أكرم محمد
تُبنى رواية “أبو الهول” للروائي والسيناريست أحمد مراد كسردية تأريخية تتقاطع مع السيرة الشفهية. الرواية الصادرة أخيرا عن دار الشروق بالقاهرة تخلق نصاَ شاعريا يفتتح كسؤال فلسفي يسكن النص وبنيته الشفهية عن ثنائية السلطة/ الإنسان، وإعادة بناء مفاهيم اللذة والقداسة، منطلقة من السردية التأريخية لتبني سردية موازية للنص. هذه السردية تأتي كنص تأريخي مستخدما تقنية كتابة المذكرات.
يمتزج سؤال السلطة مع إعادة بناء مفهوم الزمن والعشق والفراق والماضي ومفهوم الذات وعلاقتها بما حول من أنام ومجتمع. كما يمتزج مع مفهوم القداسة، الذي يتناسق مع بنية النص الكائن بها السيرة الشفهية، ومفهوم الجنس واللذة، الذي يخلق إيروتيكية تخلق شاعريتها الخاصة. ومع ذلك فإن تلك البنية الشفهية السردية وتلك الشاعرية الخاصة لا تنفيان البناء المشهدي والسينمائي للنص..
يطرح النص رؤية سياسية تنطلق من علاقة الإنسان بالسلطة، كما يطرح ثنائية الرجل الأبيض/ الإفريقي، منخرطا في براثن الفقر والذكورية الشرقية ومنطلقا القداسة والسلطة واللذة، بأطروحات تتحول أحيانا لدادية..
تتقاطع السريالية والدادية في النص، لتشيد بعدا فلسفيا منبثقا من سردية شفهية شعبية مستندة إلى بنية الشخصية، فتبنى المشهدية السريالية على مفاهيم السلطة واللذة والقداسة، في تقاطع يوازي مؤاخاة النص لفعل اللذة ومفهوم القداسة، حتى تظهر في مشهدية تسكن النص، الذي تتحد عناصره في دينامية تأخذ من تلك السريالية الشفهية الشعبية سبيلا لأسئلتها في مشاهد عدة، ويتجلى ذلك في اكتشاف القضية الثانية عند إخبار “كارليسمو”، رمز الرجل الأبيض الممثل لقداسة موازية للحكايات الدينية والمقدسات مما يظهر تلك الدينامية في النص حول مفهوم القداسة وبرء قداسة موازية شفهية شعبية بها من علاقة الذات بنفسها ومجتمعاتنا ولذتها وسلطتها، للراوي بالقضية الثانية وهي مقتل “الحوت”، فيتجلى معنى السلطة وطرح رؤية حولها برؤية شبه سريالية لا تنفي كونها قضية في نص يحتضن البوليسية.
وتطرح سردية القضية الثانية معاني السلطة مقترنة بالقداسة والرجل الأبيض، فيعرض القزم المبتلع من العملاق ترميزا لثنائية الإنسان والسلطة، الضخم/ الصغير، البالع/ المُبتَلع، على الخديوي إسماعيل، كرمز على السلطة مواليا في دينامية تهيمن على النص ما سبقه من فعل الترميز الفني لمقتل الحوت، “الوهم”، ذلك الترميز الرابض سيرة شفهية شعبية القداسة وروايتها، قداسة موازية لفعل الإيهام، موازية ل”المسيح الدجال”؛ حيث تنتهي السيرة الشفهية للوهم كدينامية تنامي مفهوم القداسة المهيمن على النص، حتى في ذكر الرقم سبعة المقدس من سليمان موحيا بذلك المفهوم وتكراره في النص الموازي لسيرة مقدسة شعبية يوحي بمفهوم القداسة ومؤاخاته لمفهوم السلطة.
يناقض النص التأويل الأول للحوت، “الوهم” كسلطة تلتهم الصغير، لتغدو السلطة نفسها الجزء الثاني من ثنائية الحاكم والمحكوم تحت براثن ومراسم رجل أبيض، لتكون سردية مقتل الوهم ذات مفعول الدينامية لباقي النص؛ فهنا سردية القداسة، ومفهوم السلطة، وتأثير الرجل الأبيض، وفعل اللذة في مشاهدة رواد السيرك ل”الوهم”.
تتجلى السيمائية في النص مقترنة بالمشهدية السينمائية، فتنبثق كآفة للنص في ملاحقة ما ظنه سليمان المسيح الدجال، ترميزا لمفهوم القداسة وسرديتها وإيهامها وماهيتها، بعد وفاة معشوقته، التي أُطلق عليها اسم “زهرة” من قبيلتها الممثلة الجزء الثاني من ثنائية محلها الأول هو الرجل الأبيض، وهو اسم ذو رمزية في الأغلب أطلقها سليمان ذاته على محبوبته بعد عشق داني على قلبه الفاني بديلا للقب “قشطة”، فيكون بتمثيله لعلاقة الإنسان بمن حوله ومحاولته الاكتمال والفخر باعثا لإطلاق اسم على محبوبته يخصه، ربما هو ليس اسمها الحقيقي؛ بل هو مجرد تأويله بفعل الإيهام المهيمن على النص كسؤال فلسفي عن القداسة وكسؤال فني في سردية وبنية تلك الشخصية، تنتهي الملاحقة في حضرة العشق الإلهي خالقا رؤية لمفهوم العشق ككل، مقترنا بعشق سليمان وفقده لحبيبته، وحاملات تأويل لمعنى القداسة، فتكون حضرة العشق الإلهي وحضور الدرويش خلفية سيمائية لمعاني العشق والقداسة، وهو ما يظهر أيضا في المشهد السابق من خلق فن موازي للفن معبرا عن مشاعر سليمان، كما ينجلي النص عن سيمائيته في طرح الإشارات ترميزا لمفهوم القداسة باعثا دينامية متجلية في النص.
تتحد القدرة الحكائية مع السردية الشفهية، فتمتزج مع البعد التأويلي فلسفيا ومع السيرة الشفهية فنيا، فتتقاطع الحكايات المبروءة من الهامش، الذي يظل هامشا في سردية سليمان، مع البنية الدرامية الباحثة عن قاتل المعشوقة والمقموع القامه.. كل منهم ذو دلالة تتحد في دينامية مع بعد النص الفلسفي، وكل منهم يقطنه الاختلاف، كعنوان لقتله.
تقاطع سردية “بختة” مع البناء الدرامي للبحث عن القاتل يضفي طابعا بالقدرة الحكائية التي تروى كأمثولة مأولة.. تنبنى السرديات المتقاطعة، ككل، كأمثولة يسكنها تأويل يشترك بتلك الدينامية مع فلسفة النص من معاني السلطة والرجل الأبيض والقداسة، فيروى ما ضاع من الأمة والإنسان وأولها عيننا وكتبنا، نظرتنا واستخلاصنا المنهوب من طلى الغرب، هؤلاء المكررين في السردية بسيمائية “المكرونة”، كما يتردد الرقم سبعة موحيا بمفهوم القداسة.. ذلك المفهوم الذي يستمر في بناء النص حتى يلج إلى مربض السيرة الشعبية، حيث سيرة موازية للإنسانية، وطرح لمفهوم الإنسانية، ككل، بداية من مفهوم تحررها ونجاحها حتى مفاهيم اللذة والمشاعر وصولا بما مر عليها من السلطة، تلك المركزة بسريالية تليق بالسردية، حتى علاقة مصر بقامعيها.