وحيد الطويلة: فتحت “باب الليل” لكشف المأساة الإنسانية والسياسية فى العالم العربى

وحيد الطويلة: نحن الكُتّاب غلابة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حوار - سوزى شكرى

يصفونه برئيس جمهورية المقاهى العربية، يعلم من هم رواد المقاهى، ويعلم لماذا يأتى هؤلاء إلى المقاهى؟ فتح كل الأبواب المغلقة فى المقاهى وتحرر من كل القيود، إنه الكاتب الروائى الحكاء وحيد الطويلة، الذى تناول رواد المقهى بهزائمهم وانكساراتهم وأحلامهم بأسلوبه الساخر الممزوج بالمرارة، فى روايته الجديدة “باب الليل” الصادرة عن دار الأمان (منشورات الاختلاف)، وربط بين عالم المقاهى وعالم السياسة، تحاورنا معه لنعرف ماذا وراء كل باب، فكان هذا الحوار

حوار – سوزى شكرى

يصفونه برئيس جمهورية المقاهى العربية، يعلم من هم رواد المقاهى، ويعلم لماذا يأتى هؤلاء إلى المقاهى؟ فتح كل الأبواب المغلقة فى المقاهى وتحرر من كل القيود، إنه الكاتب الروائى الحكاء وحيد الطويلة، الذى تناول رواد المقهى بهزائمهم وانكساراتهم وأحلامهم بأسلوبه الساخر الممزوج بالمرارة، فى روايته الجديدة “باب الليل” الصادرة عن دار الأمان (منشورات الاختلاف)، وربط بين عالم المقاهى وعالم السياسة، تحاورنا معه لنعرف ماذا وراء كل باب، فكان هذا الحوار: 

يصفونك برئيس جمهورية المقاهى العربية والمقاهى موضوع تجلى فى اعمالك كلها (روايات مكان )، فلماذا عالم المقاهى؟

المقاهى كالنساء، لا تتشابه بالروح وبالعمق حتى وإن تشابهت فى الشكل، المقاهى كالنساء أو قل كالمرأة لا تبوح بنصف أسرارها وإلا لهجرها العالم، أن المقاهى تدل على المدن كما تدل عليها الأغانى، المقاهى التى عجنتها أو عجنتنى ربما حملت بين جدرانها وبالقرب من حوائطها عوالم عاش أصحابها فى بلاد أخرى عرفناها ولم نعرفهم، جاءوا كأنهم جاءوا من كون آخر لنستدل عليهم ليعيشوا حياة أخرى، لعلها محاولة للتستر بالمقهى لنحكى عمّا خارجه، وولنبدأ من حكاية مكان لننتهى بحكى الزمن، كل امرأة تحبها هى المرأة الأولى وهى المنتهى حتى مقهى آخر.

ما سبب اختيارك لاسم (باب الليل) لروايتك وهل كان للرواية عنوان آخر؟

العناوين تأتى هكذا دون تفكير مسبق، وحتى وإن فكرت فيها بعقلك إلا أن هناك عنواناً ينط فجأة ونحن نكتب لا تعرف بالضبط من أين جاء، ربما “باب الليل” كان حاضراً منذ منتصف الكتابة، كانت عندى عناوين أخرى تأتى لأسابيع تجلس معى ثم تمضى إلى حال سبيلها بعد أن اكتشفت أنها غير مرحب بها إلى النهاية، قصص حب غير مكتملة، لكنها حميمة ولو لوقت قصير، إنها مثل الحبيبات الضائعات لا تكبر مع الأيام وإن أشارت للحظة بهية، قبل نشر الرواية بأسابيع قليلة أعلن عنوان “بنات الأحد” عن وجوده بقوة ووضعته عنواناً للرواية ودفعت بها إلى المطبعة مكللاً بها، لكن حواس أخرى استيقظت، وأعترف أننى خشيت ولا أقول خفت، خشيت أن يستغل التيار الإسلامى بتنويعاته المغرضة والساذجة هذا العنوان اقتراباً من مدارس الأحد وغيره من العناوين ويأخذون الرواية تحت أفخاذهم ليهاجموا المسيحيين بها، المسيحيون الذين ساحت دماؤهم وامتزجت بدماء مسلمين فى كل الحروب التى خضناها دفاعاً عن فكرة الوطن، خشيت أن يتم استغلالها ضد المواطنة عنوان كفاحنا الأزلي، ومن ثم انتصر عنوانى الأول “باب الليل” بكل حمولاته الثقافية وبكل تفرعاته على التاريخ والجغرافيا، على المكان والزمان.

قسمت (باب الليل) إلى 14 باباً: مثل باب البنات – باب الهوى – باب الأقواس – باب النار وغيرها، ماذا تقصد من هذا التقسيم؟

تيمة الأبواب مستعارة من أبواب تونس القديمة من جانب، ومن زاوية أخرى تتقاطع مع تيمة الباب فى التراث الايروتيكى العربى.

هناك أبواب بأسماء حقيقية لأبواب تونس، وهناك أبواب رمقت التراث الإيروتيكى بعين، ثم غمزت بالأخرى ورفعت رموشها، هناك أبواب حقيقية قائمة الآن بجسدها وأقواسها وراءها مائة حكاية ايروتيكية كل يوم، لعل الأبواب كانت دلالة على ما قد يفتح وما هو موصد، على نحو الممكنات المستعارة، أو المستحيل الفاتن كما يقول حلمى سالم، على الأحلام والكوابيس، عما يقيم خلفها،وعمن يحلم بالانطلاق عبرها.

أغانينا وقصائدنا تضج بالأبواب، فيروز تغنى لجوزيف حرب شاعرها وشاعر حافظ الأسد أيضاً قصيدة الأبواب: (أبواب أبواب شى غرب شى صحاب، شى مسكر وناطر، تا يرجعوا الغِيَّاب).   

اخترت عالم المقهى وبائعات الهوى فى مدينه تونس، حدثنا عن سبب اختيارك لتونس بالتحديد نظام حسنى مبارك كان يتربص بالجميع فى سنواته الأخيرة، يتربص ببطش المستبد وهذيانه أيضاً، الأصح أنها الأخيرة إلى الحد الذى دفع وزير داخليته آنذاك إلى التبجح بالقول: “نعم نحن نتصنت على المواطنين، واللى يخاف ما يتكلمش”.

كنت واحداً من ضحايا الهذيان، أو ضحية السلطة المستبدة التى شاخت فى مقاعدها كما قال الأستاذ هيكل فراحت تطلق كلابها على كل شىء حتى على الطيارات الورقية. ذهبت إلى تونس قسراً، لم أذهب طواعية، خرجت من بلد يسيل الفساد من أظافره إلى بلد يحمل الفساد على رأسه، الفارق ربما أن الفساد عندنا طبقات بسبب طبيعة الدولة المصرية وبيروقراطيتها على مدى أزمنة طويلة، لكن الفساد فى تونس –مع عدم التبسيط– كان فى طبقة واحدة.

 دعينى أقول إن تونس هى التى اختارتني، وكانت رحيمة وفاتنة بما يكفي، هدهدت جروحى بطيبة أهلها وغنائهم، فى تونس غناء جميل، كل الذين تم نفيهم من بلادهم ذهبوا إلى بلاد ترسم وتغني، وأنا ذهبت إلى بلد يغنى غناء فاتناً، بلد يرضخ للنساء ويغني: “الله يعيّش – يخلى – النساء”.

ما الذى دفعك للكتابة عن عالم بائعات الهوى؟

وجدت نفسى بين بقايا الفلسطينيين أو بالأصح بواقى الفلسطينيين، شهوداً أحياء على ما آلت إليه قضيتنا الأولى، شاهدت الانكسارات تقتعد الكراسى وتطبع الوجوه،رأيت شواهد قبور الأحلام تنتصب فى قلب الأرواح، حتى بائعات الحب يغردن تغريدة كأنها دوماً تغريدة أخيرة، القوس الواسع من جنسيات عربية تحمل صلبانها على ظهورها حتى وهى تمارس الغرام وترقص أو تتوهم ذلك.

الفرح فى أجيالنا كان شحيحاً كضوء ضعيف دائماً، أمى التى خلعت غوايشها ذات يوم للمجهود الحربى وقضية فلسطين تتحس رسغها كل يوم فلا تجد غير هواء ولو كنا تحررنا لتبرعت بنصيبها الضيئل من معاش السادات.

ذكرت ان الرواية توالدت فى عدة مقاه فى تونس ثم انتهى فى مقهى بالقاهرة، فهل ثمة صفات مشتركة بين رواد المقاهى وإن اختلف المكان؟

الخيبة واحدة دائماً تتوزع بالقسطاس غير المستقيم على الأرواح والوجوه، الصفات ليست للمقاهى فقط إنما هى أولاً وأخيراً للبشر، قد تتشابه المقاهى بسبب نوايا البشر وأحلامهم وكوابيسهم، كل واحد يرتاد المقهى يشكل عالماً وحده ولو تشابهت النوايا، وكل مقهى تدل عليه أولاً وأخيراً روائح رواده يتركونها على كرسى أو يعلقونها فى سقف المقهى.

هل كانوا يعيشون فى المقهى! أشك. بعضهم يعيش بجسده وروحه فى مكان بعيد، وبعضهم يعيش بجسده وروحه داخله مكتومة غاضبة، ليس هنالك ضوء فى نهاية المقهى، هل هى إعادة إنتاج الأحلام والكوابيس ليلة بعد ليلة تحت سماء غير موجودة أصلاً.

أسماء المقاهى التى ذكرتينها لم تكن مسرحاً للأحداث، كانت مسرحاً للكتابة وإن لم يخل بعضها من نزق عابر وقدم تترك أثراُ، لم أذكر أسماء المقاهى التى كانت مسرحاً للأحداث، للكتابة أسرارها، والكتابة التى لا تحتوى سراً ليست كتابة أساساً لا تستغربى إذا قلت لك أن أصدقائى التوانسة حينما كانوا يفتتحون مقهى جديداً كان يطلبون منى بلطف بالغ أن أقترح اسماً له.

فى “باب الوجع” جعلت الشخصيات الفلسطينيه تكشف لنا عن الهزيمة ووصول الوجع إلى الحياه الشخصية، وتحول الوجع القومى إلى وجع شخصى.. حدثنا عما وراء هذا الباب؟

قضية فلسطين كانت تجرى منا دائماً مجرى الدم، هل أقول كانت؟ لن أشنف سمعك بمأثورات عن المآسى العربية والصراعات الحقيرة التى أكلت من خبز القضية وتقوتت سنين طويلة عليها من أجل أن تمسك بعصا الحكم فى عالمنا العربي، الذى يوجعنى فى قضية فلسطين أنه تم استخدامها لقمعنا طوال أعمارنا، المثال الأبرز فى سوريا، التبجح بالنضال من أجل فلسطين لقمع الشعوب، سوريا حافظ الأسد كانت المثال الأبرز، لعبت بكل الأوراق خارجها من لبنان إلى فلسطين من أجل أن تحكم البشر بالعصا والنار دون ان تقدم شيئاً حقيقياً، ما حدث فى بيروت 82 وما فعلته القوات السورية بعد ذلك سيندى له جبين البشرية طوال عمرها، الجيش العربى السورى قتل من الفلسطينيين أضعاف ما قتله الاسرائيليون للأسف، انظرى إلى الصراع الفاجر الآن فيما تبقى من فلسطين لتعرفى مآل القضية، أحد أبطال رواية باب الليل، يقول لك: فى الماضى كانت المشكلة فى عدد الأرواح التى استشهدت فى سبيل القضية، الآن الهزيمة تعشش فى الروح، بالطبع ليس ذنب الفلسطينيين وحدهم، التوانسة يتباهون دوماً بما جادت به قريحة بورقيبة من ضرورة أن نقبل التقسيم لنقف على أرض كبيرة، ثم بعد ذلك نعمل بالمبدأ الذى طبقه مع الاستعمار الفرنسى لبلاده: خذ وطالب، حتى هيكل كتب أن بورقيبة عرضه على عبدالناصر الذى شاركه فى وجهة نظره لكنه أضاف: أنا لا أستطيع أن أقول ذلك للجماهير العربية، اذهب أنت وقلها، وعندما قالها كان البيض والطماطم والاستهزاء نصيبه.

تم ابتذال مفردة نضال بما يكفي، ولعلها حين ترد فى سياق عمل بائعات الهوى تكشف سخرية الواقع مننا، كل تنظيم يلعب على فكرة ضيقة أو على فكرة دينية ماضوية أو ضد الحداثة يقول لك أنه يناضل!

ناضلنا بالأغانى الوطنية كثيراً فى محبة الوطن، لكن الأغانى –حتى الأغاني– خرجت من القضية الفلسطينية، القضية الفلسطينية الآن فى الحمام كما قالت رواية “باب الليل” أو هكذا أظن.

ربطت فى روايتك بين علاقتين، المناضلون الثوار وبائعات الهوى –إليس لكل منهم مسار مختلف؟ وما الرسالة والمضمون الذى تقصده من هذا الربط؟

روايتى رواية الانكسارات والهزائم، كل الشخصيات تقريباً مهزومة مثل مشاريعنا بالضبط، ربما أنا أحكى فى لحظة إضاءة عن الجسد: الشيء الوحيد الذى نملكه وكيف انعكست عليه كل هذه الانكسارات والهزائم، وكيف يتجلى كفعل مقاومة وتشبث بحياة جديدة أو هكذا أردته لكنه لم يستطع ان يغادر تلك المصائر المرسومة التى فرضتها عليها هزائمنا التاريخية.

هل يدفع الانكسار أصحابه للتآلف رغم تنافر نماذجهم، هل الجسد هو المصيدة التى يلتقون عندها أو يظنون ذلك للنجاة من سجونهن الخارجية والداخلية؟ هل يتجسد الوطن أحياناً فى صدر حنون لرجل أو ركبة دافئة لامرأة ولو كانت بائعة الحب، بالمناسبة قد يمنحنك كل ما حرمت منه بعد أن يخلعن قشرتهن الخارجية، هل هى مزاوجة بالسخرية بين القدر وتفاصيل الحياة؟ مناضلون بالروح ومناضلات بالجسد، هل هو ائتلاف اللحظة فقط بينما التنافر سار بين شخصيات وأخرى.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم