رؤية العمى

رؤية العمى
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

لا تكتفي قصة (أفيلين) لـ (جيمس جويس) ـ وهي إحدى قصص مجموعة (أهل دبلن) ـ بمواجهة الإشكاليات الاستفهامية الناتجة عن هذه الحقيقة المحتملة: سيتحول التحرر من النمط البائس للحياة الذي ضاع ماضيك داخل ظلامه إلى ارتكاب شاق حينما تحصل على فرصة لذلك .. تتفحص القصة أيضاً كيفية استدعاء ذكريات انتقائية لتبرير التمسّك بهذه الحياة ليس لأنها تمثل في حد ذاتها أسباباً منطقية للاستمرار داخل التعاسة، بل لتفادي الصدام مع ما يمكن أن يعد دافعاً أصيلاً لهذا التمسّك وهو الخوف ..

لا تكتفي قصة (أفيلين) لـ (جيمس جويس) ـ وهي إحدى قصص مجموعة (أهل دبلن) ـ بمواجهة الإشكاليات الاستفهامية الناتجة عن هذه الحقيقة المحتملة: سيتحول التحرر من النمط البائس للحياة الذي ضاع ماضيك داخل ظلامه إلى ارتكاب شاق حينما تحصل على فرصة لذلك .. تتفحص القصة أيضاً كيفية استدعاء ذكريات انتقائية لتبرير التمسّك بهذه الحياة ليس لأنها تمثل في حد ذاتها أسباباً منطقية للاستمرار داخل التعاسة، بل لتفادي الصدام مع ما يمكن أن يعد دافعاً أصيلاً لهذا التمسّك وهو الخوف ..

تسترجع (أفيلين) وهي عند حافة الوداع لقسوة عالمها كيف بدا على والدها التقدّم في السن، وكيف سيفتقدها حين ترحل .. تتذكر اللحظات التي كان خلالها لطيفاً، وكيف جلس يوم مرضها عند سريرها ليقص لها قصصاً من الخيال، ويحمص لها خبزاً على نار الموقد .. تستعيد خروجهم في نزهة إلى التلال، حيث أقدم والدها على ارتداء قبعة أمها ليثير الضحك في قلوبهم .. تتذكر العهد الذي قطعته على نفسها أمام أمها قبل أن تموت على أن تحيط هذا البيت بأقصى ما تستطيع من رعاية .. هذه المحرضات المتعددة للبقاء قد لا تمتلك ـ خاصة مع مهانة طاغية في البيت والعمل ـ القوة اللازمة للصمود أمام الوعد بحياة أخرى سعيدة، تنتظر أن يحققها الهروب مع حبيبها (فرانك) .. العالم الجديد الذي تنشده في (بوينس آيرس) حيث التعويض المستحق عن التضحيات المحزنة التي لم تمنحها سوى الشعور بالضياع .. لكن ربما هناك في القصة ما يشبه الحكمة: الحياة التي لم تختبر حتى الآن ـ مهما كانت الإشارات التي تدعم مثاليتها ـ تظل مجهولة .. ليس هناك ما يضمن طبيعة المفاجآت التي تخبئها .. الإذلال داخل وجود مجرّب ربما أكثر رحمة إذن من وجود غامض لم يتم التأكد من كونه مسرحية غنائية بعد.

لكن (جويس) لا يحوّل هذه الحكمة إلى يقين، بل يتعامل معها كظلام بديل لذلك الذي تضيع حياة (أفيلين) بداخله .. إن الورطة المحكمة ليست مجرد اقتناع بأن الخبرة أكثر أماناً من المغامرة، ولا بأن هناك في الماضي ما يستحق التخلي عن الأحلام، ومواصلة التضحيات من أجله، بل تكمن صلابة المأزق في عدم القدرة على رؤية أي شيء .. لنتأمل كيف وصف (جويس) نظرة (أفيلين) بينما كان (فرانك) يناديها، ويشير إليها أن تعبر الحاجز وتلحق به نحو الباخرة: (لا تفصح عيناها الجامدتان بنظرة حب أو وداع وليس فيهما أي نوع من الرغبة بشيء) .. كان بمقدور (جويس) أن يستجيب لإغراء التراجيديا المبتذل ـ كما من الوارد أن يحدث تلقائياً في لحظات كهذه ـ ويجعل من نظرة (أفيلين) تجسيداً ختامياً للصراع المأساوي بين الواجب والعاطفة، لكن (جويس) أعطى هذه النظرة نوعاً من العمى المجازي .. كان جمود العينين هو التحجر المرافق لعدم القدرة على الإبصار، الأكثر شراسة من مجرد الاستسلام المحسوم لأمر واقع .. جعل (أفيلين) تخبرنا بعينيها أنها لا تعرف ما هو الواجب، وما هي العاطفة رغم جميع الصور التي تدعي الوضوح، وتبدو ظاهرياً كأنها لا تخفي أشباحاً في صدوعها .. ما هو الماضي الذي عاشته ـ مع كافة الذكريات التي يمكن الشعور بالحنين إليها بثقة ـ وما هو المستقبل الذي تعجز عن العبور إليه .. لا تعرف ما الذي يجب أن تريده، وما الذي ينبغي ألا ترغب فيه حتى لا يزيد ظلام العالم.

أفْيلين

جيمس جويس

ترجمة / ناظم مزهر

جلَسَتْ عِنْدَ النافذة تراقب المساء وهو يغمر الشارع ، تميل رأسها على الستائر وتتنافذ إلى أنفها رائحة قماش مُغْبَر . كانت مُتْعَبَة .قليلون هُم المارَّة الذين اجتازوا الشارع ، والرَجُل الذي خرج من آخر منزل قَدْ مرَّ هو الآخر في طريق عودته وهي تسمع وقعَ خُطاه تطب على إسمنت الرصيف مبتعداً ، ثُمَّ وهو ينعطف مستديراً نحو الممشى الحجري أمام تلك البيوت الحمر حديثة البناء حيث الساحة التي اعتادوا اللعب فيها مساءً مع بقية الأطفال . حَتَّى جاء ذات يوم رَجُلٌ من بلفاست ليشتري الأرض وينشيء عليها تلك البيوت التي بزهو ألوانها وسقوفها المتناسقة لَمْ تَكُنْ تشبه بيوتهم الصغيرة باهتة الألوان . اعتاد جميع الصبيّة أن يلعبوا في تلك الساحة منهم أولاد “آل ديفن ” وبنات ” ” آل ويتر ” و” آل دون ” وكذلك الولد الأعرج ” كيو ” الصغير وهي مع أخوتها وأخواتها ما عدا شقيقها الأكبر ” إيرنست ” لم يشاركهم اللعب أبداً و غالباً ما كان والدها يطاردهم بعصاه حين يجدهم في تلك الساحة ، وكان ” كيوالأعرج الصغير يقوم بدور الراصد الذي يعلِمَهَم حال رؤيته لوالدها مقبلاً . أيام كانوا سعداء فيها إذ لَمْ يَكُنْ الوالد فظَّاً عِنْدَما كانت أمها على قيد الحياة . تلك أيام مضت وكَبُرَ الجميع ، تُوفِيَّت الأم وكذلك تايزي دون” جَارهم العَتيد وانْتقل “آل ويتر “عائدين إلى إنكلترا هكذا تَشتَّت الشَمل وهاهي أفيلين هي الأُخرى تروم الرحيل كالآخرين لتودِّعَ هذا البيت رُبَّما إلى الأبَد .
البيت ! ” وطفقت أنظارها تجول بَيْنَ آثاث الغرفة التي واكبت حياتها ونفَضَت عنها الغبار طيلة سنين ، ربَّما لَنْ ترى بعد اليوم كل هذه الأشياء التي تآلفت معها ولم يخطر على بالها يوماً أنها ستفارقها ، هذه صورة القِس باهتة اللون على الجدار ، هو ذا الأرغن المكسور مُعلَّقٌ هو الآخر إلى جانب صورة ملونة للقديسة ” مارغريت ماري ” . ذلك القِس الذي لَم تعرف إسمه إلى الآن كان صديقاً لوالدها أيام الدراسة إذ مافتيء والدها ، كُلَّما ، زارهم ضيف ، يشير إلى الصورة ويقول دون أن يسأله أحد :
إنه في ملبورن الآن “.
لقد رَضيت بنصيبها و بتوديع هذا البيت فَهَلْ مِن الحكمة أن ترضى بذلك ؟ حاولت أن تزن في عقلها هذه المسألة بوضوح ، مهما يَكُنْ الحال ففي هذا البيت سترها ومعيلها ومن حوله كل معارفها وأصدقائها ، وليس ما تواجهه مِن مشقة العمل في البيت أو في الوظيفة لهو أمر عادي . ما الذي سيقوله زملاء عملها في المتجر لو عرفوا بمسالة هروبها مع صديق عابر ؟ ربما يصفها البعض بالطيش ، حينذاك ستحل محلها فتاة أُخرى عن طريق إعلان الوظائف الشاغرة ، وستفرح الآنسة ” كافان ” بهذا كثيراً فهي تستفزها دائماً خصوصاً عِنْدَما يصادف تواجد بعض الزبائن الذين يسترقون السمع :
أفيلين ألا ترين أن السيدات قد طال انتظارهن؟
أفيلين أسرعي مِن فضلك ! ”
لا ، لَنْ تذرف غزير الدموع على تركها العمل في المتجر ، سيختلف الأمر كثيراً لو استقر بها المقام في بيتٍ جديد وفي بلدٍ آخر . ستتزوج وينظر إليها الناس حينذاك باحترام ، لَنْ يحصل لها ما حصلَ لأمها مِن قبل ن لكنها الآن بالرغم مِن تجاوزها سن التاسعة عشر لم تزل تشعر بالخوف مِن غضب والدها وهي تعرف جيداً أن شعوراً كهذا يسبب لها خفقاناً ، ولكونها فتاة فإن والدها لم يَكُنْ قاسياً معها مثلما هو مع هاري و إيرنست ، إلاّ أنه في الأيام الأخيرة بدأ ينذرها وكأنَّ كُلَّ ذلك اللطف معها كان مِن أجل المرحومة أمها . أمَّا الآن فهي تشعر بالوحدة ، ليس هناك مَنْ يهتم بأمرها ، أخوها إيرنست كالميت لا شأن له وأخوها الثاني هاري الذي يعمل في نقش الكنائس فهو كثير الترحال و قلَّما يتواجد في البيت، إضافة إلى ذلك ومما لاشك فيه أن النكد المتواصل على المال نهاية كل أسبوع قد بدأ يثقل كاهلها . كانت تسلمه كل إجرتها الأسبوعية البالغة سبعة شلنات إضافة على ما كان يرسله ” هاري “. كان يصعُبُ عليها أن تطلب مِن والدها مبلغاً ما فهو دائماً يتهمها بالتبذير وسوء التدبير وقال إنَّه لَنْ يعطيها مما يكسبه بعرق الجبين لتبدده هنا وهناك ، والأكثر مِن هذا أنَّه اعتاد أن يكون رجلاً لا يُطاق ليلة كُل أحد ، لكنه في النهاية يعطف عليها ويعطيها بعض النقود ثم يسألها ملاطفاً ما إذا كانت تريد أن تشتري شيئاً لعشاء يوم الأحد . هكذا كانت تهرع ممسكة بجزدانها الأسوَّد وتشق طريقها في زحام السوق ثم وهي تعود متأخرة تحمل الأكياس الثقيلة.
لقد كان مِن نصيبها أن تكدح دون كلل في تدبير شئون البيت ورعاية أخويّها وتحمل مسئولية ذهابهما إلى المدرسة وانتظام طعامهما . كان عملاً شاقاً وحياة قاسية ، لكنها الآن وهي على أهبة الرحيل لم تشعر أنَّ تلكم الأيام بهذا القدر مِن القسوة .
هي الآن على أبواب حياة جديدة مع فرانك . فرانك الطيب القلب اللطيف المعشر والشهم ، سترافقه بعيداً على ظهر زورق في الليل لتصبح شريكة حياته ويستقران في بوينس آيرس حيث سيكون المنزل الجديد بانتظارها . إنَّها لتتذكر جيداً أول يوم التقيا فيه عِنْدَما كان فرانك يسكن في الشارع الرئيس حيث اعتادت الذهاب ، تتذكر ذلك كما لو أن الأمر حدث قبل أيام ، تذكرت كيف كان فرانك يقف عِنْدَ الباب دافعاً طاقية رأسه إلى الوراء فتهدلت خصلات شعره مُسدلةً على جبينه برونزي اللون . هكذا تعرفت عَليه وراح ينتظرها كل مساء عِنْدَ خروجها مِن عملها في المتاجِر ويصرّ على مرافقتها حَتَّى باب منزلها ، تتذكر جيدا كيف أنه اصطحبها ذات مساء لمشاهدة المسرحية الغنائية ” الفتاة الغجرية ” إذ شعرت بالزهو وهي تجلس إلى جانبه في ركن قصي مِن المسرح . كان فرانك شغوفاً بالموسيقى إلى حدٍّ ما وكثيراً ما كان يغني ، وحين يرفع عقيرته مغنياً أغنية البحار الذي أحب يتملك أفيلين شعورٌ بالبهجة والارتباك معاً . كان فرانك يمازحها ملاطفاً ويدلعها بإسم ” بوبينز ” والجميع يعرف بعلاقتهما وقد بدا الأمر في الوهلة الأولى مسلياً بالنسبة إليها كفتاة تحظى بصديق مثل فرانك ثم وجدت نفسها تميل إليه بشدة . لقد قص لها فرانك كثيراً عن بلاد ما وراء البحار وكيف أنه بدأ عمله مذ كان صبياً على ظهر السفينةألين لاين ” وهي في طريقها إلى كندا إذ كان يتقاضى جنيهاً واحداً في الشهر وعدد لها الكثير مِن أسماء السفن التي عمل عليها وجاب بها عباب البحار حَتَّى وَصَل غلى مضيق ماجلان .
كان يروي لها قصصاً مِن غرائب العادات في أمريكا الجنوبية ، ولمَّا استقر المقام به في بوينس آيرس جاء لقضاء أجازته في بلدهِ ، ولمَّا عرف والدها سِرَّ علاقتها فرضَ عليها مقاطعته وراح يكرر على مسامعها قائلاً :
يا ابنتي ، أنا أعرف بهذا النوع مِن البحارة المراهقين .”
وهكذا كان عليها أن تقابل ” فرانك ” سِرّاً .
هي ذي عَتمة المساء تغمر الشارع تماماً ، لم تعد ترى بياض الورقتين في يدها ، هما رسالتان ، الأولى منها إلى أخيها هاري والأخرى لأبيها أمّا أخوها أَرنست فهو نعم الأخ بالتأكيد لكن منزلة هاري لديها أكبر . لقد بدا على والدها في الفترة الأخيرة تقدمٌ في السن بأكثر مِن ذي قَبْل ، وتصورت كم يفتقدها حين ترحل ، فهو في أحيان كثيرة يبدو في غاية اللطف ، لَنْ تنسى أبداً يوم مَرَضت وجلس عِنْدَ سريرها يقص لها قصصاً مِن الخيال ويحمص لها خبزاً على نار الموقد . وتتذكر أيضاً أنهم خرجوا جميعاً في نزهة إلى تلالهاوث ” وهناك أقدمَ والدها على ارتداء قبعة أمها ليثير الضحك في قلوبهم .
كان المساء يمضي قُدُماً ولم تزل تجلس عِنْدَ النافذة ، تميل برأسها على الستارة تشم فيها رائحة الغبار ومن هناك في الأسفل تهادى إلى مسامعها في الشارع عزف أرغن لشحَّاذ جوَّال سبقَ وأن سمعت مثل لحنه ومن الغريب أن تسمعه مرة أخرى في هذا المساء بالذات ليذَكِّرها بالعهد الذي قطعته على نفسها أمام أمها ، على أن تحيط هذا البيت بأقصى ما تستطيع مِن رعاية ، وتذَكَّرَت ليلة وفاة والدتها التي كانت مستلقية هنا في هذه الغرفة بالذات ، الغرفة المعتمة بجوها الخانق حين سمعوا جميعاً اللحن الحزين للعازف الشَحَّاذ ، تذكرت كيف عاد والدها إلى الغرفة متبختراً بعد أن أعطى لعازف الأرغن ستة بنسات وهو يقول :
اللعنة على الإيطاليين ! وصلوا إلى هنا ؟! ”
بينما هي غارقة في تأملاتها الحزينة ، دهمتها قشعريرة وهي تسمع صدى راح يتردد لصوت أمها وهي تنادي بحزمٍ وإصرار : وداعاً .
غمرت الأحزان حياتها في وقت مبكر ولم تجنِ مِن تضحياتها شيئاً غير هذا الشعور بالضياع . وفجأةً انتصبت واقفة كالمصعوقة ، أتهرب ؟ نعم يجب أن تهرب ! سينقذها فرانك ويمنحها أملاً جديداً في الحياة والحب ، سيأخذها بالأحضان وينتشلها مما هي فيه وتعيش حياتها كما تريد .
وعلى رصيف ميناء ” نورث وول ” وقفت وسط الزحام المتلاطم كالموج ، كان فرانك يمسك بيدها وهي تعلم أنه يحدثها عن الرحلة ويعيد عليها ما قال بينما كان الرصيف يعج بالجنود وهم يحملون تجهيزاتهم داكنة اللون ، ومن خلال الأبواب الواسعة لحواجز الانتظار لمحت أفيلين لأول مرّة ، الكتلة الهائلة السوداء لهيكل الباخرة حين أُضيئت النوافذ في مقصوراتها وهي قابعة ، بمحاذاة الرصيف ، في الظلام.
لَمْ ترد على كلامه بل شَعَرَت بالبرودة في وجهها الشاحب واعتصر الألم والحيرة قلبها وهي تدعو ربها أن يهديها إلى طريق النجاة . وإذا بالباخرة تطلق صفيراً تردد صداه بعيداً في الضباب مثل نواح حزين . لو تحققت أمنيتها ، ستكون غداً في أعالي البحار مع فرانك نحو بوينس آيرس . لقد قطعا تذكرتين فهل بالإمكان التراجع والانسحاب بعد كل الذي فعله فرانك . سبّب لها القنوط شعوراً بالغثيان وهي تدعو ربَّها وتتضرع إليه بصمت ، و لَمّا جَلجلَ أحد الأجراس مُدَوِّياً ، إنتفض قلبها هلعاً وشعرت بفرانك يمسك يدها قائلاً :
هيّا … ! ”
كأنَّ كُلَّ بحار الدنيا هاجت في نفسها وكأن فرانك يدفع بها نحو الأعماق ليغرقها ، فتشبَّثَت بالحاجز الحديدي وهو يقول لها :
هَيّا …! ”
كلا ! كلا ! إنّه لأَمر مستحيل ، وعادت تتشبث بالقضبان بكل قوتها . خُيَّلَ إليها أنه تسمع ثَمّة نداء يصل إليها مِن أعماق البحر :
أفيلين ، أفيلـ … ! ”
راح فرانك ينادي ويشير إليها أن تعبر الحاجز و تلحق بهِ . طلبَ منه بعض المسافرين أن يمضي في سبيلهِ لكنه وقف في مكانهِ ينادي عليها وهي تتطلع إليه بوجه شاحب لا حوَلَ لها ، لا تفصح عينيّها الجامدتان بنظرة حب أو وداع وليس فيهما أي نوع مِن الرغبة بشيء.

مقالات من نفس القسم