دكان شحاتة .. قصيدة الصورة الكلية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
  مصطفى جوهر * هل تعرف القصيدة التى تعتمد على الصورة الكلية ؟ هكذا خالد يوسف  مخرج /  شاعر ، يهتم بالصورة الكلية ، فلا تسعفه موهبته أن يغازل عينى مشاهديه بصورة جزئية ؛ مشهد يأسر المشاهد ، كما كان يفعل الأستاذ الحقيقى ( يوسف شاهين ) . تخرج من فيلم خالد يوسف ، تواتيك الذاكرة بقضية أو عدة قضايا يمسها أو يطرحها ، أو يخترقها ، لكنك لا تذكر كادرا يشعرك بحرفية المخرج ، تلك الحرفية التى ميزت الفن السابع عن جميع الفنون ، الإمساك بتلابيب اللحظة المرئية والمسموعة .

دكان شحاتة ، فيلم بدأ باستعراض تنازلى من العام 2013 إلى العام 1981 ، وفى وقت ميلاد شحاتة جاء خبر مقتل السادات ، وبهذا يريد المخرج وصاحب القصة أن يقول إن شحاتة هو مصر فى فترة حكم مبارك ، وقد استعرض فى عدِّه التنازلى مجموعة لا بأس بها من الكوارث التى حلّت بمصر ، شحاتة الابن  الأصغر ، والأخ غير الشقيق لأخوة جاحدين يرى فيهم أبوهم ( حجاج ) خيانة أمهم له ، مات الأب ، وتنكَّر الإخوة لأخيهم ، وباعوه بالحيلة والتهموا حقه فى ميراث أبيهم ، وسجنوه ، وخرج متسامحا ناسيا جميع ما حل به من ظلم باحثا عن إخوته ، لا لينتقم ولكن ليصافحهم ويحتضنهم متشمما فيهم رائحة أبيه ، الذى ترحَّم عليه عندما أمسك بصورة مقلوبة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، تلك الصورة التى قال له أبوه يوما ضعها على شرخ الحائط علّها تواريه ، فكان رده أن الفتق اتسع على الراتق .

خرج شحاتة ليجد أن إخوته باعوا ملك أبيهم وحياتهم بذكرياتها ، باعوا الأرض والزرع لجهة تضع علمها بنجمته السداسية على البوابة الحديدية للسفارة ، ثمة مشاهد وقفت عندها الكاميرا لتكون تسجيلا فوتوغرافيا لأزمة القمح والخبز والماء ومحرقة بنى سويف وغيرها ، لكنها مشاهد افتقدت الحياة فجاءت جافة ، كما أن الأغنيات التى تناثرت ( ولا أقصد هنا السيرة الهلالية ) فى مشاهد بدت حاسمة ، جاءت أشبه بالوقفات المسرحية القديمة والتى يمارسها بعض هواة المسرح المبتدئين والتقليديين كفواصل بين المشاهد المسرحية ، جاءت الكلمات مباشرة وسطحية لا تتفق مع إمكانات شاعر كبير كجمال بخيت ، باستثناء أغنية الفينالة ، راهن المخرج على نهاية الفيلم فحشد فيه صورا من الفساد الأخلاقى الذى تعايشه مصر من بلطجة وإرهاب وحالة من الذعر العام ، وكان هجوم سايس الموقف مع مجموعة من البلطجية آخذين بثأر شحاتة أشبه بثورة شعبية تأتى من قاعدة  الهرم ، كثورة جياع ، وكرسالة مؤداها أن هذا الاحتقان فى الشارع المصرى سيؤول إلى هذه النهاية إذا لم يستقم الحال ، هادما رهان السياسيين والمفكرين على الطبقة البرجوازية التى لم يكن لها ملمح فى الفيلم بأى صورة من صورها ، كما وضح غياب الأمن إلا من صورتَيْن الدفاع عن القصر الجمهورى وسفارة إسرائيل ، أو المعول الذى أسهم بصورة مباشرة فى كسر ظهر شحاتة ، بعد أن أحكم إخوته الحيلة عليه .

كانت الأزمات الخاصة مختلطة بالأزمات العامة فسجن شحاتة ظلما جاء مع موقف القضاة من الفساد العام ، وبيع الدكان والأرض جاء مع إحلال السفارة الإسرائيلية مكان تلك الأسرة المصرية ، وغيرها ، كل هذه القطع تجمعت لتصنع فيلما له رسالة ورسالة حقيقية ، لكنها لم تصنع مخرجا له سمته الخاص ، طغى أداء النجم الراحل أحمد زكى على كثير من المشاهد التى أداها شحاتة وأخوه طلب ، وإن كانا ممثلـَيْن بارعَيْن . أما دور كرم ( عمرو عبد الجليل ) رغم كونه ممثلا مجيدا  فعلا ، فقد تخللته ملامح كوميدية تعتمد على جهله وثرثرته الكثيرة فجاء نسخة قريبة من كوميديا محمد رضا . لم يكن ثم داعٍ لاختيار هيفاء وهبى ، وإن كانت قد أجادت فى مساحتها ، إلا أنه دور يمكن أن تقوم به أى ممثلة ، استطاعت غادة عبد الرازق أن تحافظ على مستواها الذى تظهر به فلم تحطم رقما قياسيا جديدا ولم تتأخر عن ترتيبها السابق فى سباقات أخرى ماضية .

ـــــــــــــــــــ

* ناقد سينمائي مصري

 

خاص الكتابة

 

مقالات من نفس القسم