حكاية رجل الحكايات

هاني عبد المريد .. ملف خاص
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الرجل يعمل بكل جهده، لم يشكُ يوما، لم يتمارض كما يفعل البعض.. عندما وصل للمعاش كان رصيد إجازاته عبر ثلاثين سنة، كاملا لم ينقص يوما واحدا، الناس تتعجب لذلك، أين الموسوعات التي تهتم بالغرائب، الجرائد، برامج التليفزيون:

 " أنت اللى زيك، لو كان عايش بره كانوا عملوا له تمثال"

الرجل لم يفكر في تمثال ولا غيره، ولم يهتم بمقاضاة الدولة لاستبدال أيام الإجازات المجمعة بفلوس، فقط اكتفى بمكافأة نهاية الخدمة، وحمد الله..

ينزل في الصباح يجلس على المقهى، ويشرب اليانسون والحلبة طوال اليوم ، يشترى الترمس من البائع المتجول الذى يطرّب بصوته وهو ينادى:

” ترمس يااااااااااااا ترميييس ”

يصر أن يأكل ويؤّكل كل من حوله، مشيرا إلى أهمية الترمس للأعصاب، وتأخير ظهور أعراض الشيخوخة..

الرجل يخالط من حوله بحنو شديد، بشوش الوجه، يطلق النكات والتعليقات الساخرة فى كل مناسبة، عندما سمعهم يتقولون عن أحد رواد جلسته، الذى ورث أبيه الكهربائى الشهير بالمنطقة، قالها بكل بساطة:

” يا ناس سيبوه فى حاله، دا كبيره هيورث أتنين فولت ”

أصبح له جلسة ورواد يلتفون حوله، يحنو عليهم ويعطيهم بسخاء، الجائع يأكل والعطشان يشرب وكله على حساب الرجل، الذى يتعامل مع ضمائرهم المختلفة بكل رضا، فهو يعرف من يجلس معه بحب حقيقي، ويحكى معه بحب حقيقي، وينتظر رأيه كأب، ويعرف أيضا من يندس للاستفادة بكوب شاى، أو حجرين معسل..

الرجل كان يقول لنفسه لن تفرق معي كثير، في النهاية تكون الحكايات، أيا كانت الضمائر، هو يعتبر نفسه يشترى – بما يصرف كل يوم – حكايات، يعرف أن كل ما حوله لزوال، هو أيضا زائل يدرك ذلك، ويدرك أيضا أن الحكايات هي التي ستبقى، كان يدفع بسخاء لكل من يحكى، لا حرمان اليوم، ولا جوع لمن حكى..

الرجل عندما يعود لمنزله ليلا يأنس بالحكايات، تعطى لمسكنه الروح، تمنحه الدفء عندما يستخرجها كل ليلة قبل النوم..

مع الوقت يضطر لتقليص مصروفاته.. تتآكل فلوس المكافأة، ويتآكل الناس من حوله..

تأتيه الفكرة التي ربما كان يخطط لها من البداية دون أن يبوح بها، جمع كل حكاياته، فرزها لنوعين، الحكايات المبهجة الفرحة نسج بها سجادة الحكايات السعيدة، أما الحكايات البائسة، نسج بها سجادة الحكايات الحزينة..

فوق سريره دوما سجادة، إما فرش- في أيام الصيف -، أو غطاء – في أيام الشتاء -، الرجل يلجأ في أوقات حزنه لسجادة السعادة، تمسه الفرحة بأناملها، فلا يتمكن منه الحزن بشدة، يستعمل في أوقات سعادته، سجادة الحزن ليتذكر دوما أن في العالم بؤساء، فلا يكتمل شعور الفرحة لديه، الرجل بكل صراحة لم يكن يخشى في حياته خشيته الاكتمال، يرى دوما النقص في الاكتمال..

الرجل يتصنع كل يوم النوم ليرى الحكايات الشقية تنسل من نسيج سجادته ليلا، تتجول في حنايا الغرفة، يشعر بالرضا فقط كلما وجد الألفة تدب بين حكاياته المختلفة، ويشعر بمتانة نسيج سجادتيه، وإنه وسط الزيف الكثير.. قدم للعالم شيئا حقيقيا.

…………….

من مجموعة قصصية بعنوان “أساطير الأولين”- ميريت للنشر والتوزيع- 2012.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون