البشير الأزمي
المصباح الشَّاحبُ المُتَدَلّي من سقف الغرفة لا يستطيع دفع ظلمة سحيقة تخيم على القلب..
أقتربُ من النافذة شبه المواربة وأطلُّ.. في الخارج الغروب منبسطٌ في المدى، خيوط الشمس انسحَبَتْ تاركة وراءها لوناً بنفسجياً يرطِّب لواعج القلب.. ألتفت خلفي، نور المصباح يزدادُ خُفوتاً. وأنا أُمَنِّي نفسي أن يَتَفَتَّقَ الأفقُ عن شمس متوهجة تنير مسالكي، وتُبْعد ظلمةً سَكَنَتِ القلبَ وأردتهُ عليلاً.
أَتَنَفَّسُ غيظي وأَنْفُثُ غضبي.. أتوارى عن النافذة، وأسمع صوتاً يهتف لي:
“لا غيظ.. ولا غضب.. ارتق جراحك وسافر..”
ساد الصمت للحظة، وترامى في المكان نباح.. اقتربت من النافذة من جديد، مسحتُ المكان بنظرة كاشفة باحثاً عن الكلاب التي أزعجني نباحها.. لا أثر للنباح، لا أثر للكلاب.. لا أثر لصوتك..
عاد صوتُك من جديد، وبنبرة أقوى قلتِ:
“استظل بأحلامك.. احك عشقك.. انفض غبار قلبك.. انثر ضحكاتك.. سافر.. بَدِّدْ ضيقاً يجثم على صدرك، أو احمل جسدك واركض نحو قبرك..”
فكرتُ في الهروب.. فكرتُ في الركض نحو الموت.. فكرتُ في الركض نحو القبر.. ما استطعت حمل جسدي.. ما استطعتُ رتق الشرخ الذي أحدثه غيابُك في جسدي.
1ـ الأحلام..
همَسَتْ لي: أن تحلم معناه أن تنسلخ من الحياة التي تعيشها كما هي وتسعى إلى الحياة التي ترغب في أن تعيشها.. أن تنتقل من الوجود الناقص إلى التخيل الكامل..
سرقني جمالك، وما العيب في ذلك.. أرسطو عَدَّ الجمال شرطاً من شروط السعادة، وأنا أحلم أن أكون مثل أرسطو وأنعم بجمالك ووصالك، فلأحلم ولن أتوقف عن الحلم لحظة..
2- العشق
أعترف أني تقدمتُ في العشق ولم أتقدم في العمر..
عشقتك فانتصبُ السعادة في طريقي، تحول حزني إلى لذة شفيفة.. أحسستُ بأني أولدُ من جديد.. وضع يدي على قلبك.. أحسستُ بنبضات قلبينا تمتزج.، أغمضتُ عيني فرأيتك..
سأطعن في عشقك..
لن أكون كالجاحظ الذي كتب عن العشق والنساء لكنه كان من المتوجسين من المرأة..
العشقُ وُلِدَ من جرح.. كنا، أنت وأنا، جسداً واحداً إلى أنْ قسمنا سيف ” زيوس” إلى جسدين مبتورين، فها هي روحانا تهيمان في الحياة، وأنا أشقى بحثاً عن نصفي التائه عَنِّي..
3ـ السفر
سافرتُ، اغتربتُ ولم تتجدد حياتي بعيداً عنك..
” السعادة لا تكون حقيقية إلا بالمشاركة..”
لن أسافر وحدي بعد الآن.. أنفض عني رذاذ الوحدة وأتوق للسفر معك.. للسفر إليك..
المصباح الشَّاحبُ المُتَدَلّي من سقف الغرفة لا يستطيع دفع ظلمة سحيقة تخيم على القلب.. أطلُّ من النافذة، أراك تمشين تحت دفقات حارقة من أشعة الشمس.. تلتفتين نحوي، تبتسمين.. ابتسامتك كَلَوْنِ الموت وهو يطاردني.. يسحُّ غضبي ويذوب، كشمعة تشهدُ آخر فترات احتراق فتيلها.. عبر خصاص النافذة، أهمس لك:
” محطة قلبك ترمم خراب قلب..
يتنفَّسُ عشقك الهارب..
من لهاتِ ركض..
يسعى أن يلحق بك..
أزفُّ ذاتي للموت..
أفردُ له ذراعي..
اسكبي جرحك..
يمضغني الفراغ..
تقاسمتك القلوب..
أريدُ نصيبي منك..”
تزدادين ابتعاداً.. يزداد قلبي انكساراً..
صوتك يقترب من النافذة من جديد.. الصباح يزحف بطيئاً.. أُمَنِّي نفسي أن أُودِعَكِ قلبي.. وأحلاماً تنزف من ذاكرتي…
أتضرعُ إلى الآلهة أن أبقى خالداً حتى أنعم بوصالك، أثناء تضرعي نسيتُ أن أطلب أن أبقى يافعاً فشخْتُ كما شاخ ” تيثنوس” وذوى، لما نسيتْ ” أورورا” أن تدعو الآلهة أن يظل شاباً خالداً، فذوى..
ذويتُ..
من يومها وأنا أسير في دجنة الأحزان..