يوتوبيا المقابر .. مسخرة الحياة

القارىء الضُراط
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ممدوح رزق

ليس في الأمر كارثة أو فاجعة، بل علينا امتلاك الهدوء المطلوب وروح الدعابة اللازمة لإعطاء ما حدث الوصف اللائق .. أنه ليس أكثر من " مسخرة " فحسب .. لا يقصد " أحمد يماني" الموت هنا رغم المقابر والعظام والدود .. بالطبع هو يقصد الحياة، وذلك هو جوهر المسخرة .. أن تكتب سيرة للعالم من داخل حفرة موتك لأن هذا ما يناسبه، وهناك فقط بوسعك امتلاك المكان الصحيح لوصفه .. أيضا لا يجب أن يُفهم أن الحياة ميتة أصلا، أو أنها كانت موجودة بشكل ما ثم ماتت لسبب أو لآخر أو أي تأويل مشابه؛ بل ـ لو أردنا الدقة، حتى لو كان في ذلك مشقة غير محتملة أو ارتباك لا لزوم له  ـ ينبغي أن نحاول استيعاب عدم وجود الحياة والموت من الأساس .. مجرد اسمين مبتذلين لا يرشدان إلا إلى أوهام متكلسة، وتراكمات من الظنون الخائبة .. هناك شيء واحد لا يتجزأ، ولا ينقسم، ولا تشكله أي أضداد .. هناك مسخرة.

 تسقط بقعة ضوء من بين يديه،

ويدخل جسد مظلم،

تجف البقعة،

ونتعرف على زميلنا الجديد

بقلب مفتوح،

ويعطينا السجائر بكرم زائد،

نحب صوته حين يهمهم من البداية:

ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟

خد راحتك في استدعاء مشاهد الاحتجاز الغامضة والاعتقال والاختطاف في مخابيء مجهولة والحصار داخل أماكن موحشة وغريبة .. لكن ما يحدث من أمور خاصة بالمقابر لا يتمنى لإحالاته التبخر عند التطابق مع ما سبق .. ربما يريدك أن تجرب مدى قدرته على تمثيل الدنيا ذاتها بكل ما تنطوي عليه من أحكام وتفاصيل .. حيث يمكنك عندئذ أن تصل إلى الإيمان بصلاحية ذلك السؤال ـ الهازيء بطريقة ما ـ لكل لحظة تمر عليك، ولكل بقعة تطأها قدماك: ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟ .. مرة ثانية: السؤال الذي لا يليق بحياة وموت .. بل بمسخرة.

لا أرداف هنا ،

ولا دماء،

كيف سأتخيل إذن شكل المرأة؟

وكيف يمكنني أن أحصل على استمناءات كافية؟

حتى الدموع التي سقطت من عيوننا

جفت هنا،

ولم يبق سوى هدوء قاتل،

وثعابين تعذبنا بصورتها

دون أن ننطق بحرف واحد.

الأرض واسعة حقا،

لكن ذلك لا يساعدنا بتاتا

على تنفس مستريح.

 تحسب أنك رأيت ( المرأة ) لكن الحقيقة أن ما تعرفه هو محاولاتك الدائمة لتخيلها مستخدما أدوات مساعدة، فاشلة وخبيثة كأشباح دموية بطبيعة الحال .. الحقيقة أن كل ما تصورته عن لقاءاتكما الحسية ليست سوى التعوّد الممتع على ارتكابات فردية مهزومة، ناجحة تماما في تضييق الوحدة .. جفاف الدموع .. الهدوء القاتل .. الثعابين .. الوسع المزيف للأرض، الداعم للاختناق .. لازلنا نتحدث عن الموت .. هذا صحيح .. نتحدث عن الحياة، لكن بالكيفية التي لا يسبق أي منهما الآخر، أو تكون حالة أي منهما ختاما منطقيا لأخرى.

الصرخات التي أطلقناها قرب الفجر

لم يسمعها أحد

أصوات الكلاب في الخارج

تشعرنا بمودة.

نزحف لتتلامس عظامنا,

ونحب بعضنا أكثر

يحكي كل منا عن طفولته السوداء,

ونتبادل الضحك,

ولا نملك ساعة حائط

لنعرف متى تقوم الساعة  

كأن أصدقاء مهترئين يتبادلون هذيان آخر الليل داخل حجرة أحدهم المنكمشة، المعتمة تقريبا، أو فوق سطح بيت قديم تخطف الآماد الممتدة من حوله العيون المواربة نحو غياب مرعب، هزلي كخرافة مضحكة .. المودة في صوت الكلاب .. الكلاب الملائمة للمقابر وللحجرات المنكمشة .. العظام التي تأخذنا إلى النحول التقليدي للأصدقاء، التهكمات الحسية المقترنة بإطلاق الصفات المخنثة كدليل على الحب .. تلامس العظام يمكنه أن يتسبب في ذلك في جميع الأحوال .. داخل حجرات المسخرة أيضا أنت مطرود من رحمة الزمن .. فضلا عن أنه سينهي المأساة اللذيذة بقتل الجميع بين لحظة وأخرى.

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم