هبة الله شاهين
أتدري ما القلق؟ أن تبقى على حافة الحياة لست حيًا ولا ميتًا
لمست القلق بأصابعي ونبضات قلبي، احتل رأسي قبل حوالي ست سنوات أو أكثر، أخبرتني الطبيبة المعالجة، بوجود احتمالية أن أكون مُصابة بمرض القلق المزمن والمُفرط منذ ولادتي، أو قد يكون قد نتج عن صدمة تعرضت لها في طفولتي، خاصةً أنني ومنذ سنوات عمري الأولى كنت كلما شعرت بالخوف أو انتابتني نوبات قلق مفاجئة، ابدأ في قضم أظافر أصابعي العشرة، ثم أمزق الجلد الرقيق المحيط بهم، ولا أترك ظُفري حتى يتفجر الدم من جوانبه، أدعه ينمو مجدداً لأعيد قضمه، نجحت في التخلص من هذه العادة قبل عدة سنوات، لكني لم أتخلص بعد من القلق المُفرط.
حولني القلق لمُحتالة أخدع معالجتي النفسية
في عام 2020 أتخذت قراري الذي تأخر لسنوات طويلة، بزيارة معالج نفسي يمنحني وصفة علاجية أو طريقة اتخفف بها من أعراض قلقي، فلم تعد لحظة تمر عليّ في النهار أو الليل لا أشعر فيها بالقلق والتوتر والخوف، في أحيان كثيرة لا أعلم ماهية خوفي ومم أخاف بالضبط، فقط أنا أخاف وجسمي مهيأ دائما للدفاع أو الهجوم، لا أدري من ماذا وعلى أي شيء؟ كانت الأعراض خفيفة حينما أتممت العشرين عاماً، وفي العام الـ25 تزايدت وصاحبتها أعراض جسدية مثل تسارع ضربات القلب عند النوم والرعشة والتعرق الشديد حتى في أيام الشتاء شديدة البرودة، فلم يكن أمامي سوى الاستعانة بمختص.
وصفت لي المعالجة النفسية حينها بعض الأدوية والمهدئات، نصحتني بتناولها قبل النوم بساعة أو ساعتين، لأعطى رأسي الفرصة الكاملة للتوق عن التفكير والقلق والخوف غير المبررين، تلا ذلك بعض الجلسات النفسية بدافع الفضفضة والحصول على بعض النصائح لمواجهة نوبة القلق فور ظهورها، انتظمت حوالي عام على زيارات الطبيبة النفسية، وفي آخر جلسة نصحتني ألا أكرر الزيارة مرة أخرى، فأنا لم أعد في حاجة لمزيد من هذه الجلسات، مسكينة كانت تظنني قد تعافيت، وأنا التي كنت أعطيها أنصاف إجابات ونُتف من الحكايات، بينما احتفظ بالجزء الأكبر والأهم منها بداخل رأسي.
أحاول مراراً التأقلم مع قلقي فينقلب عليّ
يُعرف القلق المُفرط أو اضطراب القلق طبياً بأنه المرض العقلي الخطير، الذي يدفع الشخص المُصاب به للاستجابة لمواقف وأمور حياتية يومية مختلفة بشيء من الذعر والخوف والتوتر، تصاحبه بعض الأعراض الجسدية مثل سرعة خفقان القلب والتعرق والشعور بالعجز وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، حتى في أبسط المواقف، هذا بالضبط ما يحدث معي كل يوم وكل ساعة، بل كل دقيقة، الشاعر بالقلق الدائم لا يستطيع اتخاذ قرار عبور الطريق أمام حشد من السيارات، ليس خوفاً من الموت تحت عجلات سيارة اختلت من قائدها، ولا حباً وطمعاً في حياةً لا يدري في حقيقة الأمر هل هو يعيش بها أم يشاهدها من بعيد، الشخص القلق، تنطبق عليه عبارة السيدة فيروز “وشو قالوا يا عُمر حلو وما دِقتك!”، هو فقط قلق ولا شعور آخر، لا يفرح لا يحزن لا يتمن، لا يحب ولا يكره، ولكي أكون مُنصفة، قد يحاول اقتطاع أجزاء من كل هذه المشاعر معًا، لكن دائماً لا شيء مُكتمل.
في حضرة القلق كل شيء غائب.. عدا القليل من الخوف
القلق ضيف ثقيل، شديد الأنانية، في حضرته لا متسع لأي شعور آخر، فقط القليل من الخوف والفزع ومستويات أعلى من الأدرينالين تصاحبها رعشات بالأصابع والكفين وأحياناً الكتفين وجوف الصدر، يداهم رأسك فجأة يشل حركتك، فتنفلت من بين يديك كل لحظة طيبة أو سعيدة تعيشها، يحاول إقناعك أنها عابرة، كاذبة، ستمر مرور الكرام وتعود لوحشتك ووحدتك وله وحده في النهاية، فتصبح “بين بين” تخشى لحظة نشوة و سعادة قصيرة الأجل، ضيفك الثقيل الذي ينتظرك فور العودة للفراش، لا أفهم لماذا يصبح حضوره أكثر وضوحًا في الضوء الخافت أو الظلام الكُلي وأعلى طرف الوسادة؟
اختبرت القلق في مواضع عدة، في تأخر الحافلة عن موعده عشر دقائق، انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من ربع ساعة، عدم وصول رسالة بريد إلكتروني خاصة بالعمل تتأخر يومًا واحدًا عن موعدها، حتى أنه انتقل من رأسي لمعدتي وأمعائي الغليظة، استوطن وسكن هناك، يقولون المعدة بيت الداء، ربما هي أيضًا بيت القلق الآمن والمُريح! تفور عصارة معدتي مع كل لحظة قلق أو خوف تمر بي أو أمر بها، يضربني ألم ارتجاع المريء الخانق في صدري وظهري حتى أسفل العنق، تتلاشى الرغبة في النوم مع ارتفاع وتيرة الألم، يعلن ألم القولون العصبي عن حضوره دون دعوة مُسبقة، يصبح كحزام خانق يطوق منطقة البطن من الأعلى والأسفل ومن الجانبين أيضًا.
أحاول حينها خداع القلق بقرص مسكن للآلام أو كوب دافئ من أعشاب البابونج والبانسون، يهدأ وينام قليلاً، ثم يستيقظ أكثر يقظةً وتوحشًا، فينهال على رأسي ومعدتي ضربًا وإيلامًا، ولا خاسر في هذه المعركة، فأنا حية وهو هناك مازال حيًا!