شاعر القبيلة مات والبرج العاجى سقط

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 61
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أمل جمال

الشعر نهر لا يمكن أن تنزله مرتين، لأن مياهاً جديدة تجرى حواليك كما قال هيراقليطس. حينما تقرأ قصيدة ما للمرة الأولى لن تكون هى ذاتها عند قراءتها للمرة الثانية، والثالثة ستختلف كذلك لأنها تفيض وهى تسرى داخل روحك وتعطيك ما هو أكثر. الشعر ابن التغيُّر والصيرورة.

أنا لم أبدأ مشوارى الشعرى بقصيدة النثر. كتبت العمودى ولم أنشر منه قصيدة واحدة فقط. كنت أختبر جودة العَروض والصور، ولم أجد نفسى فيه، لأننى أحب الاشتباك مع الحياة بمفرداتها المعاصرة. أحب الناس والأسواق ومتابعة الأحداث، لكنه الأساس الذى وقفت عليه.

ثم كتبت التفعيلة فى ديوانى الأول بزخم الصور وجمال الموسيقى والدفقة الشعرية ونهايتها الأخاذة أو خفوتها تبعاً لنعومة المقاطع أو غيرها. لكن عند قراءة ما أكتب كنت أقول لنفسى هذه الكلمة لو حُذفت سيكون المعنى أعمق أو أكثر جمالاً أو أكثر تأثيراً، لكن الوزن يجبرنى عليها. كان كسر الميزان العَروضى هاجساً فكتبت قصائد دون أن أُعير الوزن أهمية وإن لم أتخلص منه كلياً فى البداية. كنت وقتها فى المنصورة معظم الوقت. لم أعرف أو أختلط بمجموعة المجايلين لى لكننى وجدت أن كثيرين يكتبون ما أكتب. يكتبون اليومى والمُعاش وغيرها من ملامح تخص قصيدة النثر.

كان هناك صخب كبير لكنى لم أعر الأمر انتباهاً لأن التغير يتم ببطء، وكل تحول يحتاج وقتاً ليعلن عن ملامحه وثباته، جيل السبعينيات فى مصر كتب قصيدة التفعيلة وحفر نهرها، لأن كل ما هى حقيقى يبقى.

جيل التسعينيات موجود وأثبت وجوده وتميزت قصائده وتمايزت أصواته ولو لم تكن قصيدة النثر قادرة على إثبات وجودها لما بقيت حتى الآن وازدهرت. لا أحد يستطيع حصر الجمال فى نهر واحد وهو ذاته متغير كما ذكرت. فلماذا ننكر وجود أنهار جديدة. قصيدة النثر الآن لا تتوقف عند جيل التسعينيات، بل مارست سحرها مع العديد من الأسماء الشعرية الكبيرة من أجيال أسبق أعنى – الثمانينيات والسبعينيات – والكثير من شعراء كبار من جيلى لن أستطيع حصر أسمائهم الكبيرة والكثيرة والمضيئة فلن أسلم من النسيان. وعذرى أننى أستمتع بالكتابة فى حد ذاتها، وأراهن أن الحقيقى سيبقى إن لم يكن اليوم فغداً، وإن لم يكن بعد عام فسيأتى من ينصفه يوماً ما.

الساحة الشعرية الآن عامرة بعدد من موجات قصيدة النثر، مشكِّلة التيار الذى تبدأ معه القطرات فى التجمُّع لتحديد مسار النهر. وأنا أستمتع بقراءة قصائد الشباب والكبار على السواء وأُعجب بكل ما هو جميل. لقد مات شاعر القبيلة وهُدم البرج العاجى وسار الشاعر مع القارئ فى الحياة كتفاً بكتف. تشكلت أيضاً نظريات نقدية متجهة إلى القارئ الذى احتل مساحة أكبر فى إكمال النص وتعدد فضاءاته رغم ما يُقال عن غربة الشعر، أو قصيدة النثر المتهمة عند البعض حتى الآن. هناك غربة للشعر بشكل عام، وليس الشعر وحده، فهناك من الفنون ما اغترب وصار لمشاهده أو لقارئه أو لمستمعه خصوصية. كالمسرح، والباليه والفن التشكيلى وغيرها.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم