يامَّه القمر على الباب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 21
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صفاء النجار

كنت فى السادسة عندما استوقفتنى للمرة الأولى كلمات أغنية، ورغبت فى تكملة الاستماع لها.. كان الوقت صيفًا، وكنت فى زيارة لقرية جدى، وبينما أسير فى الشارع فى طريقى من «الوسعاية»، حيث قضيتُ فترة ما بعد الغداء فى اللعب مع رفاقى، أهمّ فى سيرى تحسبًا للعقاب الذى يمكن أن توقعه بى أمى بسبب تأخرى لما بعد المغرب، وفى خطواتى المهمومة وتجهيزى لحجج الغياب الكاذبة.. تهادى لى من راديو أو من كاسيت صوت: «يامه القمر على الباب، نوّر أنادى له، يامه أرد الباب ولا أنادى له» تسمرتُ فى مكانى، أريد معرفة رد الأم، تكملة الحكاية، شغلتنى حيرة ومأزق المطربة عن تأخرى وعقابى المحتمل..

كان الصوت يصدر من «فراندة» لأحد أقاربنا، عريس متزوج حديثًا، يجلس مع أقاربه أو أصدقائه، وفى الفاصل الموسيقى للمقطع الأول لم أتبين ما المقصود بـ«نور أنادى له» هل هى «نور قناديله»، أى مصابيحه أم «أنادى له» أى أدعوه ليأتى؟، فيما بعدت قرأت كلمات الأغنية وفهمت أن الأولى «قناديله» والثانية «أنادى له»، وما زال الجناس الصوتى لنطق الكلمتين حتى الآن يعجبنى ويميز كلمات الشاعر مرسى جميل عزيز، وقدرته على المزج فى أغانيه بين الفصحى والعامية.

فى السادسة، لم أفهم أن القمر هو الحبيب بل تصورت أنه قمر السماء وقد وقف يدق بابها، رغم أن المطربة التى لم أكن أعرف اسمها، فى ذلك الوقت، أوضحت «يامه القمر سهران، مسكين بقاله زمان، عينه على بيتنا، باين عليه عطشان، وحد من الجيران، وصفله قلتنا، أسقيه ينوبنا ثواب، ولا أرد الباب».

لم يستطع وصف القمر بأنه: سهران وعطشان، ويتحدث مع الجيران، أن يحبط خيالى المحلّق وينزل بى إلى الأرض والواقع، ظلت عيناى تتصوران قمر السماء المضىء وهو يتعذب فى قصة حبه الأسطورية، وتابعت الأغنية ومحايلة المطربة لأمها كى تفتح الباب للقمر، وأنا مبهورة بهذا الخيال والجمال.. ربما اهتزت صفحة هذا الخيال قليلًا عند سماعى مقطع «يامه القمر على الباب، خبّط وقال يا حباب، ردوا على الخطاب، ماعدش فيها كسوف، يامه اعملى معروف، قومى افتحى له الباب».

لم يتعدَ المطب الذى تعرضت له بين فهمى المحلّق وواقعية أن يكون فى الموضوع قصة حب وخطوبة وربما زواج.. أى أنها أمور وموضوعات لا يصح لطفلة صغيرة أن تعرف أو تفهم عنها شيئًا سوى ثوانٍ، بمهارة فطرية سيطرت على الاهتزازات الطفيفة، تشبثت بثوابتى وتمسكى الدائم بالخيال على حساب الواقع، وتفسيرى للأمور وفق شعورى بها، وليس وفق كينونتها.. وأكملت سماعى للأغنية وضوء القمر يغشى عينىّ، ولم يستطع خوفى من أمى وحيائى من أن يضبطنى أحدهم أتصنت على فراندة أقاربنا، أن يزحزحانى عن مكانى، استغرقت الأغنية دهرًا وأنا أستحث الموسيقى أن تنتهى، كى أصل لخاتمة الحكاية ولا أضطر للرحيل دون معرفة ما حدث للقمر، ولما انتهت الأغنية عدت لبيت جدى سعيدة منتشية.. العجيب أن أمى لم تنتبه لتأخرى، وربما كان الدهر الذى قضيته فى انتظارى لم يكن يزيد على ٤ دقائق، هى مدة إذاعة الأغنية، التى أصبحت طريقة استماعى لها سرًا لم أروه لأحد أبدًا.

حدث لى وأنا فى الأربعين أن تلكأت لسماع أغنية «قد الحروف» لأصالة، كنت فى متجر للعطور، وأذيعت الأغنية، فظللتُ ملاصقة للأرفف، أمسك العطور زجاجة تلو الأخرى وأقرأ اسمها ونسبة تركيزها وأذنى مع «أصالة»، وكعبى يدق على أرضية المتجر لحن الأغنية، ولأن الأغنية طويلة ١٣ دقيقة، وودفعًا للحرج، اشتريت لزوجى زجاجة عطر من «جوتشى».

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار