البهاء حسين
أحب الصيد
أعرف السنارة، كما أعرف كفّ يدى
أو بطن امرأتى، وأنا أتحسس حملها
لكننى عجزتُ مؤخراً عن تحريك رغبتى فى الصيد
ما الفائدة
وقد فقدتُ امرأتى
لم أعد مشغولاً بعدّ الأيام فى انتظار مولودنا
لم أعد أجهز له فرحة كاملة، كالملابس التى تحيكها له أمه
كلما تخيلتُ أن الصراخ الذى سينزل منها
سوف يتحول إلى ولد
ما الفائدة
أنا جائع
ماذا يفعل المرء حين يفقد رأسه
حين يجعل من تعقب الغيب هواية
رغم أنه لا يقدر على تعقب سمكة
سأستأنف الحزن بعد أن آكل
سأغلق ذاكرتى مؤقتاً وأتركها بعد ذلك تنزف
أو تغير نشاطها
لست بحاجة إلى نسخة منى تنكّل بى
أنا وحيد
من غير زوجة
من غير سنارة
:
كانت زوجتى تذهب معى إلى الصيد
ترتب لليوم سيره
تصرّ على أن يكون الطقس مواتياً
وزرقة البحر فى مكانها
وأحياناً تتوعد السمك إن جاء صغيراً
ثم تُغرق فى الضحك حين يسمع كلامها
كانت ضحكتها هى الرحلة
لكنها ماتت، وأنا جائع
لا شىء يدفعنى لأن آكل
تركتُ نفسى طعاماً للوحدة
لدابة تأكل على مهل وتقضم من دون صوت
:
ما الذى فاتنى فى ذلك اليوم
ما الذى فاتها حتى تموت
نظرتْ إلى أملاكها من السحب
أعطت العصافير قبلة
ووضعت يدها على بطنها كأنها توقظ الجنين، ليخرج معنا
وبينما تغمز لى سقطتْ
على العتبة
مات ابنى قبل أن يولد
ماتت حبيبتى قبل أن تصل نظرتها إلىّ .
:
ما الفائدة
ولم تمتْ كما خططتْ
ميتة عفوية
تناسب امرأة أرادت أن تصطاد البحر نفسه
ولما حققتْ حلمها
لما رأت البحر يتلوى داخل الشبكة
ماتت من الفرحة
،،
على كل
سأدفنها هناك
فى موجة كانت تحبها
سأسلخ جلد البحر، كما أوصتنى
سأسلخ الزرقة
ثم أصرف قلبى إلى نوع آخر من الصيد
سوف أتقمص الأحلام القديمة التى لم تتحقق
الحزن مطب صناعى
يمكن لابنى الميت أن يجتازه
ويتمشى معى على الرصيف
أو فى ذاكرتى
ربما عاش طفولتى
وحين يكبر
حين يكون قد مشى بداخلى حتى وصل إلى سنى
حين يصبح أنا
سيعرف أن الحب يُحيى أجزاءنا الميتة
سيطلب من “هويد ا” صورة
سيعرف فى أى المواضع يقبل جمالها
:
ما الفارق بين أن يكون ابنك حلماً
أو أن يكون الحلم ابناً
تربّتُ على كتفه
تخبره أن “هويدا” أرسلت نفسها فى الماسينجر..
ساعى البريد الذى يتنصت على عواطفنا
يا للعواطف حين ترفرف فى الفضاء
كملابس الغسيل
يا للحب حين يكون سحابة
حين يمطر
:
وإن كانت “هويدا”
لا تحتمل الفراق
يا ما حاولتْ أن تقنع أباها بالعدول عن الموت
لكنه لم يقتنع
مات هو الآخر فجاة
من وقتها وأنا أقول لها :
الموت بائع متجول بضاعته الحياة
يتحور الموت يا “هدهد”
يتحول أحياناً إلى مسافة
قد يصبح سفراً طويلاً يا حبيبتى
لكن الموت يعيد خلق الحياة
كل منهما يعكس الآخر، كالليل والنهار
كالزوجين ، ” يتبادلان توضيح الملامح “
هكذا تقول لى زوجتى ، التى تغارين من قمصانها
تخبرنى أن الموتى يتحورون فينا
كل يوم
“قبل طلوع الشمس وقبل الغروب”
صدقينى
فقط افتحى فى حزنك فتحة تسمح بمرور أبيك
وسوف يكون معك وأنت تمشين هنا
على الرصيف
بجوارى.