افخر بجــراحـك

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 42
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
سلمى أسـامة 

قلت: أنا مشوه. 
وكان رده: أتعرف ماذا أخبرني معلمي حين قلت ذات الجملة؟ أخبرني عن الأواني المعالجة بفن “الكنتسوجي”، وقد عُرف في اليابان القديمة، والذي يعني: “الضمّ أو المعالجة بالذهب”. يقوم هذا الفن على إصلاح القطع الخزفية المكسورة عبر لصقها وتجميعها باستخدام لاصق مخلوط بأنواع ثمينة من الذهب -وأحيانًا الفضة أو البلاتنيوم- لتكتسب قيمة أعلى بعد إضافة هذا السائل النفيس. 
رأت الفلسفة اليابانية هذا الفن معبرًا عن الإنسان وما يتعرض له من ضغوط وجراح في حياته، ليُصقل بها ويصبح أقوى من ذي قبل، وفي حال الأواني تزداد قيمته المادية.
فنحن نشبهها ونصير أغلى بعد التئام الجراح ولو تركت ندبات.

هذا ما حاولت سلسلة أفلام للمخرج “نايت شايملان” إبرازه، حيث سلط الضوء على قيمة المنكسرين وقدرتهم على التحمل والنجاة بدءً من فيلمه الأول “Unbreakable”.
(إليجا) -الذي يؤدي دوره صامويل جاكسون- شخص مصاب بمرض نادر في العظام تجعل هشاشتها غير عادية، ويتعرض للكسور منذ يوم ولادته بمعدل غير طبيعي، يدفع إليجا ديفيد دان -مؤديًا دوره بروس ويلس- لاكتشاف قوته الخارقة وإدراك إمكاناته الهائلة، ويريه بالأدلة أنه غير قابل للكسر -على عكسه-، ويحثه على توجيه تلك القوة لمساعدة البشرية، ونرى كذلك كيف يدفعه ولده المولع بفكرة “الأب البطل” للتصديق في نفسه.

يأتي “split” بعد ستة عشر عامًا ليكون الجزء الثاني، من خلال شخصية كيفين مريض الفصام ذي الأربع وعشرين شخصية -والذي جسده ببراعة جيمس ماكفوي- الذي يختطف ويعاقب بضع فتيات لمجرد أنهن لم يعرفن المعاناة ويعشن حياةً سهلةً من وجهة نظره، لينتظرن مصيرهن على يد “الوحش” إحدى شخصيات المنفصم المتسمة بالقوة الخارقة والتي تهيمن على باقي الشخصيات.
فتاة واحدة استطاعت فهم شخصية المنفصم وحاولت بشتى الطرق ألا تثير حفيظته، وهي الناجية الوحيدة في اللحظات الأخيرة، لأنها تملك ندبات أثر سلوكٍ دفاعي كانت تمارسه ضد نفسها بسبب اعتداء عمها ووصيها عليها جنسيًا.
“فقط من خلال الألم تُحقق العظمة” هذا ما قاله البطل وأراه حقيقيًا.
الألم يعلّمنا الكثير عن أنفسنا قبل كل شيء، يكشف لنا مواطن قوةٍ لم ندركها ويصقل نقاط الضعف بالتجربة، يجعلنا أكثر إنسانية وتفهمًا، ويؤكد لنا أن النعيم لا يُدرَك بالنعيم حقًا.

في الجزء الثالث الذي ما زال يُعرض على شاشات السينما “Glass” يلتقي دايفيد دان وكيفين في مصحة مع “إليجا” -الذي يعتبر حلقة الربط بينهما-، وتقوم الطبيبة النفسية بمحاولة إقناعهم أنهم ليسوا أبطالًا خارقين، وعليهم الاستيقاظ من غفلتهم.
يظهر من خلال الفيلم حقيقة تدخل سلطة عليا في الدولة لإخماد تلك القوى لمصالح خفية، والتي يمكن توقعها عبر تحليلي المتواضع في الخوف من المختلف والأسوء حين يكون قويًا.
نرى كيف يستخدم العالم نقاط ضعفنا على قلتها لإخماد مواطن القوة فينا، كيف يدفعنا لنكون نسخة مكرورة ممسوخة من بعضنا البعض، كيف نخاف التميز ونحب التبعية عوضًا عن تطويع اختلافنا في خلق عالم أفضل.
تسأل الأم: ألم تقرأ النهاية في النسخ المحدودة؟ -ليتوقع مصيره- فيرد إليجا: من قال أنها نسخة، هذه قصة أصلية!
ينتهي الفيلم بخبر هروب أكثر من مريض من ذات المصحة، كأنما يخبرنا شايملان كيف يجد المتفردون هدفهم دائمًا، ويتسرب الإيمان إلى أفئدتهم: لم نُخلق عبثًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم