ديوان “العصافيرفي الانستجرام قاسية ” لـ عبد الرحمن تمّام

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد عيد إبراهيم

 

على رغم الكثير من الهوان والاستسهال والتبسيط في محور (قصيدة النثر) اليوم، ينبثق فجأة أمامكَ ديوان، يحطّم يأسك وقد يمنحك نسيماً تستروح منه أنفاساً بقصائد لا ينتهي منها الجمال. شاعر مصريّ (عبد الرحمن تمّام)، يكتب ديوانه (الأول) باسم غريب (العصافير في الإنستجرام قاسية)، يضمّ (21) قصيدة في 100 صفحة، لدار شبه مجهولة (نور للثقافة والفنون)، لكن الحالة ترغمك على الانتباه للصوت، الذي يستنير بشعرية مختلفة، تأبى الاستكانة إلى المألوف المعروف المعهود والعاديّ، أو حتى مَن يستسلم لتقاليد صارت في حُكم البائتة.

يغتني الديوان بالخطابات المعرفية، مع ذلك يسلُس قياده من النثرية الغنائية، ويحقق معادلة قلّما تتحقق، أن يثرينا بعدة أنماط من قصيدة النثر، وسط ما ينجزه من دراما حكائية أو صور مركزية أو خرافات وأماثيل إلخ، معتمداً على أشكال إيقاعية مختلفة، تبعاً لما يُمليه النصّ من ضرورات بلاغية أو مشاهد تمثيلية أو سينوغرافيا سينمائية. وهو بين هذا وذاك، يفعمنا فرحاً، أو يُضنينا أسىً، حسبما يروح بطل النصّ أو يأتي، لكنه ضمن سيرورة الوجود، يواري السوأتين: الحبّ والحرب.

في قصيدة (صندوق جرامافون)، يحكي عن جدّ رحّالة، بكلّ مدينةٍ له صيد، لكنه يترك غنيمة للسيدة بعد رحيله (وعلى وجهِ الغَمر ظُلمة)، وفي النهاية يعود فيزرع البوق كي يستنبت شجرةَ موسيقى، ثم يحرق الصندوق ليستدفئ (حتى إذا مسّه طائف من البلاد استراح). أما في قصيدة (حارس الجبّانات) فيحكي عمن يهجر مسرّات القرية، لا لكآبته، بل لزيف من حوله، حتى لم يعد يفرحه (كراعٍ صالح) إلا نبش الجثة (وقتها أجد العصا مذراةً، وتصير المرأة بيدراً)، حيث (اليأس تلّني) آخرة الليل.

في الديوان بكائيات على من يعانين السرطان: مرةً مع سيدةٍ في قصيدة (شامةٌ تحت الإبط)، يضمّنها حالات موسيقية، إشارة إلى محبة الحياة وسط فحيح من دنوّ الموت، قبلما (تميس الأرض إلى فراشات تجرّ الشمس إلى المنزل)، حتى (تبتسم الميوزات التسع للفلاش) في الكادر. ومرة في قصيدة (ضرورة درامية)، حيث (المكان ضيق كمثانة، وما من سبيل للهرب)، وهل يمكن أن (نرتّب الأحداث على مزاجنا)، لكن أقمار الأبدية تنبح (فوق رؤوسنا) لتمرّر (كلّ هذا العواء). ومرة أخرى، مع قصيدة (طفلة الله) وقصيدة (بالونات الهيليوم)، يفتح للأسى أبواب الرحمة، فيلبّي أمنيات طفلة، مثل (غابة ازيّنت لحطّابها)، حتى تهشّ قابلة النهار (حديقة الكوابيس)، لكنه عاجز، و(ما غسلتُ يدي بماء الضغينة، إلا لأورّط العالم في المحبة).

الموسيقى تملأ جنبات الديوان، قصائد ورموزاً، ربما ليخفّف من وقع الآلام البيض ارتقاباً للفرح الآتي، ففي (القصيدة إشبينة الحرب)، قد يحقن (زوّار الفجر أرواحنا بسرنجة العكارة)، فنجرش العتمة بالأغنيات، كلما حاضت العزلة. وفي (طريق لا تشبه الترومبيت)، كلّ شيء يقود إلى الموسيقى، فاختفى الملعون (بأوتار الهارْبْ)، وطارت الموسيقى (تحوّلت حباتها إلى طيور)، وسمعنا حمحمةً بلا قوس من جميع الوحوش.

كما يخطب ودّ الثورة من المهد إلى اللحد، مع علمه أنها أخفقت، فهو يجلس وحيداً (علّ الريح تنشّف بقعة الدم، وحسائي المسكوب)، وما بيننا (بئرٌ معطّلة، فهل يكفي النشيد؟)، يعزّيه (فوق ترابكِ، مرّ فتىً جميل، رشّ الطريق بالأغنيات). من ثم ينحو صوب السجين، في (يا أخي في زراعة الموسيقى)، مستجمعاً حالاتٍ مناظرةً في تاريخ الفن والأدب، وإذا مات شاعرٌ فكيف يحتمل العالم (كلّ هذا البياض الآسن؟)

لدى (عصافير الإنستجرام) أسماء إفرنجية، مصطلحات موسيقية أو مرضية، لكن تمّام لم يشأ أن يعطّل بهجتنا أو يؤجّل أسانا بأي لمحة أو تفسير، فقد شاهد بعينيه جنية خضراء تُطلق العصافير نحو الشمس: (يا رفيقي، إنكَ أنتَ البحر)!

 .

 وموقع الكتابة يسعده أن يقدّم لكم هذا الديوان للتحميل الالكتروني من >>هنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شاعر ومترجم مصري

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم