هو حسن عبدالموجود”أبو صوفي” كما أحب دوما أن اناديه وأعتقد كما يحب هو أيضا، فصوفي ابنته – وكما أجزم أنا دون حاجة إلى تأكيد منه- أجمل وأروع شيء في حياته. أدركت هذا حينما حكى لي عنها لأول مرة. ليس فقط عن طريق حماسه الذي الهب كلماته البسيطة وهو يقص على حكاياتها و اسئلتها الفلسفية المدهشة،المفرطة في برائتها، ولكني ادركته ايضا عن طريق نظرة أضفت على عينيه بريق خاص، اخترق القلب وأكد لي أن ذلك الصعيدي بن نجع حمادي يحمل بين ضلوعه قلب أصابه الأدب بضعف لذيذ فأصبح أب فريد من نوعه.
اعترف أن صوفي قد جعلتني أعيد رسم صورة حسن عبدالموجود في ذهني، فهو ليس الشخص الجاد، الحازم، العصبي، المهموم بتفاصيل عمله فقط. لكنه ايضا الأب الحنون، الذي يتحول إلى طفل كبير فور تلقيه اتصالا من تلك الشقية المعجونة بالبراءة، التي تمنيت كثيراً أن التقيها واعرفها عن قرب كما عرفت رسوماتها وخطوطها الجميلة التييزين بها حائط مكتبه الصغير.
لوحات صوفي لا ينافسها على حائط مكتب حسن سوى صورته بصحبة الأديب العالمي نجيب محفوظ. يشكلا معا حالة تعكس شخصيته، فهو أب بقلب طفل يهوي لعب البلايستيشن ويجيد فن “غيظ” منافسيه، إن فاز عليهم محققا انتصارا تلو الاخر. وهو ايضا صحفي أخبار الأدب الذي يمتلأ جرابه بكثير من الحواديت المدهشة التي كثيراً ما ضبط نفسي متلبسة بغبطته اذا ما حكى عن إحداها أمامي. فأن تقتسم الكادر مع أبطال طالما فتنوك بما سطرته أقلامهم، لهو أمر مدهش، لا يدركه إلا من مسه عفريت الأدب، ووقع في غرام الأدباء على اختلاف أنواعهم وأنماط ما يكتبون.
وهو كذلك الأديب المختلف الذي جذبني عالمه الخاص في “عين القط” وأثار بداخلي العديد من التساءلات. هو نفس العالم الذي استفزني في “ناصية باتا” وأكد لي ان تجربة حسن عبدالموجود الحياتية، تجربة ثرية ومختلفة، لازال فيها الكثير الذي لم يطرحه بعد.
يجمع بيني وبين حسن عبدالموجود علاقة زمالة تمتد لما يقرب من 6 أعوام. امتلأت بالتفاصيل والقصص والخلافات والضحكات والمواقف التي سمحت بأن يحمل كل منا للآخر كماً من الاحترام والمودة والثقة.
احترم حسن عبدالموجود برغم “وسوسته” وخوفه الشديد من المرض والحسد. أحب طيبة قلبه وخوفه وأرقه اذا ما شك للحظة أنه ظلم شخص ما او جار على حقه عن عمد. استمتع بحكاياته التي يجمعها من سائق التاكسي ” وسيلته المفضله في الانتقال بين شوارع القاهرة”. تلك الحكايا التي يرويها بحرفية عالية لكل من يعرفه. يهبها له مغلفة بدهشة واستغراب من يتعرف على القاهرة وسكانها لأول مرة.
دهشة تؤكد لي دوماًان مساحة التشابه بيني وبينه كبيرة. وربما يكون هذا هو سر استيعابي لشخصيته التي قدر يرى بعض الأصدقاء المشتركين بيننا أنها شخصية يصعب فهمها، لكنني امتلك مفاتيحها. ليس لأنني العالمة ببواطن الامور. ولا المحللة النفسية “الفلتة”. لكن لأنني اثق أنني وحسن لدينا ذات الأرض المشتركة التي وان اختلفت تفاصيلها تشابهت.
فهو ابن الصعيد الذي جاء إلى القاهرة من عالم مختلف بمنمنماته البرئية، ووجوه أهله التي لا تعرف الرتوش. ترك أمانه واستقراره ودفء عالمه الخاص، سعياً وراء حلم قد يكون هو الوحيد الذي يراه بوضوح. عانى كثيراً من نفوس بشر قست عليه أحيانا، وحاولت دهسه أحيانا، وبنت بينه وبين حلمه سداً وراء الآخر. لكنه أجاد فن المعافرة وجعل من إصراره حرفة. فاستطاع ان يجعل من حلمه واقعا ملموساً له وللاخرين.
أعرف هذا ليس لأن حسن قد حكي لي عما شهده من مصاعب في هذه المدينة المجنونة التي اصابتنا جميعا بلعنتها. لكني اعرفه لأنني عشت قصة مشابهه أعرف أنه هو وكل من مسته لعنة الكتابة فترك أهله وبيته وأرض ميلاده واستجاب ” لنداهة الأحلام ” قد عاش مثلها وان اختلفت تفاصيل السيناريو ولمسات الإخراج.
مساحة التشابه تلك هي التي جعلتني ألجأ إليه حينما شعرت بأن قلمي قد قرر الصوم عن الكتابة رغما عني. فقررت أن أرمي كل مخاوفى بين يديه ونحن نتقاسم “طبق سلطة خضرة” استشعر قلقي ورهبتي التي وصلت إلى حد الفزع. فطمأنتي ضحكاته عندما علم أن فترة الصيام لدي لم تتجاوز بضعة أشهر. ليصرح لي بأنه قد صام من قبل عن الكتابة أربعة سنوات كاملة. حينها اتسعت عيناي من فرط الدهشة. وتسائلت كيف يحدث هذا.. فأجاب “انه أمر صحي.. فالصيام عن الكتابة يمنحنا الفرصة لمراقبة أنفسنا واعادة النظر لما خطته أقلامنا. وهذا أمر في صالح كل منا.”
نصيحة هدأت من روعي وجعلتني استعيد الثقة في قلمي، لكنني لم اتخيل حينها أن ذات القلم عندما يقرر أن يكسر صيامه، سوف يكتب عن حسن عبدالموجود تلك الكلمات. وهو الأمر الذي أعرف جيداً ان حسن عبدالموجود لن يتخيله ايضا.. لكنه قد حدث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*روائية وصحافية مصرية