آلزهايمر

موقع الكتابة الثقافي art 40
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد مصطفى الخياط

أهلاً وسهلاً.. خطوة عزيزة.. مع إنى واخدة على خاطرى منك.. العيد اللى فات ما عيدتش عليا، بس أنا عينالك شبرقتك والتفاحة بتاعتك، شكلك أتغير، ياااه من آخر مرة شفتك فيها، كنت تعدى من تحت البلكونة لابس قميص أبيض مكوى وبنطلون أسود، كنت زى عود البوص؛ طويل ونحيف، انت ما خدتش بالك منى، بس أنا كنت عارفة مواعيد رجوعك من الشغل، كنت لسه صغيرة يا دوب ستاشر سنة، وانت راجل كبير بشنب وشعر أبيض، تسلم على أبويا من بعيد، فيرد ويقولك “اتفضل يا أستاذ فاروق”، أبويا كان عنده برنيطة خوص يلبسها يوم ما يروح الغيط.. من النجمة نحضر له الفطار والشاى، أسخن المكوة على وابور الجاز وأكوى له الجلابية والشال الأبيض.

أنت شبه الراجل الأصلع اللى في الصورة اللى ع الحيط دى، أصلها عندى من زمان وورقها إصّْفَر، مش عارفه مين حطها في الصالون، أنت شبهه في شبابه وفيك من ريحته، ربنا يحميك ويطول عمرك، أبويا الله يرحمه ربى ولاد عمى بعد ما اتوفى، علشان كده كل احد منهم سمى واحد من ولاده “جابر”؛ على أسم أبويا، عمى اتخطف صغير وسابهم كوم لحم، أبويا قال ولادى وها أربيهم، أمى قالت يربيهم آه لكن يتجوز أمهم لأ، كان يشترى الأكل ويقسمه بينا وبينهم.. وفى العيد نروح سوا نشترى الصنادل الجديدة من باتا، كان عندى صندل أحمر لميع وفستان بمبة طويل بحزام، ليلة العيد يبقي نفسى أمد إيدى في جُحر الليل واشد النهار من ودانه علشان ألبسهم، وقبل ما أمى تصحينى أكون صاحية، تولع الوابور الجاز وتحميني، استحمل ريحة الجاز وإيدها وهى بتحك ضهرى بالليفة والصابون علشان خاطر الفستان البمبة والصندل الأحمر اللميع.

يومها بالليل جه الراجل التخين اللى في الصورة دى ووقف جنبى واتصورنا، الصورة الابيض واسود اللى فوق راسك، كان لسه عنده شعر وعامل كاريه، وأنا كنت لسه رفيعه، حقك والنبى ليلتها دورت ع الفستان البمبة والصندل الأحمر ما لقيتهم، لبسونى فستان أبيض وحشروا رجلى ف جزمة بيضا ببوز وقعدونى زى الصنم، ضهرى مشدود وكفوفى على ركبى زى التمثال اللى على ضهر الجنيه الورق، ها ها ها، لا حركة يمين ولا حركة شمال، حتى عينى ما رمشت، ها ها ها، فين ده من اللى بيحصل اليومين دول، العروسة بترقص مع أمها، وأم العريس ترقص، قلة قيمة بعيد عنك.

والنبى ما ناسياك يومها يا سى فاروق لما سلمت عليا أنت والست بتاعتك.. ما تزعلش منى كانت مليانة حبتين، وكنت أنت يومها لابس بدلة سودا وكرافتة رفيعة.. قيمة وسيما ومفرود زى عود البوص، سلمت عليا وقلت لى “مبروك يا سعاد يا بنتى” ومراتك باستنى، والراجل اللى جنبى في الصورة ده سلم عليك وباس إيدك وقلت له “مبروك يا ابنى”، ومراتك قعدت تبوسه لغاية ما أنت قلتلها “كفاية بقى، ما تجيبى معلقة وتاكليه أحسن”، ها ها ها، حلفتك بالنبى اللى زرته يا سى فاروق، تعرفشى مين الراجل اللى فى الصورة دى؟.

………..

أعملك شاى يا سى فاروق؟، عارفه إنك بتحبه وعندى كحك وبسكويت.. يا معين، هى بس الخشونة اللى شدة عليا اليومين دول، رحت لدكاترة كتير، حقن ياما، ومراهم ودهانات ياما، وإشى حبوب وإشى شرب، حتى اللبخة اللى جابتها البت فوقية أم عقل خربان جربتها وما فى نتيجة، زهقت بعيد عنك والدوا تعب معدتى، وقفته وبقيت أحط قربة الميه السخنة على ركبى واتسند ع المشاية، خطوة خطوة، الحمد لله، ها ناخد زمانا وزمن غيرنا .. كل شيء له آخر.

يُسترك.. كلامك جميل، وعمرك ذوق، ودايمًا كنت تقف فى صفى، آدينى قربت أوصل المطبخ آهو، والنبى ما تقوم، خليك قاعد، أنا ما صدقت تزورنى، بَستنى من العيد للعيد، وأنت العيد اللى فات ما جيتنى، أقول يا ترى الاستاذ ما جاش ليه؟، إيه أَخره؟، وراسى تودى وتجيب، وقال إيه البت فوقية اللى بتيجى تساعدنى تقولى “هو فيه يوم ما بيعديش عليك؟، دا كل يوم عندك”، قلت لها “جاتك خابط، صحيح كبرتي وخرفتي يا فوقية”، كلام فى سرك من يوم ما اولادها اتجوزوا وجوزها اتوفى عقلها خرف.. ها تقولى عليها؟.. دا أنا اللى مربياها، أمها جابتها قطة مغمضة عندها تمن سنين، خرجت من عندى عروسة لبيت جوزها، يقطعه إسماعيل الأصفر المسبسب، جانى وطلب إيدها وقلت له لأ، دى ضُفرها برقبتك.. ما عدش إلا المكوجى المسبسب أبو عين زايغة، ولا نسيت جرايرك وبلاويك مع شغالات العمارة، اتمسكن وحَب على إيدى ومِيِتْ يمين مظلوم، قصره يا أستاذ البت كان نفسها فيه، وأنا كان نفسى أجوزها، البت كبرت وما عدلهاش قعاد، بس أنا قلت أَعرفه أنها مش سهلة.. والحمد لله اتجوزوا، وحياتك باديها مرتبها كأنها بتيجى كل يوم، وهى يوم تيجى وعشرة لأ، تنضف وتمسح وتاخد اللى فيه النصيب وتروح، بس شهادة لله، نضيفة ومُرتَبَة وأمينة، عمرها ما مدت إيدها على جنس شيء، أمال.. تربيتى.

شايف البوتجاز ده، أطلس أربع شُعلة وفرن، حجزناه من عمر أفندى وبعد سنة وشهرين وخمس تيام استلمناه.. اسم الله على قيمتك الراجل المربرب الأصلع إللى ف الصورة إلى قدامك، واللى برضه صورته بكاريه فوق راسك وانا جنبه بالفستان الأبيض، جابه على عربية كارو وكإننا فى عيد، قُطعت البوابير الجاز وريحتها ومشاكلها، إشى الفونية انسدت، إشى عاوز يتعمر، وتبقى إيديا ريحتها جاز، وأنا موسوسة خايفة الأكل يبقى فيه ريحة، بس الأمانة يا سى فاروق الراجل ده كان محترم والعيبة عمرها ما تطلع منه، وما لوش طلب غير كوباية الشاى مع فصين قرنفل، ها ها ها، حطيت لك نعناع، عارفه ما نسيتش، بس لا مؤاخذة ناشف، فاكر كنت تجينى وأقطف لك عود أخضر من القصرية على سور البلكونة.. راحت البلكونة وسنينها.. ما أنا قلت لك، قُطعت الخشونة، الحمد لله، عارف يا سى الأستاذ، البوتجاز ده ياما طبخ صوانى وطواجن ومحاشى وإشى محمر وإشى معمر .. أمال، دا أنا كنت ست بيت معتبرة، تلاقيك مش مصدقنى؟ .. أقولك؟، ولا لك عليا حِلفان، مرة عزمت أخواتى وقرايبى.. الأكل عجبهم وبقوا مش مصدقين، يقولولى ولا الفنادق يا أم محمود.. وأمانة عليك تعزمينا فى رمضان، قلت لهم من عينى، والله يرحمه كان كريم وشهم، يوه ما أنت كنت معاهم يا سى فاروق، ولا تلاقيك نسيت؟، وحياتك الراجل اللى فى الصورة اللى قدامك دى.. ما هو أصله وقتها بقى أصلع، دبح خروف وكان عاوز يجيب طباخ، قلت والله ولا يعتبها، وقمت بالشغل كله أنا وفوقية وبنات أخواتى، بس كان يوم ما تقولش لحبيبك عليه، ها ها ها، الناس قاعدة ع الفطار مِسَهِمة وودانها مربوطة بالراديو، وكل ما المذيع يقول جاءنا البيان التالى يتسمروا.. اللى بياكل يبطل.. واللى ماسك معلقة ايده تتخشب وأول ما البيان يخلص، يقولوا فى نفس واحد “الله أكبر، عبرنا، الله أكبر، انتصرنا”، وأنا قاعدة ها يجيلى نقطة، إن حد منهم يقول الله أكبر إيه الأكل الحلو ده، ولا تسلم إيدك يا أم محمود، ولا كأنهم هنا خالص، فين، وبعد الشاى والكنافة والجلاش والمهلبية افتكروا وهم ماشيين يقولوها، خرجوا من هنا والضغط مسك راسى، ربطتها وقعدت مطرحى، والبت فوقية أم عقل خربان تقولى “زعلانة م الحرب يا ستى؟”، قلت لها يجيلك ويحط لك، حرب إيه؟ وهباب إيه؟، تقولى “طب اطفى النور ليكون فيه غارة؟”، قلت لها غارة لما تشيلك يا بعيدة، الغارة دى كانت فى سبعة وستين، أيام ربنا ما يعيدها لما كان بتوع المقاومة الشعبية يزعقوا علينا “طفوا النور”.. ونـِجَلِد الشبابيك بورق أزرق، ويانى لما اسمع صوت صفارة الإنذار اللى فوق قسم الشرطة، قلبى يقع ف رجليا، وقتها كان محمود سنتين وحامل فى عفاف، عقبال أولادك..، عفاف كبرت وأولادها كبروا واتجوزوا، بس برضه مش بتزورنى غير فى العيد، كلمة ف سرك لما بتيجى بشوفها تدى البت فوقية فلوس، علشان كده أم عقل فالت تقولى الست عفاف بتزورك كل يوم بعد الشغل، شغل إيه يا موكوسه يا أم عقل تالف؟، عفاف اتجوزت وسافرت مع جوزها البحرين وأولادها فى المدارس هناك، ها تجينى كل يوم من البحرين وترجع؟، صحيح عقلك خف من يوم ما جوزك المسبسب مات، أصلها كانت بتموت فيه، تقوم البجحة ترد عليا وتقولى “سماعين عايش وفاتح محل فى مصر الجديدة”.. قال مصر الجديدة قال؟، أعمل نفسى مش سامعة وافوت لها، ها أعمل إيه؟، زى بنتى ومربياها ولازم استحملها.

أتفضل يا خويا، أتفضل الشاى، شامم ريحة النعناع؟، بلدى، مش بقرنفل زى ما سى الأستاذ أبو كاريه بيحبه، إلا والنبى حبيبك تعرفشى إسمه إيه؟.

………..

يعنى ما كلتش!، طب كحكة كمان؟، ده بسمنة بلدى مش زيت عربيات زى اللى في السوق، كان عندى حتة سمنة قمت قلت للبت فوقية تشترى لنا اثنين كيلو دقيق مع نص بندق مقشر، مين لسه فيه حيل يِكَسَّر بندق، ها ها ها، فاكر مارى منيب وهى بتدى لعروسة ابنها بندقة تكسرها علشان تشوف سنانها جامدة ولا لأ؟.. آآآه أيام، وحياتك كنت أكسره بسنانى زى اللب والسودانى، وسى الأستاذ اللى صوره قدامك وفوق راسك ياما جاب، بس السكر ما خلى فيه سنان للمهلبية ها يسيب سنان للبندق؟، ها ها ها، قُصره، تقوم أم عقل مفوت تقولى هو أنت عاوزه تعملى كحك يا ستى؟، زَعَقْتْ فيها وقلت لها جاتك خابط، من إمتى تقولى أعمل وما اعملش؟، اعمل اللى أنا عاوزاه.. قومى فزى وهاتى طشت بلاستيك نعجن فيه.. يمكن الكحكة مش مدورة قوى؟، بس على كيف كيفك.. والنبى خد واحدة كمان؟، حلفتك بالنبى اللى زرته؟، أيوه كده الله يكرمك ويجبر بخاطرك، ها، أمانة عليك ما تقول غير الحق، زى السوق ولا أحسن؟، والنعمة دى عارفة إنك ما تشهد غير بالحق، هو أنا ناسية وقفتك جنبى لما شوية أخدت على خاطرى من سى الأستاذ اللى في الصورة اللى قدامك، طول عمرك حقانى ولا همك إن الست أم سى الأستاذ زعلت من كلامك، ربنا يجبر بخاطرك زى ما جبرت بخاطرى، هو الحق يا ناس يزعل؟..، ألف هنا.. ومطرح ما يسرى يمرى.. وألف صحة، دى كفاية جيتك اللى بستناها من السنة للسنة، وأمانة عليك المرة دى ما تكسفنى وتاخد حبايتين التفاح الأحمر الأمريكانى دول وشبرقتك؛ ده قرش بسيط، مش من قيمتك، أصرفه وأنت مروح، ولو حد سألك قولهم كنت محوشه للعيد.. أيوه كده أضحك، والنبى بقيت شبهه خالص، كأنك محمود بالظبط، ولو كنت كبير شوية كنت قلت لك شبه الصورة اللى ورقها إصفَر قدامك، والنبى لو لك كاريه كنت بقيت شبه الصورة اللى فوق راسك، بس أنت اسم الله عليك شباب، ربنا يديك الصحة وطولة العمر، ويجعلك في كل خطوة سلام، وأمانة عليك، وحياة حبيبك النبى اللى زرته، تعرفشى مين الراجل ده.

مقالات من نفس القسم