كان همِّي الأساسي الاستقلال عن اسم أبي إبراهيم أصلان

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;}

هشام أصلان

هناك، في تصوري، من يتأخر بعض الوقت في معرفة ما يريد فعله في هذه الحياة، كنت واحدا من هؤلاء، حتى بدأت العمل في الصحافة الثقافية مند سنوات.

سوف تجد أن أبناء جيلي أو مرحلتي العمرية كانوا قد بدؤوا حياتهم وانهمكوا وتحقق منهم من تحقق في الوقت الدي كنت أخطو فيه خطوتي الأولى. غير أن بعض الحظ، بالإضافة إلى توقيت بدايتي المصادف لانفتاح ما في مجال الصحافة ووسائل الانتشار، هي أمور ساعدتني على حرق مراحل كثيرة في وقت قصير. ولا أستطيع تجاهل أن اسم والدي لعب دورا كبيرا في البداية، لكن المسألة لم تتجاوز فكرة تسهيل التعامل مع المصادر الثقافية التي أشتغل عليها.

كان أحد همومي الأساسية عمل استقلال حقيقي عن اسم أبي، وهو أمر تحقق بشكل سريع نوعا ما، في إطار معين، هو أنك لا تكتب الروايات أو القصص، وهو لا يكتب للصحافة بشكلها التقليدي.

أحببت الكتابة في المطلق، قبل أن أفهم بعض المعاني، مثلا أنه لا بد من وجود احتياج حقيقي إلى ممارسة هذا الفعل وإلا فلا يكون له أي ضرورة، وأبعاد هذا الاحتياج، أو أسبابه، الدي تلخص عندي، بوعي المرحلة، في رغبة البوح والحكي، ثم بتطورٍ ما، جاءت مفاهيم السؤال الإنساني، وتفكيك العالم وضبط توازنك النفسي، لكن الهواجس المتعددة جعلتني أجد صيغا ومبررات لمعالجة الأمر بالشكل الذي لا يصنع ورطة كبيرة.

الهواجس في أمرين أساسيين، الأول، هو ما يصيب كثيرين من محرري صفحات الثقافة الذين ينظرون للصحافة بوصفها درجة أدنى من الأدب، فينطلقون في كتابة الروايات والقصص، دون حاجة حقيقية لها، وإنتاج أعمال سيئة، لمجرد أن يوضع اسم الواحد منهم على غلاف، ويوصف بالكاتب وليس بالصحفي، وهو أمر كان تجاوزه سهلا، لأسباب خاصة باطمئنانك لشكل علاقتك بالوسط الثقافي، وفهمك لتلقي الآخرين لطبيعة شخصيتك.

الهاجس الثاني، والأهم، هو ارتباط اسمك باسم إبراهيم أصلان، وتخوفك من وضعك في مقارنة سوف تخسر فيها حتما، مرورا بالقلق من تلقي ما تكتبه بوصفه تقليدا باهتا لما يكتبه، خصوصا بسبب تشابه ما في بعض من العالم والعلاقات الإنسانية في البيئة المحيطة، وليس انتهاء بحضوره الكبير، والدي ستنهار أمامه كل محاولة شبيهة غير صادقة.

بدأت في تفصيل صيغة مريحة بعض الشيء، تتلخص في التعرض لانشغالاتك وما تحتقن به من أسئلة وذكريات ورغبة في الحكي، عبر قراءة في كتاب يكون قد لامس مدخلا شخصيا مثلا، مقال عن كاتب ما تخرج فيه عن الموضوع متكئا على نقطة هنا أو هناك، بورتريه لشاعر كانت قد حدثتك عنه صديقة قديمة، وهكذا أنت تكتب عما يشغلك من خلال الكتابة عن الآخرين. لكنك أيضا تنظر إلى الوراء لتجد كل ما كتبته، متصورا أنه يوفر لك التوازن، لا يحقق لك الإحساس بوجود منجز حقيقي أو مشروع، لأن الصحافة عبارة عن فرن يحرق ما بداخله قبل مرور أسبوع على الأكثر.

هده الصيغة، لم تمنع، أنك بين حين وآخر، كنت تجلس على بعض المحاولات الخاصة، على سبيل التجريب، وكتابة عدد من النصوص التي لم أستطع تصنيفها، لكن المشكلة الحقيقية التي سوف تكتشفها بعد فترة، هي أن هذه المحاولات، متأثرة بشكل كبير جدا بما تقرؤه عند إبراهيم أصلان، خصوصا في تقنيات الكتابة والسرد والحوار، الأمر إذن ليس مجرد تخوف من سوء ظن الآخرين، أنت لديك مشكلة حقيقية، عليك أن تتجاوزها، أو ألا تقترب على الإطلاق.

أنا أعترف، أنني أحب كل ما كتبه أبي، الأصدقاء لا يرونها أزمة لأنهم هم أيضا يحبون تلك الكتابة، لكن الأمر أكثر حساسية بالنسبة لي، ليس فقط لأنه أبي، بل لأنه يكتب عما عشت الكثير منه، وعن ذكريات عاشها وتمنيت أن أراها، عن عالم رأيته بعدما تطور.

في دردشة د.محمد بدوي، قال لي: “أنت تحتاج للاقتناع، أن هناك كتابة عظيمة تأتي من مناطق أخرى، وبتقنيات مختلفة عما ينتهجه إبراهيم أصلان”.

الحل أنك سوف تحاول التعامل مع نفسك بقسوة، تنتصر على حنينك، الدي كان كلما داهمك، تمد يدك إلى المكتبة لتخرجها بأحد أعماله، التي حفظتها تقريبا، لتعيد قراءتها في محاولات لاستعادته. قلت لنفسي إن هناك كتابا كبار لتكن لهم غرفة في مكتب جريدة الحياة اللندنية، ولم يمتلكوا سيارة “فولكس” موديل 1958.

مؤخرا، تجرأت على نشر نصوص قصيرة متفرقة، بعدما ارتحت لها بشكل ما، وأتصور أنني بصدد العمل عليها، أملا في أن يتم جمعها مع نهاية العام.

أحيانا أفكر في شبهة وجود علاقة بين الاطمئنان إلى نشر هده النصوص، وبين عدم وجود الأب على قيد الحياة، سوف تعد سذاجة لو اعتقدت أنك تخلصت من أثره، أو حتى تخففت منه، بمجرد رحيله، بالعكس، هو ممن يزيد الموت حضورهم. ولكن ربما هو الاضطرار إلى النظر في نواح أخرى من الأفكار والمفاهيم، بل ربا أعترف لك أن هناك احتياجاً نفسياً حقيقي اًإلى الإحساس بتغيير ما.

وأتذكر الآن، أنه كان قرأ بعض من هذه النصوص، لكنه كان بالذكاء والحساسية الكافية للفت نظرك إلى مشاكلها دون أن يضعك في مشكلة نفسية، كانت لديه نصائح من قبيل أن استخدامك لأدوات اخترعها غيرك ليست هي المشكلة، لكن المشكلة هي أن تستخدم هذه الأدوات بطريقتك أنت، أن تكون واعيا، أيضا، لأنك لن تحقق إضافة عبر البحث عن أفكار جديدة، لأنه لا يوجد شيء لم يكتب، المهم أن تكتبه بطريقتك ومن زواية رؤيتك الخاصة جدا، وإلا ما كان أحد ليفكر في الكتابة بعد سرفانتس وديستويفسكي وتولوستوي وغيرهم، بشكل أدق، أن تكون صادقا ومحتاجا إلى الكتابة وأن تضع يدك على صوتك الخاص.

في البداية أيضا أبهرتني فكرة الأعمال الأدبية التي تصعد بشخوص وعوالم حقيقية إلى مرتبة خاصة أو أسطورية، يعرفها الجميع ويتحدثون عنها، مثل أبطال الروايات الملحمية التي لا تقل أسماؤها شهرة عن اسم مؤلفها، وبالفعل بدأت في كتابة عمل بهذا المنطق، لكنني اكتشفت أن أمامه الكثير من الوقت حتى يأخذ الشكل الدي أريده، الأمر يحتاج إلى جهد كبير، ووعي بعدم التحيز والرؤية الواسعة والحرص على ألا يتحول إلى كتابة ذكريات، وفي هده الأثناء خرجت بعض النصوص القصيرة التي حدثتك عنها، والتي قررت الاهتمام بالعمل عليها بشكل مركز في الفترة المقبلة.

ربما أيضا أن رحيل الأب، عمل على تغيير شكل كبير في العلاقات والصداقات، لأنني كنت اقتربت منه كثيرا في السنوات الأخيرة، لدرجة أن دائرة العلاقات أصبحت واحدة، وبات بيننا أصدقاء مشتركون. بعد رحيله تكونت شبكة مختلفة من العلاقات، ساهمت في اتساع الرؤية واختلاف الذوق الفني، وتغيير كبير في المفاهيم الخاصة بالسرد الأدبي وأنواعه.

 

مقالات من نفس القسم