الخدمات الصحفية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 68
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كان يربط بيننا شارع واحد، ولهذا كانت اللقاءات تتكرر بيننا، وكنت أنا من يذهب إليه قاطعاً المسافة من "أخبار اليوم" إلى "الأهرام" في أقل من خمس دقائق. في مكتبه أو في مكتب الفنان أحمد اللباد، أحياناً، نجلس لنتحدث في الكتابة والفن والحياة الثقافية. 

حينما طلب منى أن أذهب إليه في ذلك اليوم، لم أكن أتخيل أنه يريد إجراء حوار معي، لأنه لم يقل ذلك صراحة. في الأغلب كان يريد أن يباغتني. تحدثنا دقائق في أي شيء قبل أن يسألني حول مجموعة “ساق وحيدة” أو رواية “عين القط”، لا أتذكر على وجه التحديد، وبدأت أتحدث بشكل عادي، وفتح أجندة، وبدأ يكتب مسجلاً ملاحظات، ومنهالاً عليَّ بعدد من الأسئلة، التي كان انطباعي عنها لحظتها ممتازاً، كما كان انطباعي عن الحوار القصير بعد نشره في “الأهرام”.

قبل سفره إلى الكويت استمر إبراهيم فرغلي سنوات طويلة في تقديم خدمة للساحة الثقافية، من خلال صفحة الكتب “غذاء العقول” في الأهرام، التي كانت تُشرف عليها الكاتبة الصحفية ماجدة الجندي. استمر فرغلي في تقديم الأسماء الجديدة، كما فعل معي، سواء من خلال “ريفيوهات” الكتب، التي كان يكتبها بلغته الخاصة، وبإحساسه النقدي، وبقدرته على الإحاطة بالتفاصيل، وكان أهم ما يفعله طوال الوقت هو التعريف بالكتاب، لقراء الجريدة الأكثر انتشاراً في مصر، سواء في تلك “الريفيوهات” أو في حواراته مع الكتاب أنفسهم.

بعد سنوات على الأمر ينسى هؤلاء الكتاب أنك أسهمت في التعريف بهم، ليس مطلوباً أن يتذكروا، وأنت لا تنتظر شكراً من أحد، ولكن يصبح مدهشاً أن يتحول بعضهم إلى أعداء لأنك لم تواصل الكتابة عنهم، واخترت أن تكتب عن آخرين جدد. العدواة أيضاً قد يكون مردها إلى اختلاف الموقف السياسى، فهل فرغلى نادم على ما قدمه لهؤلاء؟

يقول: “لست نادماً على ما تناولت ولو عاد بي الزمن أظنني سأعيد هذه التجربة ربما بأدوات أكثر تمرساً، وسأختار من اخترت الكتابة عنهم، وربما أضيف إليهم بعض من فاتنني نصوصهم أو لم أتمكن من قراءتها، حتى رغم معرفتي بعدمية بعض منهم، أو بموقف البعض من جيل التسعينات الذي أنتمي إليه بشكل أو آخر”.

غياب النقد مع التدهور الذي أصاب المنابر الثقافية الأساسية المتخصصة في النقد في منتصف التسعينات دفعه للتفكير في محاولة سد ولو جزء طفيف من هذه الثغرة النقدية، خصوصاً مع توالي ظهور أعمال أدبية لافتة من جيله والأجيال اللاحقة: “أعجبتني التجربة الصحفية الثقافية اللبنانية في دأبها في متابعة النصوص الأدبية في الصفحات الثقافية، من خلال الكتاب أنفسهم، بمعنى أنه لم يكن هناك استهجان لأن يقوم الشاعر أو الكاتب الروائي من ممارسة النقد وفق ذائقته حتى لو قدم قراءات انطباعية، وبدأب”.

الكيمياء التي ربطته بالأستاذة ماجدة الجندي أسهمت في خروج العمل الصحفي بهذا الشكل، فتقريباً كان لديها نفس الإيمان بأهمية الكتابة عن التجارب الجديدة، ومنحت الكتابة الأدبية فرصة معقولة في الصفحة، وبالتوازي طلبت الشاعرة اللبنانية جمانة حداد من فرغلي، عندما تولت الإشراف على الصفحة الثقافية في النهار إمدادها بمادة ثقافية دورية وبينها المتابعة النقدية للأعمال الأدبية المصرية، وكانت هذه مساحة حرة للكتابة عن عدد كبير جداً من الأعمال الأدبية لكتاب جيل التسعينات وجيل الألفية اللاحق، وكذلك كتابات الأجيال الأخرى عند إصدارهم لأعمال جديدة.

يقول: “اكتشفت بمرور السنوات أنني كتبت عن عدد لا بأس به من الأعمال الأدبية، وفكرت أن أنشرها في كتاب، وبالفعل قمت بتجميع المادة التي تراوحت بين الرواية والشعر والنقد الأدبي، إضافة لمساهماتي في نقد بعض الظواهر الثقافية بهدف نشرها في كتاب بعنوان (شهوة الكتابة) ودفعت به لدار العين للنشر، ورغم موافقة الدكتورة فاطمة البودي على الفكرة ونشر الكتاب، وذلك ربما قبل أربع سنوات من الآن ولكن الكتاب لم ير النور للأسف”.

كان إبراهيم مشغولاً طوال الوقت بفكرة محاربة الشللية التي صارت سمة للواقع الثقافي، ومن خلالها يمكن تبادل المنفعة، بين أعضاء الشلة الواحدة، وهكذا استمر فرغلي في الكتابة عن الأعمال التي يقرأها والتي تعجبه بدون أن يكون هناك سابق معرفة بينه وبين صاحبها، وربما نشأت صداقات كثيرة بينه وبين آخرين بعد أن هاتفهم إبراهيم وطلب منهم إجراء حوار.

جمع إبراهيم مراجعات لنحو 35 كتابا بين الرواية والشعر والنقد والأعمال المترجمة، ونحو عشر مقالات في سياق النقد الثقافي، في كتاب. يقول: “كانت فكرتي في جمع هذه المادة النقدية عن الأعمال الأدبية أنها في النهاية، أي المادة التي كتبتها عن تلك النصوص، تتخلص من الحساسيات الزائفة السائدة في المناخ الثقافي بسبب غياب الموضوعية وشيوع نوع من الشللية تجعل الكتابة النقدية مقصورة على النقاد، أو أصحاب المنافع الذين لا يكتبون إلا للمجاملات، كأن الكاتب الروائي ليس له رأي فني، ولا ذوق خاص، ولا حس نقدي يتأسس عليه مشروعه الإبداعي من الأساس، إضافة إلى حسابات المصالح والمنافع الصغيرة التي زادت على فساد الواقع الثقافي ركاما من الأكاذيب. وأشرت في تقديمي للكتاب أن الكتابة التي يتضمنها تترفع عن تلك الحساسيات والتصنيفات المفتعلة، عن يقين في دور الكاتب النقدي أيا كان موقعه، وكوثيقة احتجاج على موت النقد، وغياب النقاد، صمتا واستخفافا واستعلاء ويأسا، استجابة لمناخ مريض يسمم الحياة العامة في العالم العربي الآن وهنا”.

لم يتوقف فرغلي عن الكتابة حول أعمال إبداعية واليوم حين يتأمل ما كتبه يشعر بالسعادة ويتمنى أن يضع قراءاته هذه في سياق أكثر تخصصاً: “ربما أضيف المواد الجديدة للكتاب وأضيف له فصلاً يقدم قراءة أوسع للسياق الثقافي والأدبي من خلال إعادة تأمل مادة الكتاب”.

                                            عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم