«ملائكة وشياطين».. مصالحة بين العلم والدين ونقد «بصرى» لجوهر العقيدة الكاثوليكية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رامى عبدالرازق 

 من لم يقرأ أعمال الروائى الأمريكى «دان براون» قد يتصور أن «ملائكة وشياطين» هى الجزء الثانى من الرواية الأوسع شهرة لنفس الكاتب، وهى «شفرة دافنشى»، ولكن فى حقيقة الأمر أن «ملائكة وشياطين» هى الجزء الأول التمهيدى لـ«شفرة دافنشى»، حيث بداية ظهور عالم الرموز البروفيسور «روبرت لانجدون» ودخوله فى مغامرة عبر أروقة الفاتيكان لتتبع الآثار والإشارات المخفية فى كواليس عاصمة المسيحية الكاثوليكية فى العالم للوصول إلى المكان الذى يحتجز فيه أحد مَنْ يدعون أنفسهم بالمستنيرين الكرادلة الأربعة المرشحين لخلافة البابا بعد وفاته، وذلك فى مساحة زمنية لا تتجاوز أربعًا وعشرين ساعة.

ويقدم السيناريو هنا معالجة تعتمد على الفيلم السابق وهو «شفرة دافنشى» قلبا للترتيب الزمنى، حيث يستعين الفاتيكان بالبروفيسور على أساس مغامرته البوليسية السابقة فى باريس، التى اكتشف فيها وكشف لنا الكثير من الحقائق الخاصة بفكرة الكأس المقدسة ونسل المسيح.

وقد استعان المخرج «رون هوارد» والسيناريست «أكيفا جولدزمان» بكاتب آخر فى السيناريو هو «ديفيد كويب»، الذى قدم من قبل فيلمى «النافذة السرية» و«غرفة الفزع»، ربما رغبة منهما فى تطوير الإيقاع السينمائى للرواية والخروج من مأزق السرد الحوارى الذى أضعف كثيرا من المعالجة الفيلمية التى قدمت فى «دافنشى» منذ عامين.

ولأن النص هو البطل الرئيسى فى مثل هذه الأعمال خاصة مع كاتب له خصائص أسلوبية مميزة مثل «براون»، لم تستطع مجموعة العمل أن تتخلص من نفس تكنيكات السرد فى الفيلم السابق. صحيح أن الإيقاع هنا على مستوى الأحداث والتفاصيل وعرض الشخصيات وبث الشكوك البوليسية للمتلقى طوال الوقت أكثر حيوية وتدفقًا وسرعة،

ولم يلجأ السيناريو إلى تجسيد حكايات «لانجدون» وتفسيره للرموز عبر تصور مرئى مختلف بصريًا وهو ما قدمه صناع «دافنشى» كمحاولة للتغلب على السرد الحوارى لأصل كل رمز ودلالته، مما صنع حالة من توقف التدفق السردى وبعض الغموض لدى المتلقى العادى، لكن حجم المادة المعلوماتية لنصوص «براون» يجعل مقتبسى رواياته يقعون فى نفس الفخاخ السردية التى تؤدى لعملية سرد حوارى مستمر أقرب لتبليغ الجمهور منها للحوار الطبيعى المنطقى، الذى يدور فى موقف درامى محكم.

ولمن لم يشاهد «شفرة دافنشى» نستطيع أن نقول إن البناء الدرامى يكاد يكون متطابقا فى الفيلمين، حيث نفس شخصية البروفيسور «لانجدون» القادر على تحليل الرموز بعقلية علمية متقدة طوال الوقت تجمع ما بين التفكير المنهجى القائم على خلفية تاريخية موثقة وبين روح مفتش المباحث الأقرب لـ«شيرلوك هولمز» يعاونه دومًا عنصر نسائى (فى هذا الفيلم دكتورة فى علم الفيزياء) مما جعل حواراتهما أشبه بصعود دَرََج فى برج شاهق، حيث تتصاعد المعلومات مع كل جملة حوار، وتبدو أكثر من الطاقة الاستيعابية لمتلقى السينما الذى لا يملك رفاهية استعادة المعلومة أو إعادة قراءتها مثل قارئ الكتاب،

ومن هنا يصبح زخم المعلومات فى السيناريو نقطة ضده وليست معه. ثم هناك التمسك بالشكل التقليدى للرواية البوليسية بشكلها السينمائى الأقرب لمدرسة «هيتشكوك»، حيث إلقاء ظلال الشك على عدة شخصيات موجودة فى بؤرة الصراع، ثم محاولة الإيهام الكامل بالتوصل إلى المجرم الحقيقى، ثم لحظة تنوير تعتمد غالبا على الفلاش باك تكشف لنا عن أن أبعد الشخصيات عن ظلال الشكوك هى المتسببة فى كل شىء.

وكما فى «دافنشى»، توجد هنا شخصية القاتل الأيديولوجى، التى يمكن أن نعتبرها بحكم أسبقية «ملائكة وشياطين» فى النشر جذور شخصية الراهب الأشقر «سيلاس» فى «دافنشى»، الذى يقتل فى سبيل الرب، أما هنا فهى أكثر قربا للقاتل المأجور، ولكن فى إشارة إلى أن أيديولوجيته تنبع من أن طلب القتل يأتى من رجل دين، فهو إذن قتل عن حق.

كل هذا لا يمنع من وجود حرفية أكثر نضجًا هذه المرة فى التعامل بصريًا مع النص، حيث نجد مثلا أن كل شخصية يتم تقديمها بصريًا بما يخص طبيعة تكوينها، فالبروفيسور «لانجدون» الذى قدمه لنا «دافنشى» عبر محاضرة مباشرة، يقدمه لنا «ملائكة وشياطين» فى مشهد يسبح فيه، متابعًا من وجهة نظرة علامات و«رموز» حمام السباحة، فهذه هى مهنته التى لا يستطيع أن يتخلص منها حتى وهو يسبح،

كما أن التأكيد على الذاكرة الفوتوغرافية له يبدو هنا أكثر قوة وأقل مباشرة من الفيلم السابق. وهذا التقديم البصرى نجده أيضا فى دخول البروفيسور لمقر الحرس السويسرى، حيث تركز الكاميرا على قاعة مليئة بالأسلحة منذ القرون الميلادية الأولى وحتى الآن دلالةً على اعتماد الكنيسة على الجنود لحماية نفسها وحماية الدين من أعداء المسيح.

ولأن النص يعتمد على الدخول فى جدل عميق مع فكرة الدين والعلم، فقد ساعدت المؤثرات البصرية على تجسيد كلا العالمين، سواء من خلال شكل قنبلة المادة المضادة التى تهدد بتدمير الفاتيكان، أو مشهد انفجارها فى السماء بعد إلقاء الكاهن الشاب لها من الطائرة، حيث بدا هبوطه بالمظلة على خلفية الانفجار فى لقطة منخفضة الزاوية- وهى توجيه نظر عشرات الآلاف من المحتشدين فى ميدان «بطرس»- انتظارا لاختيار البابا، وكأنه بالفعل ملاك قادم من السماء،

وكذلك طبيعة أحجام الكادرات وزوايا التصوير داخل أروقة الفاتيكان وكنائسه، حيث اللقطات الواسعة والزوايا التى توحى بضخامة المكان بالمقارنة بحجم الإنسان الطبيعى وبطء حركة الشخصيات داخل تلك الأروقة بالمقارنة بإيقاع حركة الشخصيات الأخرى خارج أسوارها، وكلها إسقاطات بصرية على دلالة النص التى تبدو فيها أفكار «براون» فيما يخص وجهة نظره فى الدين بشكل عام والمسيحية الكاثوليكية بشكل خاص.

ورغم جمل الحوار المباشرة والثقيلة دراميًا فى نهاية الفيلم، التى تحاول أن تصالح ما بين العلم والدين، تظل هناك عملية النقد التاريخى والعلمى لجوهر العقيدة الكاثوليكية، ويكفى مثالا أن الشخصية التى يطالب الناس بتطويبها فى النهاية كقديس بعد أن ظهر لهم كملاك، هى ذاتها شيطان النص الذى تسبب فى كل الجرائم البشعة التى رأيناها، وهو رمز بأن التاريخ الدينى أو الكنسى يحتوى على أمثلة لشياطين يتصور العامة بحكم أكاذيب رجال الدين- من وجهة نظر الكاتب- أنهم قديسون أو ربما ملائكة.

 

ريفيو

الاسم الأصلى: ANGELS & DEMONS

الاسم التجارى: «ملائكة وشياطين»

تأليف: ديفيد كويب- أكيفا جولدزمان.

عن رواية: دان براون

إخراج: رون هاورد

بطولة: توم هانكس- أيوان ماكريجور.

مدة الفيلم: ١٢٨ دقيقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ناقد سينمائي مصري

مقالات من نفس القسم