامه الحكمة كخيار حتمي في مواجهة الصعاب، وهو ما يبحث عنه الفلاسفة على الرغم من أنانيته وكذبه في بعض المواقف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إميلي ولسون
عن ملحق التايمز الأدبي – 5 أكتوبر 2012
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد فاضل
ناقد ومترجم – العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاس الكتابة





