وزن الماضي‮

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كيف يمكن ألا يكون الماضي سيئا؟ ألا يكفي للتيقن من هذا  أنه كان جميلا؟.

في ديوان  العادات السيئة للماضي للشاعر محمد خير الصادر عن الكتب خان بمصر نتأكد كيف أن كل الأشياء غريبة من البدء ، كلها تتبع خلًلا خاصًا نسميه أو يسميه خير " القانون " وهو عنوان إحدى القصائد التي رأيت أن قصيدة "الكون" كذلك تعد امتدادا فلسفيا وليس شعريا لها. الديوان الصادر العام الحالي يقفز مراحل تسبق "هدايا الوحدة " ديوان خير السابق  (وهو روائي وقاص وشاعر عامية مشهود له كذلك) و لعله يمثل المعمودية الشعرية الأولي له. صخب وعنف الخارج قد يلح علي الذات الشاعرة لسرد سيرة شعرية ببعض العنف لكن القصائد مكتوبة بتلك اللغة والنبرة التي لا تريد الجنوح للغضب ولا تفترق عن حرصه العميق ( حتي خارج الشعر) علي عدم الانجرار للعنف بل الإصرار المستمر علي الوقوف لحظات موقف الطرف الآخر. 

هنا هذا لم يؤذ الشعر. لهذا أكتب فالعمل يمثل نصوصا تتنافس جمالياتها مع بعضها البعض وخفوت النبرة بصدقية فنية عالية مع ثيمات عدد من القصائد يؤكد الوجودية المحتومة التي تتماس مع حالة رواقية لا يمكن إنكارها. نتأمل قصيدة  القيامة: لم أظن / أن تجوالي اليومي / في المدينة / يبعثرني / هكذا / في صور السياح / الكاميرات / اقتبست ملامحي / لتبعثها مجددا / في المدن الأجنبية / فوداعًا إذن / يا وجهي / يا بصمتي البائسة / هوية روحي / التي عادت / بلا غلاف / سأمشي الآن حرًا / خفيفًا / بلا ملامح / بينما هناك / في ألبومات الصور/ تتفتح عيناي / وحدهما.  

من تقنياته مثلا كون العنوان أحيانًا يمثل الكلمة الأولي من القصيدة . كمثال قصيدة أريد :  خبرا سعيدا / عنك / كي أتأكد / أنني / لم أخربك تماما. وقصيدة كشرطي مرور  حيث يكتب: أشير/  للأيام / كي تمر. القصائد القصيرة جدا لديه لا أستطيع تسميتها هايكو. هو أصلا غير ثرثار لكن ظني أن أقصر قصائده لا تقوم علي قانون  ما يوصف بالهايكو الذي ليس مجرد لقطة عارمة الكثافة والوجازة .. هذا ما أقصده .

كنت أستمتع بالصور في عمل رهيف يدرك معني عدم اتخاذ  قرار باعتساف أي صور أو مجاز .. تأملوا معي: كنت أمسك بها / من صوت تنفسها قاصدا القصيدة الهاربة منه وبإيماءة خفية إلي الحبيبة. هذه العلاقة الشعرية مع العالم لا يجرحها محمد خير في العادات السيئة للماضي، وهو يميل مثل شعراء مصريين حاليين كثر إلي قصيدة ذروة النهاية حيث يسرب لنا جمالا متصاعدا عبر مسيرة قصيدته ضابطا إيقاع ذلك  التسريب  بما لا يفسد وإنما يعظم  قنبلته الشعرية عارمة الهدوء والمدخرة لنهايتها والحقيقة أنه من قلائل يدركون  بالضبط  متي انتهت القصيدة أو يجب لها أن تنتهي . من أبدع القصائد قصيدة بعنوان  الزمن والتي أري عنوانها وحده يفرض تحديا شعريا كبيرا. هنا البداية والنهاية مدهشة ، وبعين الطفل المستذكر للماضي ندرك أن الكرة الأرضية المرفوعة هي نموذج في فصل دراسي وهو بجانب العنوان الجسيم المناصب لأطروحة فلسفية  ما يفجر أفقا للابتسام عبر سخرية تستحقها الكلمة / العنوان .  لعل سخريته هي أكثر ما يحاول كبحه  وهذا اختيار أخلاقي وفني  كما نستشعر في نصوص شتي مثل مقايضة الانتقام  وغيرها فحتي القصائد ذات العناوين الدالة علي العنف مثل  جريمة ” القتل”، الجنون (انظروا إلي الميل لاستخدام المصادر ضمن تعريفات ثيماتية شعرية لتلك الكلمات ) تقدم حالات  هادئة  في توصيف معانيها وأوقاتا قليلة قد تكون الذات الشاعرة متلبسة بجرم المشاركة في ارتكابات محددة بداخلها وليس مجرد الذات المجني عليها من الآخر / الأخري .

حذوفات الشاعر عالية الحساسية لا شك لأنك تشعر أنه أزاح الكثير ليمنحك هدية بلا شوائب ، متخلصة من أدران وركام كثير كي يترك لنا  العادات السيئة للماضي بشعرية أتصور أنه يمكن وصفها أنها بلا ذنوب، ومقصودي أنه لا أثر فيها لكراهية ولو ذائبة.

مقالات من نفس القسم