أن تكتُب في الـ 50: «أن تحب في العشرين»

أن تحب في العشرين
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمود عبد الدايم

«كان ينقصه أن يكتب لنا عن الحب»، عبارة شقت طريقها في حواري اليومي الذي أديره مع نفسي في رحلة عودتي بـ«مترو الأنفاق»، بعدما طالعت خبرًا يشير إلى أن القاص والروائي أشرف عبد الشافي، بصدد إصدار كتاب جديد عنوانه «أن تحب في العشرين»، عن دار «بتانة»، فـ«عبد الشافي»، كتب القصة القصيرة وبرع فيها، وعندما قرر أن يكون روائيًا قدم لنا «توأم الشعلة» و«أصابع حبيبتي»، ولأنه «مهوس كورة قدم»، لم يفته البحث عن حكايات «الساحرة المستديرة»في حياة المثقفين، فأصدر «المثقفون وكرة القدم»، وما بين الرواية والقصة والكرة، كتب لـ«البغاء الصحفي» و«فودكا»، وعنهما سدد فاتورة باهظة من مستقبله وحياته المهنية.

نعود إلى أن «تحب في العشرين»، وهو كتاب يكشف براعة كاتبه في «ضربة الزانة»، فهو يعرف جيدًا أن يضع الكلمة، ويدرك تمام الإدراك مقدار «القفزة» وارتفاعها، وفي النهاية لا يسعك إلا أن تصفق له بحرارة وهو يهبط مجددًا في المكان الذي اختاره وحفظته ذاكرته ورافقته في رحلة هبوطه الناجحة «موهبته الجبارة».

«أن تحب في العشرين».. كتاب لا يكتب إلا بـ«بروح الخمسين» التي يعيش في سنواتها «عبد الشافي»، وإن كان لا يزال يحتفظ من عشرينياته الممتعة والمدهشة بـ«ضحكة مجلجلة» و«موهبة لا تقبل القسمة على أي شيء» و«عناد طفولي» محبب إليه وإلينا كذلك.

«أن تحب في العشرين» عنوان منحه صاحبه جزء من «سخريته» بعدما أضاف إليه جملة «للنابهين من الذكور»، محددًا من الصفحة الأولى جمهوره، وهو جمهور أظن أن «عبد الشافي» يدرك جيدًا أن إرضائه يكاد يقترب من المستحيل إلا لم يكن يجاوزه في أحيان عدة، لكنه اختار المغامرة، ومن الإهداء الذي خصصه «عبد الشافي» لـ«ابنه مروان» الذي كتب له «تذكرني حين تحب يا ولدي»، يتضح أننا أمام «وصية» أب ومجرب وعارف بـ«دهاليز المحبة».

لم يجنح «عبد الشافي» إلى «الإكليشيهات» المعتاد استخدامها عند الحديث عن «الحب»، ولم يقرر أن يجلس فوق قمة «جبل العمر» ليقدم «خلاصة الخبرة»، لكنه «استعان بما رأى» و«كتب ما شعر به» وهو ما تكشفه اختياراته لـ«عناوين» فصول «أن تحب في العشرين» المقسمة على أجزاء أربعة.

«لك وحدك».. عنوان الجزء الأول، الذي تحكم الـ«فيما لو» فصله الأول، حيث يبدأ بتحذير للقارئ لما هو مقدم عليه، فيقول: «قبل الدخول إلى فصول الكتاب لا بد أن نتفق على أن هذه الصفحات لك وحدك، ولا يجوز أن تطالعها فتاتك مهما كلفك الأمر، إذ سنتحدث عنها بالخير، والشر أيضا، وسنضع الخطط السرية التي تمكنك من نيل حبها وفيض جمالها، فإن هي علمت بالأمر ففي ذلك نهايتك ونهايتي».

بلغة سهلة ومدهشة في آن معاً، يكتب «عبد الشافي» عن «فيما كانت النظرة الأولى»، وهي نظرة يظنها أن ستأتي و«أنت تقف على السلم المتحرك في مول كبير» قبل أن تلمع عين الشاب العشريني وهو ينظر إلى صديقته بعدما التفت إليها ليسألها عن شيء، أي شيء، النظرة التي يقول عنها فقهاء الحب: إن ما حدث على السلم أو في المطعم هو «النظرة الأولى» من نوعها بينكما، فقد سبقتها نظرات كثيرة ولم يتأثر أحدكما.

يمسك «عبد الشافي» في الفصول المتبقية من «لك وحدك» بخيط الـ«فيما لو»، فيكتب «فيما لو اشتبك القلب مع العين» متحدثًا عن «المأزق العاطفي» و«الحنين الجارف» و«القلب المسكين الذي يضخ براميل الدم هنا وهناك»، قبل أن ينتقل إلى «فيما لو وجدت نفسك في محيطها»، متسلحًا بـ«ابن حزم»، الذي يقول بـ«أن تلك أولى علامات الحب»، و«ابن حزم» هذا ليس أمرًا هينًا فهو الإمام والفقيه المجدد الذي وضع كتاب «طوق الحمامة» أحد أهم المراجع العربية والأجنبية في فنون الحب والعشق.

كعادته فيما يكتب.. لم يكتف صاحب «أن تحب في العشرين» بـ«رص الكلمات»، لكنها، متسلحًا بقراءات واسعة وشاملة، يأتي لك بكل الذين «سبقوك في الحب»، فيكتب عن بطل رواية «ماركيز» الشهيرة «الحب في زمن الكوليرا»، البطل «فلورنتينو» الذي قرر شراء المرآة التي انعكست عليها صورة محبوبته، وبنعومة – تليق به – يأخذك «عبد الشافي» من «عالم ماركيز» الساحر، إلى «قاهرة الغيطاني»، وهو يسرد تحت عنوان «فيما لو رأيت الشرارة بعينيك»، ما حدث لـ«الغيطاني» حين رأي الصحفية الشابة (ماجدة الجندي)  لأول مرة، وظلت تلك اللحظة ميلاد قصتهما التي توجت بالزواج ومشوار طويل جدًا، حتى أصيب قلب «الغيطاني» بجلطة صغيرة، تطورت إلى جراحة في إحدى المستشفيات.

«عبد الشافي» بعد أن يتأكد أن أقدامك غرست في «أن تحب في العشرين»، يبدأ في ممارسة لعبته المفضلة، «الحكي»، فمن «الغيطاني» و«القاهرة القديمة» ينقلك كـ«بساط الريح» وحكايات الجدات الممتعة إلى«بغداد»، وتحديدًا اللحظة التي رأى فيها نزار قباني، الفتاة البديعة الحسن والجمال بلقيس الراوي، التي تطلعت إليه وهو يلقي قصائده متمايلًا، قبل أن يقع في حبها ويبدأ عصر الزواج.

مجددًا، يحذرك «عبد الشافي» من استكمال القراءة، وهو يكتب «فيما لو كنت في استغناء عن وجع القلب»، ويقول: «إن لم تسهر الليل، وتشتبك أعضاء جسدك، إن مرت النظرة التي وقعت منك ومنها على سلم المول أو المترو مرور الكرام، إن كنت لا تنشغل بها دونًا عن باقي الفتيات اللائي تعرفهن، وإن كان غيابها مثل حضورها لا يزيد ولا ينقص، فلا تكمل قراءة الكتاب يا صديقي، نم قرير العين، فما القلب سوى مضخة عضلية».

ولأنك سقطت في الفخ، وأكملت القراءة، هنا يمد «عبد الشافي» لك «طوق النجاة»، ويجلس جانب ليقدم لك «خطة السيطرة»، ويؤكد لك «لا تستصغر ذاتك مهما كان جمال الفتاة التي وقعت في حبها، فهذا كتاب للنابهين المتوقدين الذهن والقلب»، مقدمًا لك خلاصة قراءته لتاريخ «العشاق» من «سقراط» الذي حمل وجهًا مشوهًا جعله محتقرًا ووضعيًا في عين كثيرين على رأسهم زوجه، إلى «المازني» الذي لم يتوقف عن السخرية من ضآلة جسده وقِصر قامته وساقه العرجاء.

«عبد الشافي» وقد تأكد أنك أحببت اللعبة، يبدأ معك بعد ذلك في «كشف الأسرار»، فيحدثك عن «طبائع البنات»، وفيما لو كانت حبيبتك تقرأ الأبراج، أو لو كانت تكره كرة القدم، أو حتى تحبها وتشجع «الشياطين الحمر»، وهنا تظهر شخصية «الزملكاوي» الجميل الذي يرشح لك شراء الفانلة البيضاء بخطيها الأحمرين في امتداد بديع على الصدر، ثم ينتقل بك بعد ذلك بين «المدخنة» و«القارئة» و«التنموية البشرية» وما إلى ذلك من أصناف الحبيبات اللاتي يقدم لك صاحب «أحببتك في العشرين» أسهل الطرق لـ«امتلاك قلبها».

ولأنه يدرك «ورطتك» في «الخروجات»، يقدم «عبد الشافي» لك «قائمة أماكن» صالحة للخروج، من بينها «الزمالك»، وهو بالطبع ليس النادي الذي يشجعه صاحب الكتاب، بل الحي العريق الهادئ، ويحدثك عن «خروجة الأهرامات»، وما بينهما لا تفوته نصيحة «الأغاني» وهو يؤكد أنه هناك أغانٍ لا بد أن تسمعها بعد قراءة «أن تحب في العشرين»، محذرًا إياك من عدم حول على تقدير «جيد» إن لم تجعل محمد فوزي عنوان الجديد مع البهجة، وتجعل بليغ حمدي بوابتك لدخول عالم المتعة، وأنك ستخسر كثيرًا إن لم تسمع أغنية لمدحت صالح اسمها «أنتِ طلعتي لي منين».

 

مقالات من نفس القسم