حورية

جوخة الحارثي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جوخة الحارثي

حين خلصت له أخيرا كانت شبكة الحب القديم هي ما أخلصني له، وأفضى بي إلى إفراده. أركبت الحب القديم إلى جانبي في عربة قطار، وقلت له: خذني، ربما قلت: إلى البحر، أو إلى المدينة النائمة، أو إلى مكتبة الدنيا، ولم أقل، لحبي القديم المطمئن- الذي كنت أثأر منه، دون أن يدري، وأنزع الحراب من كبدي لأغرسها في الهواء، ليس في كبده الغافل بطبيعة الحال ونعمة الجهل- لم أقل: خذني إليه. ولكنه فعل. تنادمنا الليل كله في عين مقهى الليل، سكبنا القهوة قبل الصباح، وحنوتُ عليه حتى طلع الفجر، فلم يرَ أنني لم أنسَ، وأنه محسود بِنِعَم الغرور. ودَّعتُه حين أخذه البحر، واستودعتُ قروشَ البحر الضخمة وديعتي الأبدية. وخلصتُ لحبي الجديد. رفرف قميصه كعلم وكنتُ وطنا. فتح ذراعيه أمام الخلق الشاهدين المدهوشين وكنتُ هواءً. ولما سرنا يدا بيد تساقطت الشباك القديمة المهترئة وأخلصتُ له. نجا القلب من عضَّته، سرنا، يدا بيد، إذ قال إني زوجته، وهو ما كان. رفع السيد عمامته ونظر إلي: أتقبلين؟ فنظرت إلى رايتي وقلت: أنا الهواء، قميصه يخفق بي وحدي، وأنا الهواء الخالص. وهو ما كان. قال لي حبي الذي جبَّ ما قبله: هل انشق عنك البحر هذا الفجر؟ فقلت إني حورية، سيرين بحَّارٍ بلا غناء، قد قايضتُ الصوت بالقدمين، ومشيتُ إليه. وهو ما كان.

لم أسأل حبي الجديد عن حب قديم ساقه إلي، طوعا أخبرني، عن شقراء كالشمس، قد صفَّته لأصطفيه، ونحتته لأنعم به، وطعنته لأشفيه، ثم صار لها بيت بناه سواه وحديقة غرسها الأغيار. وكُرها أخبرته، عن حبي القديم الذي أطعمتُه وحوش البحر وحيتانه، بحتُ له إني أراه يدخن في جوف الحوت فلا أحدب على غفلته من المجاهل.

تعادلنا بالتكاشف، أنا هواؤه وهو رايتي، أنا أمه وهو ابني، لبستُ أحيانا رداء شقرائه، والتبس أحيانا بحيتاني، فصفحنا، أنا ابنته وهو أبي. وكان ينبغي، لي وله، أن نعيش في السبات والنبات، ونخلف الصبيان والبنات، غير أن ما ينبغي لم يكن، إذ غار الماء، وأجدبت الأرض، لا تهتز ولا تربو، فانطوى رحمي على ظلامه الموحش، كالجحور، تأوي إليها كائنات الليل الخشنة، ولا تثمر أبناء السماء. وحبي، الذي صدَّق بأني حورية، ولم يسمع عن عربة قطار ومقهى ليل، تاق لثمر، والتوق رزء، ولم يفطن إني كي أمشي إليه على قدمين معجزتين بلا شباك قديمة، قد بعتُ صوتي للساحرة، ضحَّت الحورية بصوتها الفتان، الذي تَتَنادى به النطفُ فتتخلق في الأرحام، من أجل قدمين تمشي بهما إلى الأمير، لكن الأمير، حبي الجديد، الذي خلصت له، وامتزجتُ بلونه، لم يدرِ.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون