«وولفرين».. أكشن «شعرى» عن البشر وطباعهم الحيوانية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رامي عبد الرازق

فى البداية نقول إنه لا يوجد ما يسمى «دراما الأكشن» الشعرى ولكن هناك أفلاما يتمكن صناعها من اقتناص روح الشعر السينمائى حتى من مشاهد الأكشن ولقطاتها، و«وولفرين» هو واحد من تلك الأفلام التى يمكن أن نتعرف فيها على ملامح من الشعر السينمائى سواء على مستوى الشخصيات أو الأحداث أو الحبكة (أى الدراما) أو الصورة أو الإطار البصرى العام للفيلم (أى الإخراج وملحقاته).

وحبكة هذا الفيلم يمكن أن نطلق عليها حبكة خداع المشاهد حيث يوهمك السيناريو بأنه بسيط وأن قوته فى أحداثه وليس حبكته التى يمكن توقعها، ولكنه يفاجئك فى النهاية بأنه استدرجك بإرادته لهذا الشعور، بينما هو ينوى إيقاظك على ذروة لم تكن فى حسبانك، ثم تذوب تلك الذروة فى الجوهر الفلسفى والدرامى للفيلم وهو توحد ناضج جدا.

صحيح أن سلسلة الرجال إكس انتهت جزئيا فى المعركة الأخيرة، ولكن هذا النوع من القصص المصورة لا يمكن أن ينضب كمعين درامى وسينمائى لعشرات الأفلام لأن كل شخصية من شخوصه، سواء الأبطال أو الأشرار، يمكن أن تكون بمفردها محورا لعدة أفلام، ولكن يبقى بالطبع مدى نضج وقوة الرؤية الفنية التى ترتقى بأى شخصية مأخوذة عن تلك القصص. وفى «وولفرين»، يثبت صناع الفيلم أنهم لم يستوعبوا فقط كل الجينات الدرامية لسلسلة الرجال إكس،

بل تمكنوا من تأسيس أسطورة جديدة يمكن أن تستمر لعدة سلاسل من أفلام، ولست أقصد هنا أسطورة «وولفرين» أو «لوجان» الذى نتعرف فى هذا الفيلم على بداية اكتشافه لحقيقة أنه متحول يملك قدرة على الشفاء النهائى إلى جانب مخالب الذئب وقوته،

ولكن أيضا عن أخيه الذى يقترب فى ملامحه وسلوكه من الجانب الحيوانى فى الذئب، وعن المرأة الأولى فى حياة «لوجان» هى هنا محرك الحبكة الدرامية، والتى ترتبط بشكل شعرى شديد الحساسية بشخصية «وولفرين» من خلال أسطورة عواء الذئب للقمر التى تقصها عليه والتى تصبح شبه أيقونة فى علاقتهما تستمر طوال الأحداث.

وهذه الأيقونة الدرامية تستحيل مع تصاعد الذروة لمفتاح الجوهر الفلسفى للفيلم (توحد الحبكة مع الجوهر) فمعظم شخصيات الرجال إكس هم بشر لهم ميزات طبيعية أشبه بالطفرات، لكنها طفرات فى أغلبها، إن لم يكن كلها، مستوحاة من الطبيعة، وكأن المتحول نصف بشرى ونصف عاصفة، أو نصف ذئب، أو نصف ماس، وهو ما يمكن اعتباره التجسيد المادى الدرامى لفكرة الطبيعتين اللتين توجدان داخل كل البشر، والتى طالما أرقت الفلاسفة والمفكرين، بل لها صدى كبير فى الديانات.

إن فكرة وجود طبيعتين للإنسان أو وجود غرائز حيوانية داخله تصنع منه كيانا منقسما على ذاته، كل قسم منه يشتبك فى حرب غريزية ونفسية مع النصف الآخر، هى ما نراه متجسدا فى «وولفرين» بشدة، حتى إنه يحيلنا فى بعض المواقف إلى أسطورة الرجل الذئب الشهيرة الذى يتصارع بداخله الذئب مع الإنسان فى محاولة للسيطرة،

فـ«وولفرين» يستغرق فى ممارسة جانبه الحيوانى طوال فترة نشأته الأولى التى نراها من خلال التيترات عبارة عن مشاركة لانهائية فى كل الحروب التى خاضتها أمريكا خلال قرن بأكمله بداية من الحرب الأهلية وحتى حرب فيتنام، هذا الاستغراق يدعمه ماديا الأخ الأكبر لـ«لوجان» «فيكتور» الذى يعتبر نموذجا للمتعطش للقتل بشكل مجانى،

بل تفوق غريزته الغريزة الحيوانية نفسها والتى تقتل للأكل أو دفاعا عن النفس، ولكن لأن الإنسان حيوان واعٍ ذو هدف، فهو يستغل غرائزه فى ممارسات دموية لا تنتهى من حرب لأخرى، وهنا بالطبع يوجد إسقاط سياسى واضح على دموية الحضارة البشرية وأنها حتى لو تطورت أو طفرت فإن تلك الطفرات تجنح فى النهاية لممارسة نفس الوحشية فى أقسى صورها،

تماما مثلما رأينا «فيكتور» طوال الوقت يقوم بعمليات قتل مرعبة وعنيفة، ولكن فى الجانب الآخر يقف «لوجان» الإنسان الذى يحاول أن يسمو على تلك الغريزة التى يعتبرها قدرا لا مفر منه وليست اختيارا، ويساعده هنا الإخراج الذى يجتاز جدران الغرف التى دارت بينها الأجزاء الثلاثة إلى الطبيعة الواسعة والمناظر الطبيعية التى تمثل الخلفية الشعرية البصرية لكل الأحداث،

حيث إنه على عكس سلسلة الرجال إكس تدور أحداث «وولفرين» المهمة خارج الجو التكنولوجى الذى استحوذ على الأجزاء الثلاثة الأولى، حتى مشاهد الأكشن كانت الطبيعة تلعب فيها دورا كبيرا كما نجد تراجعا ملحوظا لأجهزة الكمبيوتر والآلات فى مقابل مشاهد مثل وقوف «لوجان» على قمة جبال «روكى» فى دلالة بصرية على رغبته فى السمو على طبيعته الحيوانية التى تطارده من داخله،

واستنشاقه للهواء كأنما يطهر به شرايينه التى تحتوى على جينات غير طبيعية. والممتع فى هذا الفيلم أننا أمام إحالات لبعض كلاسيكيات القصص المصورة مثل عثور زوج وزوجة عجوزين على «وولفرين» وهو عارٍ هاربا من معمل التجارب الذى كان الجنرال «سترايكر» يجرى فيه تجربة تحويل هيكل «وولفرين» لمعدن غير قابل للكسر،

هذان الزوجان يذكراننا فى عثورهما عليه بالزوجين «كنت» اللذين عثرا على «كال ال» المعروف بـ «سوبر مان»، كذلك نجد بعض الإحالات التى تنتمى إلى كلاسيكيات السينما والميثولوجيا العالمية مثل «سبارتاكوس» محرر العبيد (فى مشهد تحرير «وولفرين» لعشرات المتحولين المحبوسين داخل الأقفاص).

صنع المونتاج حالة من الجذب الشعورى والذهنى للمتفرج للدرجة التى من الصعب أن تنظر فيها لساعتك وأنت تتلقى هذا الفيلم، ومن الأصعب أن تتمكن من حكى قصته لأنه ببساطة يحتوى على جزء كبير من المشاعر التى تكمل الحكاية، ولا تظهر فى شكل جمل حوار أو أحداث ملموسة،

وإنما هى مرآة شعورية خاصة تصيب كل مشاهد صورتها على حدة، حتى مشاهد الأكشن فى الفيلم تبدو مبتكرة وغير تقليدية فى تصميمها ومدى اتساقها مع طبيعة الشخصيات الجديدة التى دخلت فى صراع البشر والطفرات، وهو ما نعود لتسميته تأسيس الفيلم لأسطورته الخاصة، فكونه يحتوى على ملامح من الأجزاء الثلاثة الماضية لم يمنعه من تقديم روح جديدة ومختلفة ذات عمق فكرى ومحتوى بصرى راق ومنطقى.

 

ريفيو

الاسم الأصلى:

X-Men Origins: Wolverine

الاسم التجارى: الرجال إكس – البداية

بطولة: هيوجاكمان

سيناريو: ديفيد بينوف – سكيب وودز

إخراج: جافين هوود

مدة الفيلم: ١٠٧ دقائق

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ناقد سينمائي مصري

مقالات من نفس القسم