أعـــــداء التنويــــــر

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سيد ضيف الله

التنوير من الكلمات المفتاحية في خطاب وزير الثقافة د.جابر عصفور، فالتنوير يمثل عنده المهمة التي عاش حياته الأكاديمية والعامة حالمًا بتحقيقها، والمبرر الذي من أجله تبنى منهج الإصلاح من الداخل فكان عونًا وعقلاً مدبرًا ومنفذًا للسياسات الثقافية لفاروق حسني وزير الثقافة الأسبق على مدى عقود. لكن ثورتى 25 يناير و30 يونيو حدثٌ يفرض على الدكتور عصفور أن يراجع خطابه.

ذلك أن الثورة إجابةٌ عن فشل مهمة التنوير التي تبناها على مدى عقود؛ ذلك أنه كان مرتبطًا بسلطة سياسية لا يمكنه تخيل تحقيقه بدونها، ومن ثم لا يمكنه أن يعصى لها أمرًا، وقد جاءت ثورة يناير رفضًا لتلك السلطة فسقطت وسقط معها ادعاء أي نجاح تحقق من وراء التنوير السلطوي. وبدلاً من أن يراجع عصفور خطابه نقديًا ويبحث عن الخلل ونقاط الضعف فيه، راح يبعث في تصوره لتنوير الحياة بعد أن اعتلى وزارة الثقافة؛ حيث أصبح التنوير مصطلحًا يتمدد ليشمل رموز مؤسسة الأزهر فيأتى الرد قاسيًا بأن ثمة قراءة أخرى ترى للتنوير معنى آخر خلاف معناه، وترى في رموز الأزهر معانىٍ أخرى غير ما يرى. إن الجدل حول مدى مرونة هذا التنوير ليشمل رموز الأزهر من الإصلاحيين ومدى استعداد مؤسسة الأزهر للاندراج تحت خطاب عصفور يطرح السؤال التالى: هل نحن أمام مشروعين أم مشروع واحد؟ هل الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي ستتبنى العقل المنتِج لأحد هذين المشروعين ليكون عقلها أم ستُبقى على علاقة التجاور بين المشاريع الفكرية وأحيانًا الصراع لخدمة أهداف سياسية وقتية؟ وهل للتنوير أعداء من خارج مؤسسات الحكم أم أن أعداء التنوير في داخل مؤسسات الحكم؟

الجدير بالملاحظة أنه رغم اتفاق مؤسسة الأزهر ووزارة الثقافة على خطورة الخطاب الإخواني بوصفه خطابًا مهدّدًا لوحدة الأمة ولسلامها الاجتماعي واستقرارها السياسي، فإن الاتفاق على معاداة هذا الخطاب لم يمكنهما من رؤية أحدهما للآخر بشكل فيه احترام للأدوار بوصفهما من مؤسسات الحكم. ذلك أن القاسم المشترك بين الخطابين نظرتهما الاستعلائية للعقل المصري إما لعدم معرفته بصحيح الدين أو لعدم معرفته بقيم الحداثة الغربية، ومنْ كان خطابه استعلائيًا على جمهوره فمن الطبيعي أن يتبنى خطابًا استعدائيًا لأقرب حلفائه. وفي هذا السياق يصبح العقل المصري هو الهدف وفي الوقت نفسه العدو المُتخيَّل للتنوير باعتباره ضحية ساذجة وقعت فريسة في أيدي أصحاب الخطابات المتطرفة، سواء كان هذا التطرف تطرفًا دينيًا أو تطرفًا علمانيًا.

إن العدو الأول للتنوير هم التنويرون أنفسهم الذين يتخيلون أن مهمتهم تشكيل العقل المصري وفقًا لتصوراتهم عن طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة. فالتنوير لا يعدو عندهم أن يكون نوعًا من عدم الثقة في عقل الفرد يترتب عليه تقييده بعقل جمعي يتم اصطناعه عبر مؤسسات التعليم والثقافة. إن التنوير حين يكون سلطويًا يصبح أحاديًا ينمّي العقل باعتباره آلة لنقل المعرفة بغض النظر عما إذا كانت هذه المعرفة دينية أو دنيوية.

إن الشكوى من جهل »الشعب« وأميته الثقافية جزء لا يتجزأ من خطاب التنوير السلطوي؛ وقد سبق للدكتور عصفور الشكوى من الجماهير، بل واتهامها بأنهم سبب اضطهاد المثقفين دفاعًا عن مؤسسات الدولة. حيث قال: »فالجماهير تشيع بينها ثقافة الاتباع والتبعية، فضلاً عن منطق الخرافة والتواكل ونزعات اللامبالاة السلبية، وكل ما تعمل على إشاعته وتثبيته الأجهزة الأيديولوجية للدولة التسلطية (..) وأحسب أن تعاظم التأثير السلبي للقوة الاجتماعية هو ما يفسر لنا أن اضطهاد المثقفين والهجوم عليهم في السنوات الأخيرة إنما يأتي غالبًا من خارج سلطة الدولة، وبواسطة المجموعات التي تمارس ضغطها الاجتماعي مستندة إلى ثقافة الاتباع السائدة والمنتشرة بين الجماهير. ( جابر عصفور.) 2008). مقالات غاضبة. دار ميريت. القاهرة.. ص-ص 116-117).

إن صاحب خطاب التنوير الذي يرى المثقفين في صورة المضطهَدين ويرى الجماهير سبب الاضطهاد نتيجة لانتشار الخرافات بينهم مدعوٌ لأن يتساءل عن نتيجة جهود التنوير على مدى عقود في مواجهة هذه الخرافات، وبالمثل فإن مؤسسة الأزهر التي تقدم نفسها الآن بوصفها قلعة الخطاب الوسطي الاعتدالي عليها أن تسائل نفسها عن دورها في نشر الخطابات المتطرفة داخل قاعات دروسها وفي مناهجها الدراسية.

أما إذا لم تتم تلك المراجعة النقدية للخطابين التنويري والأزهري واستمرت الشكوى من جهل الجماهير وانتشار الخرافات والتطرف بينهم فلا شك أن هذين الخطابين سيتحولان إلى عبء على كاهل النظام السياسي الحالي إن عاجلاً أو آجلاً.

 

 

مقالات من نفس القسم