أثقل جداً من رضوى

أثقل جداً من رضوى
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

لم يخبرني أحدٌ بالخبر. خبَّأ زوجي عليَّ الخبر كي لا أُصاب بنوبة اكتئاب طويلة. ومَرِضَ ابني كي لا أجد الوقت فتح الفيس بوك وأتفاعل مع أحاديث الأصدقاء الذين مضغوا الخبر بحزن ومرارة. حتى يومي المعتاد تحالف ضدي كي لا أعرف بالأمر. اكتشفتُه في وقتٍ متأخرٍ فبدوتُ كالغافلة عن دوران الأرض.

متى؟ كيف؟

لكن من أين لي ببصيرة العارفين؟!

 

أنا تلك الفقيرة إلى الله.. أعرف أن لديه من الأسباب والحكمة ما يجعله ربًا حكيمًا يُعبد. لكنني يا ربُّ أتعلم لتوي الصبر والفهم.

دعني يا رب أسألك البصيرة فهم لماذا تخلو الأرض رويدًا رويدًا من ثِقال الناس؟ لماذا يموتون ويتركون الأرض بلا هواء فنضطر لاستنشاق التراب والمرض؟ لماذا يداهمنا عزرائيل بانتقائيةٍ شديدةٍ فيتركنا في جفافٍ شديد للحلْق.. صومٌ دائمٌ عن المعرفة والنور والجمال

ثم لماذا يبقى الرعاع في الأرض في أتمّ صحةٍ.. أطول عمرًا.. أدهى وأعتى وأقوى؟!

لماذا يا رب يبدو  وكأن الأرض تحت ضروسهم لينة استسلمت للأكل؟ ونبدو نحن بلا قدرةٍ على مضغ العُشب.

 

..رضوى عاشور

من الرضا جاءت.. من العيْش بقيَت.. ومن العِشرة والشِعر أفاضت علينا

ماتت رضوى وكنتُ أظنني لا أحزن على البعيدين. لكن من قال أنها بعيدة وقد توغلت داخل النفس.. استقرّت في خيال من قرأها.. وكأنها الساحرة الطيبة التي تمنح أطفالها ما  يطلبون بالسِحر والشِعر والحكايا

 

جدتي البيضاء التي تحكي وتحكي عن أجدادنا القدماء.. عن السَفَر عبر النور  والظلام.. عن الحروب.. عن الظفر بالأعداء.. عن الحكايا التي لا نخسر فيها لأننا طيبين متسامحين رغم أننا قد نقع بين أيديهم في الحروب

 

هل متِّ يا رضوى؟

أنا آسفةٌ نني أحدثك الآن لا قبل الآن. أنا آسفة عليَّ/ علينا، لا عليكِ

فبينما ذهبتِ أنتِ للأعلى، بقينا في الأسفل. وبينما قدَّمتِ أنتِ النور لنَرى، ، بقي الكثيرون على حافة الضوء يمضغون كلامكِ ويتفلون معانيه دون أن يدركوا أدوراهم لهذا الزمان.

 

آه يا أمي..

لكِ أبناءٌ كثيرون لا تعلمين عنهم الكثير. لكنهم يحفظونكِ في محافظهم الجلدية كي لا ينسوْكِ.

الطنطورية التي غلّفتِها بالسيلوفان لها الكثير من الحبِّ في قلبيوغرناطة التي أشبعتها بثلاثة أجيالٍ قاتلوا كيْ يبقوْا خلقتْ جيلًا آخر يعرف حقه المنهوب.

 

يا رضوى، يا أثقل من رضوى.. كيف ثقل ميزانُكِ هكذا في صدري؟ ومتى؟

أنا مجهدة من كثرة التفكير في كيف أكفّر عن بدئي الفهم متأخرًا جدًا لأفعل الآن. أريدُ.. أن أعيد قراءة كلَّ ما قرأتُ كي أفهم أكثر وأعمق. . أشعر بالهمِّ ن عليَّ الكثير قوم به الآن. أريد أن أقرأ حروفي بعينٍ أخرى الآن. أريد أن أتعلم دمج الحروف مرةً أخرى ستوعب حكمة الله من الخلق. أريد أن أقرأ القرآن من جديد فهم كيف أخطأ قوم عاد وثمود.. هذا هو التاريخ على كل حال. أريد أن أهتم أكثر بعلاقة الفن بالسياسة بالناس البسطاء. أريد أن أضغط على نفسي أكثر قرأ فلسفة الشعوب التي لا أحبها كثيرًا فهم فلسفة الإنسانية التي دائمًا ما تعيد أخطاءها. أريد أن أقرأكِ يا رضوى نكِ كنتِ ولا تزالين كتابًا ممتلئًا بالنور والفهم والتاريخ.

 

مهمتي الآن ثقيلة يا أمي.. أثقل من رانيا.. أثقل من تربية ابنيَّ ليكونا خيّريْن، أكثر من أن أغرس داخلهما حب البلاد  وحب الله والأخلاق والأمل، أكثر من أن أجتهد  وأتقن عملي فأعلّم تلامذتي أن يقرأوا فيفهموا.. أو أن أترجم من الإنجليزية للعربية ما يصبُّ الفهم في عقول أهل البلاد.

 

أنا مهمومة يا أمي

 

ن عليَّ أن أكون. عليَّ أن أتكون. عليَّ أن أُكوِّن ما يخلق في هذه الحياة ما يجعلها حياة. أنتِ ممن يجعلون الحياة عسيرة بعدهم. ولذا أثق أن حياتك الحقيقية بدأت الآن.

مقالات من نفس القسم