أحب اللعب

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

الطاهر شرقاوي*

ما الذي تعنيه الكتابة لي؟ يبدو السؤال صعباً ومربكاً. لن أقول إنّ الكتابة تمثل الحياة لي، أو إنها مشروعي الفكري الذي سينقذ العالم من ظلامه، ويهدي الضائعين ويمحو الغصة من قلوب المنبوذين. تبدو لي كل تلك الإجابات زائفة وغير حقيقية، فيها مسحة من الترفع والتعالي. وفي الوقت عينه، لا أمتلك الجواب اليقين عن هذا السؤال. هل الكتابة هي بحثي الدائم عن إجابة لكل أسئلتي القلقة التي لا تنتهي للوصول إلى إجابات لا تريحني؟ لو كان ذلك صحيحاً، فهل حققت لي الكتابة ذلك؟ تحديداً لا أعرف. أعلم أنّ كلمة «لا أعرف» لا تعد إجابة، لكنها الإجابة الوحيدة التي أمتلكها الآن. وحتى العثور على إجابة مغايرة، ستظلّ إجابتي.

بشكل ما، أتعامل مع الكتابة كأنها «لعبة». ليس بمعنى الاستهانة بها أو السخرية منها. لكنّي أقصد أني أستمتع بالكتابة كأنّي أمارس لعبتي المفضلة. التعامل معها بهذا الشكل يمنحني المتعة التي تتبعها السعادة. يمنحنى اللعب مع الكلمات والجمل. فرصة تجريب أساليب جديدة أو محاولة صنع أشياء تقبع في خيالي. اللعب مع الكتابة يمنحني الحرية ويعيدني الى الطفولة، حيث الدهشة ومراقبة العالم والشغف باكتشاف المجهول وخلق عوالم غريبة من أشياء بسيطة، والإيمان بوجود هذه العوالم. هذا ما أقصده باللعب مع الكتابة.

 

ماذا إذاً عن اللغة؟ هي أيضاً أحب اللعب معها. أن تتقمص شخصية عالم آثار وتنقب عن الكلمات والمفردات، تزيل عنها ما علق بها من تراب وطين وتعيد إليها رونقها. هل جرّبت مرة أن تتعامل مع الكلمة كما تتعامل مع العشيقة؟ وما المانع من مغازلة الكلمات والتوله في جمال وخفة المفردة؟ الإنصات الى ما تبثه من موسيقى خفية، أعرف أني أقترب بهذا الكلام من منطقة الشعر، والمفترض أني أتحدث عن النثر، لكن النثر يحمل بداخله شعراً أيضاً. الجملة تحمل جمالياتها وموسيقاها الخاصة، كما أنّ الشعر هو روح العالم.

هل أكون ـــ عندما أكتب ـــ قاصداً طرح واقع معين منذ البداية، أم أنّ هذا الواقع هو الذي يختارني؟ لا أعرف. ها أنا أعود الى استخدام «لا أعرف». ما أعرفه أنّ هناك عوالم معينة، تظل كطائر يمتلك مخالب، تحلق داخل روحي، قلقة، ومتوترة بشكل واضح، وتكون كتابتها هي الحل الوحيد.

وبعيداً عن كيفية نمو هذا العالم بداخلي، المهم أنّه موجود، وهذا يكفي. أنا أيضاً فوجئت بعد فترة من الكتابة، بأنّ هناك عوالم تطرح نفسها، سواء على استحياء أو عمداً. وهذا لا ينفي وجود عوالم أخرى كنت قاصداً وواعياً بها أثناء الكتابة. إذاً المسألة ليس لها قانون محدد وثابت. الواقع الذي أطرحه هو واقعي أنا، الواقع الذي أعيشه وأحياه، الذي أتنفسه وأراه، الذي أتذوقه وأشمه، الذي أتصالح معه ثم أركله بقدمي وأنبذه بعيداً، الذي أغني له وبعدها أتلافاه، العالم الذي يبدأ من السرير الذي أنام عليه، وحتى العالم الذي لا حدود له. حتى البطل الذي أطرحه ربما يكون أنا. أطرح نفسي كما عشتها، وكما أعيشها، وكما أتمنى أن أعيشها، وأيضاً كما أتمنى أن لا أعيشها. أنا الذي يمشي في الشارع يتسلى بركل الطوب بمقدمة حذائه.

الرواية اليوم أشبه ما تكون بالعالم الجديد الذي يجذب إليه المريدون والشعراء وكتاب القصة. عالم رحب يمتلك إمكانية منح مرتاديه كل ما يحلمون به، حيث الكتابة والتجريب وطرح أشكال جديدة. عالم جديد يمنح المتعة لكل من يطأ أرضه.

 

مقالات من نفس القسم