طارت الكلمات من فمه، وأحس الدنيا ضيقة، وانتابه الشعور بالبرد و الحر واصطكت ركبتاه، ثم انفرجت شفتاه… قال: أهه!!!
– هل صرت أصما…؟!ما رأيك لو خطبنا لك ابنة عمك زليخة؟
– نعم … نعم…
ابتلع ريقه وطأطأ رأسه كطفل سرق برتقالة وفُطن له قبل أن يخلو بها.
لم يكن من عادة آباء الصحراء الحديث عن النساء و الزواج مع أولادهم. إنه حديث الأم المفضل مع ولدها المقبل على الزواج، إنه حديث الخلوات الحديث المحبب إلى قلب الأم وسعادة قلبها وأمل في الأحفاد… كانت مفاجأة الأب أقوى من شكيمته…
*** *** ***
لا يدري كيف مر العامان الأولان و بأي سرعة كانا يجريان… كانا كليلة الزفاف… يُختصر الزمن فيها بشدة من لحظة الدخول إلى شروق الشمس.
بدأت حركة الأيام تثقل، و تزداد رتابة من يوم لآخر … و بدأت الوردة بين يديه تذبل و يذبل معها … و فقد الياسمين نكهته…
*** *** ***
في يوم لا يذكر له تاريخا قرر أن يجري فحصا.
زال خوفه من أن يكون المتهم … وركبه خوف آخر لا يريد أن يفكر فيه…
– لقد أجريت فحص الخصوبة… خرجت العبارة بعد تردد كمن يعترف أمام المحققين بجريمة يخشى وبالها
– ماذا كانت النتيجة؟
– أنا بخير …
يرى دمعة حارة تنزل بكماء على خد فقد الشهية لأدوات الزينة.
ظهرتْ قوة غريبة على المرأة لم يعدها فيها وعقدت حاجبيها وبحزم: أنا أيضا سأجري فحصا…
لم يفهم أن يكونا سليمينو لا ينجبان أطفالا… لكن الأصدقاء أقنعوه عن رغم عدم القناعة التي لم يكن منها بد. وضربوا له الأمثال عن فلان و فلانة… وأخبروه أن هذه مشيئة الله، و”عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم“
جاء يوم كان أثقل من الجبال. اتفقا فيه على الفراق بالمعروف كما بدآ بالمعروف و دم القرابة لن يصبح ماء… طويا كتابا عمره اثنا عشرة عاما.
*** *** ***
بعد أن أهلَّ ولده الأول بعدة أشهر سمع خبرا أفرحه جدا… سمع بزليخة… لقد رزقت ولدا… كما هو … عجيبة هي المقادير.
لقد أحب ابنة عمه … و احترم زوجته…
مد يده يتحسس الطفلين … صرخ أحدهما … عرف أن عليه أن يبعد يده … وعاد لفراشه ونام.
ـــــــــــــــــــ
*قاص من الجزائر