طارق إمام: لو كانت الصين تصدر النقاد كما تصدر فوانيس رمضان.. لكنا أكثر البلاد استيرادا لهم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 42
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته: رحاب الدين الهواري

مهموم بأسئلة الوجود التي لا تأتي أبدا من نص واقعي، يكره الفن الذي يحاكي الحياة، ويري أن الفن الحقيقي هو جدل مستمر مع التجريب يكره فكرة الكاتب الناسك، أوالقديس لأن الفاشلين فقط هم الذين يلجأون إليها، يؤمن أن الفارس يحارب طيلة الوقت لأجل إيماناته، وأن الكاتب يجاهد عمره كله لتوثيق عالمه الخاص في نومه الروائي الشاب طارق إمام الذي حلق مع “طيور جديدة لم يفسدها الهواء” عام 1995 وعبر”شارع آخر لكائن” راحلا مع ” ملك البحار الخمسة” تحكمه “شريعة القطة” بينما يمارس بشعره المنكوش ، في صمت مطبق “هدوء القتلة” متلصصا علي تلك ” الأرملة تكتب الخطابات سرا” ليقص عليك في النهاية بصوته الثائر ” حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها”… حاورناه في ” القاهرة”.. فماذا قال.

في البداية من هو طارق إمام؟

– بني آدم يفضل ارتداء التي شيرتات والبنطلونات الجينز، ويختنق عندما يرتدي الملابس الرسمية ، ولذلك يصعب أن تراه يرتدي رابطة عنق، وهو يري أن الكتابة لابد أن ترتدي تي شيرتات

إذا رجعنا لفترة الطفولة بماذا كنت تحلم وقتها؟

– كنت أتمني أن أصبح رساما وبالفعل رسمت بشكل جيد، وفي مرحلة متقدمة من طفولتي ، ومع حبي الجارف للنادي الأهلي واتقاني لكرة القدم، تمنيت أن أكون لاعب كرة قدم لكن الحلم تبدد سريعا بسبب تدخيني المبكر وأنا في المرحلة الإعدادية.

كنت أصغر كاتب نشر قصة في مجلة أدبية هل هذا صحيح؟

– نشرت قصتي الأولي في مجلة «أدب ونقد» وعمري 13 سنة ، وكانت المجلة في هذا الوقت من أشهر وأقيم الإصدارات المهتمة بالأدب، اما كتابي الأول فصدر وأنا في السابعة عشرة من عمري وكان عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان ” طيور جديدة لم يفسدها الهواء” عن دار شرقيات التي تحمست لي لأنها كانت دار نشر طليعية تهتم بالأدب الجديد.

هل رأيت نفسك ككاتب بعد هذا الحدث؟

– أنا حتي الآن لا أستطيع أن أقول إنني كاتب.

متي ستدعي ذلك؟

– عندما أموت ، قد يقول الناس.. كان كاتبا، فأجمل ما في الكاتب ان يشك دائما وأبدا أنه كاتب، لأن هذا الشك يدفعك كل مرة لإنجاز كتاب جديد أونص جديد تحاول أن تثبت فيه أنك صرت الكاتب الذي تريده.

إذن يمكن أن تكذب؟

– أجاب بسرعة شديدة: طبعا، ولا بد أن يكذب الكاتب ، فالكتابة الجميلة هي كذب مقنع.

هل تشبه المثقفين في ذلك إذا كنا نقصد المثقف بمفهوم الشارع طبعا؟

– لا أحب الكذب في الكتابة، ولكني لا أقدم الكذب باسم الثقافة ، لا استطيع أن أكذب علي بنت جميلة وأقول لها أحبك ، ولا أستطيع أيضا أن أكذب في ” أكل عيشي ”

هل الكذب آفة المثقفين فقط؟

 – أنت تريد توريطي… فالمثقفون منهم الكاذب في كتابته، ومنهم الكاذب في حياته، ودائما النوع الأول هو الأنجح، وعامة المثقفون كأي جماعة لهم أمراضهم خصوصا في بلد مثل مصر ، فبعضنا يعتبر الموضوع “وجاهة” أو وسيلة لإثبات الذات، أو وسيلة لتجاوز مرض ما وهذه هي المشكلة. للمثقفين أيضا مصطلحاتهم الخاصة بهم والتي لا يستخدمها العامة

هل تتذكر أول مصطلح سمعته منهم وأزعجك؟

 – كلمتان انزعجت جدا عند سماعهما، الأولي كانت “الزمكانية” وهي كلمة يستخدمها المغاربة أكثر مما نستخدمها نحن للدلالة علي شيء يمتزج فيه الزمان بالمكان ، عندما سمعتها وقرأتها، لم أستوعبها، ولما فهمتها بعد ذلك، تساءلت : لماذا لا نعبر عنها بشكل أبسط ونقول علاقة الزمان بالمكان أو البعد الزماني والمكاني؟ المصطلح الثاني هو “الأصالة والمعاصرة” ولا أعرف لماذا نفرق بينهما وكأن الأصالة معناها القدم، فكل أصيل هو معاصر، لذلك أنا أفترض أن الأهرامات معاصرة، والكتابة الأصيلة هي معاصرة أيضا والدليل علي ذلك نجيب محفوظ وهو أكثر شبابا من كتاب شباب بالفعل، أمل دنقل وصلاح جاهين وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم كانوا جميعا في ميدان التحرير..

لماذا؟

 لأنهم في هذه اللحظة كانوا شبابا ومجددين فكنا نستحضرهم دائما ، وبالتالي هناك كتابة جديدة ولكنها تعمل في ظل غياب نقدي يقابله استسهال صحفي لوضع كل البيض في سلة واحدة، رغم ان كل كاتب في نفسه ” بيضة مستقلة ”

هل تتذكر أول ندوة حضرتها؟

– بدون مبالغة ، يمكنك أن تقول إنني “ولدت في ندوة” فأنا منذ كان عمري 8 سنوات، يحرص أبي أن احضر معه كل الندوات، أما أول ندوة مهمة عني كانت في 1996 وكان عمري وقتها 18 سنة أو أقل، وكانت الندوة في دمنهور وناقشني فيها الكاتب الراحل خيري شلبي وكان هذا حدثا في الوسط الثقافي.. خيري شلبي يناقش تلميذ لم يكمل العشرين من عمره وخارج القاهرة.. عيل صغير يناقشه أكبر كاتب في مصر ، كنت مرعوباً جدا من اسم خيري شلبي خصوصا وأنا لا أعرف ماذا سيقول ، كل ما أذكره انه عندما قرأ المجموعة قال لي ” ادعيني لما تعمل ندوة”.. ربما لو حدث الأمر الآن ، لترددت كثيرا.

هل تعتقد أن قوة البداية عند طارق إمام هي التي أوهمتك أنك تسير فعلا في طريق الأدب؟ –

 في البداية ، كنت أكتب وأرسم وأعمل تجارب قصصية وانا طفل صغير، وفي “اولي ثانوي” تقريبا كتبت قصة اسمها ” محاولة لاحتواء الضوء” وأرسلتها لمجلة “أدب ونقد” بالبريد العادي ونسيت تماما أنني أرسلتها، ولم اتخيل أبدا أن تنشر في العدد التالي مباشرة.. أوهمتني التجربة أو الحدوتة بمعني أصح أن اكمل المشوار لأنني اعتبرت أن نشر قصة قصيرة لي وأنا دون الخامسة عشرة في”أدب ونقد” إحدي أهم المجلات الثقافية في مصر أوائل التسعينات، هو اعتراف صريح بي ككاتب ، ومنذ ذلك الوقت، وأنا أعيش هذا الوهم.

معني ذلك أنك تؤمن بما يسمي بالكتابة الشابة؟

– طبعا، ولكن ليس بالطريقة العامة والمجانية التي تتعامل بها الصحافة ، هناك كتابة جديدة في مصر لكن الحكم عليها لا يجب أن يكون بمنطق الجيل ولكن بمنطق التيارات الفنية التي يمكن أن نوزع الكتاب عليها.

 ألمح في إجاباتك شيئا من النقد هل يمكنك أن تقول لي رأيك بصراحة في النقاد في مصر؟

– بصراحة شديدة جداااااا، عندنا نقص فادح في النقاد، ولو كانت الصين تصدر النقاد كما تصدر الفوانيس وسجادة الصلاة ، لكنا اكثر البلاد استيرادا لهم، وللعلم أنا أيضا أكتب النقد، ولكن للكتابات الجديدة فقط.

من الذي سمح لك أن تصنف نفسك ناقدا؟

– أنا دارس للأدب الإنجليزي دراسة أكاديمية، وهو أرقي أنواع الأدب، والذي يؤهلني مع تطوير أدواتي ، أن أمارس النقد ولو علي استحياء، كتابة النقد جزء منها مذاكرة، لأنك حين تقرأ عملا تتصدي للكتابة عنه (لتحلله)، تجد نفسك قادرا علي اكتشاف قوانين وغائصا في جماليات النص وبالتالي، النقد بالنسبة لي هو القراءة في أعمق صورها.

 لكن الوسط الثقافي خاصة جيل الستينات لم يعترف حتي الآن بوجود جيل جديد من النقاد… هل تؤمن أساسا بفكرة جيل الستينات؟

 – هناك عدد من كتّاب هذا الجيل تربطني بهم علاقات وطيدة منهم ابراهيم أصلان، جميل عطية ابراهيم، والراحلان خيري شلبي، ومحمد مستجاب، ولم تكن لي مواقف صدامية معهم، ليس لأنني أفتقد للصدامية، ولكن لأنني أري أن المسألة لا تحتاج لصدام، فلو اختلفت مع شخص، أكتب ولا داعي للاختلاف والخناق، وإذا أحببت كاتبا، عرفه مشاعرك، أما إذا كرهته فلا داعي للتعامل معه من الأساس، الموضوع أبسط من ذلك، وربما الوضع عند كتّاب القصة مختلف عنه بالنسبة للشعراء حيث صدام الأجيال في الشعر واضح بين قصيدة النثر والتفعيلة والشعر العمودي وهو ما خلق قطيعة بين الأجيال، أما في السرد فالوضع مختلف تماما.

ما القراءة المنظمة من وجهة نظر طارق إمام؟

– قراءة منظمة تعني ببساطة ألا تكون “سمك لبن تمرهندي” ، أن تجيد التدرج في القراءة. لا تقرأ مجلة أطفال وأنت كبير، ولا تقرأ أرسطو وأنت طفل صغير، ولا تقرأ من كل بستان زهرة حسب الظروف، فهذا لا يشكل وعيا. بمعني أنك عندما تقرأ لكاتب مثل ماركيز، عليك أن تربطه بظروفه وتياره وزملائه بحيث تكون طوال الوقت صورة شبه مكتملة عن كاتبك فتصل بذلك لمرحلة تشكيل الوعي.

 أفرزت الفترة الأخيرة عددا من الاتجاهات في الكتابة مثل موجة الكتابة الساخرة التي انتشرت قبل الثورة وزادت بشكل مبالغ فيه بعد الثورة هل تعترف بوجود هذا النوع من الأدب؟

– أنا مؤمن بوجود الكتابة الساخرة لأنها من أكثر أنواع الكتابة جدية، فالكاتب الساخر دائما له موقف سياسي واضح، ورؤية حقيقية وعميقة لمجتمعه، خصوصا انك تعيش مع شعب “ابن نكتة” وساخر بطبيعته ، فعندما يكون هناك كاتب ساخر يستطيع أن يبكيني ويضحكني في نفسي الوقت، فهذا يؤكد أنه كاتب كبير مثل محمود السعدني أو أحمد رجب

ماذا عن كتب الثورة؟

– استهلاك سريع، مجرد إشباع لسوق متعطش لقراءة أخبار عن الثورة، الكتابة تحتاج أولا لاكتمال الثورة، تحتاج لقدر من التأمل، وتقليب الأمر علي وجوهه، وحتي الآن مازالت الصورة فيما يخص الثورة تحتمل مليون تفسير.

وكتب الرصيف؟

– أغلب الكتب مدفونة في المكتبات الفخمة ، أما تلك المعروضة علي الأرصفة فهي القادرة علي التنفس، القارئ عندما يراها ويقترب منها، يشتريها لأنها رخيصة، لذلك أنا أؤيد الطبعات المزورة طالما أن دور النشر تذبح القارئ، ولأن هذه الطبعات المزورة ستمكن الفقراء من القراءة.

أخيرا أين الله من كتابات طارق إمام؟

– التساؤل عن فكرة الإله هو شغل الإنسانية كلها ، وليس أقل من أن يشغلني في بعض رواياتي التي جمعت شخصيات كثيرة دائمة البحث عن الله، سالم في “هدوء القتلة” يكاد يكون صوفيا، فهو يقتل لمجرد أن يخلص الناس من أجسادهم باعتبارها ذنوب أو علي الأقل وسيلة لارتكاب الذنوب، فكأنه يحاول التقرب إلي الله من خلال القتل.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم