أرجوك.. تصرف كشاعر

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

بقلم: بهاء جاهين

اسمح لى يا سيدى أن أشكو لك نفسك

تُعامِل الأدباء والمبدعين على أنهم موظفون عندك، ثم تطالب الجميع بأن ينادوك بالشاعر، وأن يكون هذا لقبك الدائم، يتردد كلما ذكر اسمك، حتى فى إطار عملك الرسمى كموظف كبير فى الدولة

إذن فأنت ترى نفسك شاعرا فى الأساس وتعتز بكونك شاعرا فيما يبدو. وإذن فالشعر له عندك قيمة، أو من المفترض أن للشعر قيمة فى نظرك. والشعر أدب، أليس كذلك؟ وعلاء الديب أديب فيما أظن، وأظن أنك تظن ذلك أيضا؟ لماذا إذن اعتبرته، أيها الشاعر الموظف الكبير، شيئا أقل حتى من مستخدم عندك؟، شيئا لن أسميه إجلالا لعمنا علاء، الذى له أياد بيضاء على النقد والإبداع فى مصر، وسأتركه بين يدى القارئ يفهم ويحكم بنفسه.

سيدى الشاعر المهتم بلقبه، إنك لم تكتف بالتعامل مع أديبنا وناقدنا على أنه موظف عندك، تخطى سن المعاش من زمان، ولا يوقع بانتظام فى كشف الحضور والانصراف لجريدة “القاهرة” التى ترأست أخيرا مجلس إدارتها، ويعمل الأديب الكبير مستشارا أدبيا لها ومشرفا على قسمها الأدبى منذ زمن طويل، وينشر فيها بابه النقدى الشهير “عصير الكتب” الذى قدم من خلاله للقارئ مواهب جديدة صارت نجوما فى سماء الإبداع، إضافة إلى انتقاء النصوص الصالحة للنشر من شعر وقصة ومقالة أدبية – كل هذا يفعله بعبقرية وخبرة أديب وناقد كبير لا تزيده السنون إلا صقلا. ولا ننسى أن نجيب محفوظ كتب “الحرافيش” وهو فى السادسة والستين، و”ليالى ألف ليلة” وهو فى السبعين، وكتب توفيق الحكيم أفضل مسرحياته فى سن تطلق البيروقراطية على بالغها رصاصة الرحمة باعتباره واحدا من خيل الحكومة. ورغم أنك من المفترض تعلم كل هذا، ورغم أن علاء الديب فى كل الأحوال ليس موظفا، عندك أو عند غيرك، حتى إذا تبنينا النظرة البيروقراطية التى يبدو أن شاعرنا ينحاز لها، لأن عمنا علاء يعمل فى “القاهرة” بمكافأة شهرية، وليس موظفا بها ولا فى مؤسستك أو دولتك – رغم كل هذا أيها الشاعر الرقيق، لم تكتف بالنظر إلى كاتبنا الكبير على أنه موظف صغير عليه أن يرتعش على أعتابك محكما إغلاق أزرار سترته قبل الدخول، بل بررت نيتك الاستغناء عن خدماته الجليلة للثقافة المصرية قائلا:

ماحناش فاتحينها شئون اجتماعية

وحين أراد الشيخ الجليل أن يحفظ ماء وجهه باستقالة، أصررت أنت – يا شاعرنا المرهف – وأعلنتها على الملأ: بل إنه استغناء.

أيها الشاعر الفنان الرقيق المرهف، الذى يذكرنا لقبه الإجبارى المفروض على كل الصفحات الثقافية فى مصر بلقب “الفنان” فاروق حسنى وزير الثقافة فيما مضى، هل الشعر قرنفلة فى عروة سترتك؟ أم شىء وقر فى قلبك؟

وإذا كان قد وقر فى قلبك، فلماذا لا يصدقه عملك؟

لماذا أوقفت مشروع “مسرح الجرن” الذى استطاع المخرج أحمد إسماعيل من خلاله، ومنذ عام 2008، إيصال نور الفن إلى القرية المصرية بمدارسها المظلومة المهملة؟ أوقفت المشروع بمجرد خروج صاحبه إلى المعاش، رغم أنه لم يكن يوما موظفا عندك، بل فى المسرح القومى، وعلاقته بمؤسستك لم يكن لها يوما صلة بكونه موظفا أو بسنه، بل هى مهمة قومية اضطلع بها أحمد إسماعيل منذ عام 2008 بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة، وكان تعاونا مثمرا، فلماذا توقف الآن؟ هل من المعقول أن يتوقف مشروع بهذه الأهمية لمجرد أن صاحبه بلغ الستين؟

سيدى. إنك تطلب منا أن نناديك بالشاعر. على العين والرأس، لكننا نطلب منك بدورنا ألا تفكر كموظف.

أرجوك. تصرف كشاعر.

ــــــــــــــــــــــ

*شاعر مصري

* نقلا عن جريدة الأهرام

مقالات من نفس القسم