أزمة النقد/ أزمة الوطن (13)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

للأفكار حياتها التي تتشكل في ثلاث دوائر تتدرج من الأضيق إلى الأوسع:

  • في ذهن صاحبها أجنة تنتظر موعد ولادتها خروجا من الدائرة الأضيق.
  • على الأوراق حين تحقق وجودها بالكتابة ولكن تظل ناقصة النمو حتى تخرج للدائرة الأكثر اتساعا حين تنشر تمهيدا لحياتها الخالدة بين الناس.
  • في كتاب منشور يعد قناة اتصال ومسرح التقاء منتجها (المؤلف) بمتلقيها ومتداولها (القارئ) حيث خلودها، منطقيا هي الدائرة الأقوى غير أن مواضعاتها في مصر تجعلها خلاف ذلك تماما.

لنا أن نرى عملية النشر ولادة حقيقية تمنح الأفكار قدرتها على التعايش في حياة الخلود، وهو ما يعني أنها العملية الأدق المسؤولة عن وصول الأفكار عبر قناة اتصال سليمة وصحيحة.

النشر في مصر ينحصر في ثلاث مؤسسات أساسية :

أولاها : مؤسسات حكومية تتبع وزارة الثقافة بالأساس وفي مقدمتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة، دار المعارف وغيرها، وهي مؤسسات تمتلك الإمكانيات الأعلى للنشر غير أنها تفتقد إلى غياب المخططات الكبرى لتقديم مشروع للنشر يليق ببلد عظيم وهو ما يتبلور في مجموعة من المعضلات التي لم تفكر مؤسسة واحدة للخروج منها :

  • غياب التنسيق بين هذه المؤسسات مما يترتب عليه تكرار نشر أعمال مؤلف واحد في فترات متقاربة (حدث أن نشر عمل واحد في مؤسستين مختلفتين في وقت واحد).
  • مشكلات مشتركة في الجوانب الفنية للنشر في مقدمتها غياب التدقيق اللغوي للأعمال المنشورة فتكون النتيجة أعمالا تتزاحم فيها الأخطاء حد فشل القارئ في التوصل لما يريد المؤلف قوله، ينضاف إلى ذلك ضعف المستوى الفني للكتاب و من مظاهره ضعف مستوى الأغلفة المفتقدة لبلاغة الغلاف ومقومات الفن.
  • أزمة التسويق: حيث المنتج يظل حبيس المخازن حتى التكدس (راجع مخازن المجلس الأعلى للثقافة – مخازن الهيئة العامة للكتاب – مخازن الهيئة العامة لقصور الثقافة) والغريب أن بعض المؤسسات لها مخازنها في القاهرة وخارجها وكأن الكتاب ينشر ليخزن تمهيدا لتعتيقه سنوات قبل توزيعه.
  • افتقاد الكثير من القائمين على السلاسل (من الأدباء خاصة) لخبرة النشر أو الدراية بما يجب أن يكون عليه أمر القائم على سلسلة أدبية إضافة لاعتقاد البعض منهم بأن وجود أسمائهم في صدارة السلسلة كاف لترويجها أو كاف لأداء رسالتها (على مدى تاريخ السلاسل ارتكب القائمون عليها أنواعا شتى من الخطايا في حق الكتابة والنشر: سلاسل تم تأجيرها من الباطن على طريقة المقاولات وسلاسل تم النشر فيها مقابل التنازل عن المكافأة، وسلاسل تحولت إلى عزبة لرئيس التحرير وسلاسل نشرت كتبا لا ترقى لأي مستوى من النشر، وسلاسل نشرت كتبا رفضت في سلاسل أخرى….إلخ ).
  • غياب الرؤية لخدمة ما بعد النشر بتسويق الكتاب عبر منافذ يستهدفها الكتاب أصلا، مثلا الجامعات المصرية المنتشرة في محافظات مصر، والأمر لا يكلف سوى بروتوكول تعاون بين المؤسسة الثقافية المعنية بالنشر والجامعة تفرد الثانية مكانا (وما أكثر الأماكن الصالحة لأن تكون منفذا لتوزيع الإصدارات الثقافية) وتلتزم الأولى بضخ الجديد من نتاج مطابعها دوريا (لدي بروتوكول جاهز نتاج ثلاث سنوات من العمل على الفكرة في جامعة الفيوم توقف بفعل ظروف المرحلة التاريخية  قبيل سفري).
  • هناك مؤسسات فقدت تاريخها فخرجت من دائرة المنافسة بجدارة وفي مقدمتها دار المعارف التي تمتلك من الإمكانيات ما تتمناه أي دور نشر غير أنها تناست سنوات الشموخ ولم تنشغل إداراتها المتوالية بتطويرها وإنما ارتكنت إلى ما وصلت إليه من مستوى لا يليق بمؤسسة (كانت) مؤسسة كبرى يوما ما، من الإمكانيات المهدرة لدار المعارف هذه الأفرع المنتشرة على مستوى محافظات مصر تضم جيشا من الموظفين والكوادر وهي أفرع في حد ذاتها وما تضم ثروة قومية مهدرة.

ثانيتها: مؤسسات كبرى احترافية تنافس المؤسسات الحكومية: وهي مؤسسات ربحية بالأساس ليس لها مخططاتها الثقافية بقدر ماهي محكومة بمخططاتها الربحية لذا فهي لا تستثمر إمكانياتها لخدمة الثقافة بقدر ما تستثمر الثقافة لخدمة أغراضها وتنمية إمكانياتها، وهي نوعان: نوع استثماري تجاري بالأساس يعد ظاهرة اقتصادية أكثر منها ثقافية لا ينشر إلا بمقابل مدفوع من المؤلف المكره على فعل لا يرضاه وتدفعه إليه الرغبة في تقديم منتج يدرك مؤلفه أهمية وصوله للقارئ، ونوع نخبوي يتعامل مع النخبة لأغراض استراتيجية يحرض خلالها على التعامل مع كبار الكتاب أو من يتوسطون لهم.

ثالثتها: مؤسسات صغرى للهواة في الغالب يقوم على شأنها أدباء يستهدفون (في أغلب الأحوال) تحسين أحوالهم المادية بالعمل فيما يعرفون أو يعتقدون معرفته، مستثمرين خبرات (محدودة أحيانا) بعملية النشر، فلا تكون المؤسسة مقصودة لذاتها بقدر ما هي مجال حيوي لحركة صاحبها وترويجه لنفسه بالأساس وهو ما يعني نشر أعمال ضعيفة عبر عمليات نشر أضعف (أبرزها افتقاد الكتب المنشورة لأبسط قواعد المراجعة اللغوية).

إن كثيرا من مؤسسات النشر تفتقد إلى الخبرات المكتسبة عالميا، تلك الخبرات الآخذة في تطوير نفسها باستمرار ويكفي التدليل على ذلك بأمرين شكليين: قطع الكتاب الإبداعي الذي تطور ليلائم أوضاع حقيبة القارئ وجيب الجاكيت، والآخر يتبدى في حجم اسم المؤلف في المطبوعات الغربية مقارنة بحجمه وموضعه في المطبوعات الشرقية (في الغرب يتقدم اسم المؤلف على عنوان الكتاب بحجم أكبر وفي الشرق العربي العكس تماما )  وهي أمور تفضي جميعها إلى نتيجة واحدة: صناعة الكتاب (الأدبي والنقدي خاصة) تتطلب ثورة إصلاحية كبرى، ثورة على مستوى المضمون أولا وعلى مستوى الشكل ثانيا وعلى مستوى آليات التسويق والتوزيع ثالثا.

وللحديث بقية

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)