أنا شبيح المرايا

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد العزيز دياب

   لن يصدقني أحد لو قلت إنني صرت أتحاشى النظر إلى المرآة، ليس بسبب تشوه بوجهي نتيجة ضربة شَفْرَة حامية، فأنا لا أُسْتَدْرَجْ إلى مشاجرة مهما كان الأمر حتى لو نعتني الآخرون بصفات مخجلة.

   كانت المرآة بطبيعة الحال تعكس محتويات حجرتي، إلى جانب ذلك بدأت تعكس كائنات ليس لها وجود حقيقي، أجدها وراء ظهري، بدأت بفأر قفز فوق الطاولة وراح يعلن عن نفسه  في تحدِ، ولما التفت لم يكن له وجود، قلت لعله انفلت قبل أن تقع عيني عليه خارج المرآة، في مرة أخرى كان عددًا مهولًا من الفئران، كانوا داخل المرآة فقط، بعدها رأيت حشدًا عظيمًا من قطط داخل المرآة خلف ظهري، لن يصدقني أحد لو قلت إنهم كانوا ينونوون بنغمة قاسية نشاز، بعد ذلك كان كلب يرخى لسانه ويلهث جوعًا أو عطشًا لا أعرف، ثم كلبين، وثلاثة كلاب، وعصابة من كلاب كانت تكشر عن أنيابها فأصابنى الرعب.

   لم أفكر في كسر المرآة، أو تغطيتها، أو طلاء زجاجها بلون يليق بها ويبطل عملها، لن أقف مكتوف الأيدى أمام فئران لزجة، أو كلاب مستفزة، أو قطط مريبة تنونو كانها تنادى على كائنات شبحية، قلت الطيب يمكنة تشخيص حالتي الغرائبية، نصحني بأن أترك كل شىء على حاله: المرآة بفئرانها وقططها وكلابها، رشق غليونه بين ضروسة رشقة مباغتة، تأملنى بنظرة قلقة، قال:

   “ستأتي لحظة تكون استهلكت فيها كل هذه الأشياء”

   يقصد الفئران، والقطط، والكلاب، بعدها يكون عمل المرآة خالصًا لا تشوبه شائبة، لكن المشكلة لم تعد في كائنات كالفئران، والكلاب، والقطط، فقد احتشدت المرآة بخلق كثير، حشود غفيرة، أحياء وأموات: ثلاثة من أموات عائلتنا كانوا خلف ظهري يتهامسون فيما يشبه المؤامرة، نظراتهم زائغة كأنهم- والعياذ بالله- بانتظار كارثة، ولص تسحب وسرق تلفوني المحمول من ماركة “سامسونج” اشتريته منذ شهر واحد، وميكانيكي يصلح سيارة، سمعت بأذنى تكتات موتورها المفسود، ولا أعرف كيف اتسعت حجرتي له وسيارته إلى جانب محتوياتها، وشيخ- للأسف- يتحرش بفتاة، مراوغ ولزج وله من النساء ثلاث زوجات، ومزارع يروى حقله فى صهد الشمس، يغنى بصوت دافىء، وشخص نفذ هجومًا إرهابيًا جبانًا عند ناصية شارع داخل حجرتي فيما تناثرت أشلاء الجثث هنا وهناك مع صوت عفى لسارينة إسعاف، كل ذلك لا يهم، وحسب نصيحة الطبيب ليس أمامي سوى الإنتظار حتى لو رأيت فى مرآتى طائرات حربية، مدافع ودبابات، حتى لو قامت حرب شرسة ضروس ستأتي اللحظة التي استهلك فيها كل هذه الأشياء، المشكلة هو ذلك الشبح الذى يشبهني ويرف وراء ظهري في المرآة، يرتدى نفس ملابسي، بيده الخنجر- هدية صديق عُمَانى- في محاولة حثيثة منه لطعني، طبعا عندما ألْتَفِتْ كالعادة لن يكون له وجود، هو لا يشبهني فقد، بل هو أنا، لذلك فأنا خائف أن أقتلني المرة القادمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم