وحيد الطويلة: عندما أترك الكتابة سأصير مغنيا

وحيد الطويلة: نحن الكُتّاب غلابة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: محمد شعير

من السهل معرفة المكان الذي سيحدده وحيد الطويلة للحوار معه، سيكون قطعا في واحد من المقاهي التي اعتاد الجلوس عليها حتي أصبح يلقبه البعض بـ “ رئيس رابطة المقاهي العربية”. فالمقهي بالنسبة له هو “ جنة الفقراء والعابرين والخائفين والمحبطين .. القرويين خصوصا”بالاضافة علي ذلك ، المقهي هو المكان المفضل له للكتابة، روايته الأخيرة “ أحمر خفيف” أنهاها بقائمة المقاهي التي كتبت فيها بين مصر وتونس وقطر.

حاوره: محمد شعير

من السهل معرفة المكان الذي سيحدده وحيد الطويلة للحوار معه، سيكون قطعا في واحد من المقاهي التي اعتاد الجلوس عليها حتي أصبح يلقبه البعض بـ “ رئيس رابطة المقاهي العربية”. فالمقهي بالنسبة له هو “ جنة الفقراء والعابرين والخائفين والمحبطين .. القرويين خصوصا”بالاضافة علي ذلك ، المقهي هو المكان المفضل له للكتابة، روايته الأخيرة “ أحمر خفيف” أنهاها بقائمة المقاهي التي كتبت فيها بين مصر وتونس وقطر.

اختار أن نلتقي في مقهي بوسط القاهرة، لم أنتظر ليوضح لي أسباب اختيار هذا المقهي الصاخب دائما، الذي لا يصلح للحوار بينما بالإمكان أن نلتقي في عشرات المقاهي الهادئة، والتي تصلح لحوار هادئ. “ نادل المقهي” هو كلمة السر، بمجرد ان يشاهد وحيد حتي يأتي له بمشروبه المفضل “ الزنجبيل”، وتنبعث من جهاز الكاسيت أغنية “ رق الحبيب”. الأغنية كانت مدخلنا إلي الحوار : “ تصور.. هي الأغنية الوحيدة التي صنعها القصبجي لأم كلثوم…واختفي بعدها. لم يتحمل أحد التجديد الذي أحدثه في الغناء في ذلك الزمن، لم يتحمل أحد أن يخرج فرد علي السياق فدمروه، وللأسف هو وافق أن يجلس “ خلف” أم كلثوم. ودائما ما أسال نفسي” كيف قبل أن يجلس في هذا المكان “ الخلفي”؟ ولكن للأسف لم أجد إجابة علي هذا السؤال. ولست أعرف لولا أن ظهرت اسمهان وغنت له أين كانت ستذهب طاقته؟.

اساله..هذا في الموسيقي هل ينطبق الأمر نفسه علي الأدب؟

يجيب: “ عندما نتأمل الأمر، ستجد التجديد في المجتمع مصري هو فكرة “مقموعة” في التاريخ إضاءات كثيرة تظهر ولكنها سرعان ما تختفي. رغم أن التجديد يمكن أن يقوم به فرد إلا أنه ليس مشروعا فرديا، ولا يمكن أن يكون مشروعا فرديا”.

***

بدأ وحيد الطويلة الكتابة بالقصة القصيرة، اتبعها فيما بعد بروايتين: “ ألعاب الهوي” , “أحمر خفيف “ التي صدرت مؤخرا عن دار الدار، روايتان اعتبرهما النقاد مشروعا ادبيا يختلف عن الباترون السائد لكتابة الرواية… كتابة مختلفة، لغة تأخد من المحكي وتستوعب التراث الشفاهي السابق سواء في حكايات النساء في الريف المصري، وعديدهم وأغانيهم.. هل كان يبحث الطويلة في روايته عن فكرة التجديد قبل أن يبدأ الكتابة أم أن الأمر خضع للصدفة؟ يجيب: “ في بداية التسعينيات كانت افكار إدوار الخراط عن الكتابة عبر النوعية هي السائدة، لم أكن قد بدأت الكتابة بعد كنت أقرأ فقط، كنت أعيش في الوسط الثقافي علي استحياء، في الهامش، وأتذكر أنني كنت أتخذ من جملة لسعدي يوسف قالها في إحدي ندواته بالقاهرة “ أعيش في الهامش وأكتب في الواجهة” شعارا لي. بدأت في تلك الفترة كتابة القصة القصيرة جدا، أو القصة القصيدة… ولكن لم يكن يعنيني كثيرا فكرة التجديد.

اسأله ولكنك كتبت متأخرا؟

لأنني عندما جئت للقاهرة، كنت الأكبر في اشقائي، وكان كل واحد فيهم يضع فيّ “ أحلامه” وكأنني “المخلص الصغير”، في تلك الفترة عملت كثيرا في الصحافة، ولكني لم أكن منخرطا علي الإطلاق في علاقات بالوسط الثقافي، فقط كنت أذهب بمقالاتي وحواراتي إلي الجرائد العربية وأتركها، ثم أذهب مرة اخري في آخر الشهر لأقبض مكافأتي علي ما نشرته.

***

ينتمي وحيد الطويلة إلي منطقة بعيدة عن “ خيال الناس”، آخر قرية في “ كفر الشيخ” قرية تعتبر قريبة من طرف البحيرة، وتضم خلطة من الصيادين وخلطة من الهاربين من كل البلاد سواء بسب ثأر أو سجن، او لوجع خاص، هاجروا إلي تلك المنطقة التي لم تكن تستطيع الحكومة أن تدخلها، أو حتي من سكان القري المجاورة لأن الأمطار لم تكن تتوقف علي الهطول طوال العام، ولذا أسس الأهالي “قانونهم الخاص” الذي أنصاعوا له، والتزموا به، ولم يكن بإمكان أحد أن يخترق هذا القانون المنطقة بأجوائها السحرية، وناسها الهاربين كتب عنها الطويلة في روايته “ ألعاب الهوي”. القرية نفسها كانت بطلا ايضا في “ أحمر خفيف”. الروائي خيري شلبي هو ابن منطقة قريبة للمنطقة التي كتب عنها وحيد، بل إنه “ مصمص” المنطقة بشخصياتها وبصراعاتها وأنتجها إبداعا، ولم يترك _ ربما- شيئا للآخرين. عندما صدرت رواية “أحمر خفيف” لوحيد الطويلة، أتصل به العم خيري سأله عن موقع القرية بالتحديد. رد وحيد علي الفور: المنطقة دي مكنتش موجودة وانت بتكتب، ربنا نزلها من السماء بعد ما تركت المنطقة!

كيف استفاد وحيد بكل هذه الأجواء السحرية في كتابته اسأله ويجيب: “ كنت مشاركا في هذا الجو، فعل الكتابة لم يكن قائما وقتها، ولكن الكتابة هي “ تحويشة” العمر من كل ما يمر بك، وما تواجهه من مواقف وحيوات مختلفة”.

أسأله: قرية بهذه المواصفات الأسطورية هل تكتبها من منظورها الواقعي.. اين يمكن أن نجد في روايتك الواقعي من المتخيل؟

يجيب: ( بعض من قرأ روايتي بدا يصدق أن هذه هي قريتي الفعلية في هذا الزمن، ولكن في الحقيقة انا اختزنت كل الحكايات لأصنع حكايتي الخاصة، حتي الواقعي عندما يدخل إلي النص يتحول إلي واقع آخر، كما ان الأسطوري عبر حكايات الناس يتحول إلي واقع بالنسبة لهم، ولكنه يظل أسطوريا بالنسبة لآخرين، الناس تخترع أساطيرها حتي تعيش.. ولكن جزء كبير من “ أحمر خفيف” خيالي رغم أنه يظهر لكثيرين وكأنه واقع معاش، انا انتقل بين الخيال والواقع وكأنهما تؤأمين سياميين يسيران بجوار بعضهما البعض ولا تستطيع أن تفرقهما),

يتذكر أيضا أجواء البدايات: (لم تكن هناك كتب في منطقتنا خارج الكتب الأزهرية، والدي امتلك نسخة من (رجوع الشيخ الي صباه) لم يكن مستعدا لمقايضتها بأفدنة، حين حلت النكسة غرقنا في برتوكولات حكماء صهيون، وشيئا فشئا عبروجود السوفييت و منظمة الشباب جاءنا ديستوفسكي، وجاءت “أنا كارنينا”. لم يكن نجيب محفوظ حاضرا، كان عبد الحليم عبدالله وأمين يوسف غراب ويوسف السباعي ثم جاء فيضان يوسف ادريس بدلا منه فيضان النيل الذي انقطع).

***

ندرة الكتب، والعالم القاسي الموحش الذي يتميز بالثراء في الوقت ذاته ربما كانا دفعا وحيد الطويلة للكتابة، كتابة واقعية لا الكتابة الذهنية التي يتم التخطيط لها مسبقا يوضح: “ بالتأكيد لا يمكن إغفال وعي الكاتب، في هذه الفترة كان الرجال يخرجون بحثا عن الرزق، ويتبقي فقط النساء بحواديتهم وأغانيهم وعدوداتهم..كانت الجمل قصيرة، مسجوعة لدرجة أن هذه الجمل تحولت إلي “ أمثال” خاصة بأهل المنطقة. أنت هنا بين بشر لا يملكون سوي حكاياتهم، ولا تنس ايضا أن والدي كان حكاء ماهرا ، وعمي كذلك. ولكن لا يمكن أيضا أن اغفل “ وعي الكاتب “ فيما بعد عند تدوين هذه الحكايات.

لدي النقاد : الرواية هي ابنه المدينة، ولدي آخرين ماذا يتبقي من القرية للكتابة عنه بعد يوسف إدريس وعبد الحكيم قاسم، ويوسف القعيد وآخرين..ولكنها ليست كذلك بالنسبة للطويلة: “ الخراب أمتد إلي القرية، الصراع فيها موجود ويحتاج إلي من يكشفه. يوسف القعيد يقول دائما: “القري خلقها الله، والمدن صنعها البشر،

 لو كان الأمر كذلك لما استحقت ان نكتب عنها. الريف والقري مازالا يثيران الدهشة، وبالتالي صالحة للكتابة، لأن ما حدث في المدينة حدث ايضا في الريف، لم يعد الخراب قاصرا فقط علي القري”.

ورغم ذلك يحرص الطويلة علي توضيح فكرته : “ انا لا ادافع عن كتابة القرية، أنا أدافع عن الإنسان الذي لا يوجد فقط في المدينة “.

***

في المرحلة الإعدادية اكتشف وحيد أن هناك مجلة للأطفال اسمها “ميكي “ واكتشف أيضا في مكتبة والده “ الف ليلة وليلة” موضوع في خزانة خاصة ومغلق عليه، كان الأب كثير السفر، وبمجرد أن يسافر يبدأ وحيد الصغير في فتح الخزانة وسرقة الكتاب والتهامه. يضحك:” حتي الآن لابد أن أقرأ قبل أن أنام ميكي وألف ليلة وليلة، لا أعرف هل هو نوع من الاستعادة، أم الحنين أم الحرمان، ولكن حكايات “ قريتنا” توازي بصورة أو بأخري حكايات “ الف ليلة” مع اختلاف الخيال.

إذن ثمة تأثيرات من “ ألف ليلة..” في كتاباته يجيب: “ لا يوجد من لم يتأثر بألف ليلة، بورخس، ماركيز، كويليو، ولكن الفكرة كلها قائمة علي الخيال، والمنطقة التي أسكن فيها صالحة تماما لانتاج الخيال، وصالحه لتصديق الخيال وتحويله إلي واقع”.

ربما من تأثيرات القرية أيضا، يكتب صاحب “ احمر خفيف” لغة “ غير صالحة إلا له” كما يقول. تماما مثلما كان يفعل سيد درويش، يسير في الشارع بعد أن يكتمل اللحن باحثا عن الكلمات: “ المشهد يكون في دماغي، وأظل أبحث عن اللغة المناسبة له، أكتب المشهد مرة، والأنفاس تتردد في صدري، أعود اليه بعد أيام، أربعة خمسة _ لا أنظر اليه بينهما ثم أعيد كتابته، أحيانا أعلو به واضبط ما شرد، واحيانا أخربه. حين( يكتمل) النص أنظر به دفعة واحدة، هنا أبحث أحيانا عن لفظ واحد كأن النص لا يكتمل بدونه”.

اسأله ولكن لغة “ أحمر خفيف” وقبلها لغة “ ألعاب الهوي” لغة شفاهية أو أقرب إلي الشفاهية؟ يجيب: ( عبد المنعم رمضان قال لي “ لا يمكن قراءة ألعاب الهوي إلا بصوت عال”؟ ويضيف: (أبحث عن لغة تشبه الناس، او بالأدق تشبه ناسها، لغة تستطيع ان تنقل لك رائحة الهدوم والحكايات والوشوشات التي تتم بين جلباب وما تحته او قميص وما خلفه حتي وشوشة العين، فكرة الروائح بشكل عام فكرة انثوية، لكنها اثيرة عندي، لا افكر باللغة اطلاقا قبل الكتابة وما شكلها، اتركها تأتي حسبما اعتمل داخلي وحسبما يروق للشخصية، افرح كثيرا عندما تكون اللغة تشبه شخصياتها. اترك العملية برمتها للحظة كتابة، وهي وحدها تأتي بفيضها. احلم فقط بأن ( أحود ) من نص لاخر، واغير وجهتي واقلب التوقع رأسا علي رأس ( بمعني أن أفاجئ نفسي قبل ان افاجئك)، ولا أطمئن للمناطق الدافئة في الكتابة او التي (نجحت) فيها، أشعر ان قدرتي علي التغيير وعلي الوصول لأرض جديدة هو الأولي بالمغامرة في الكتابة).. ربما لهذا السبب يفكر وحيد الطويلة أن يصير مغنيا بعد أن يترك الكتابة: (إن استطعت، أو لم يعد لدي شئ ). يضيف: “أحب تلك المهرجانات التي يقوم فيها المغنون فيها بارتجال الكلام واللحن وسط جمهور رائع، يحدث هذا كثيرا في المغرب، لكنني اشم في هذا الكلام الآن رائحة كتابة، إذن انا ألعب ). قبل أن نغلق الحديث عن اللغة..يضيف:( لا تنس ايضا أنني من منطقة شعراء، عفيفي مطر عاش بيننا 20 عاما، وهو أحد أبائي في الكتابة).

 

اسأله هل هو الأب الوحيد؟ يجيب: ( الأب الحقيقي لي هو لويس عوض، لا أستطيع أن انكر فضله عليّ ، أظنني بقراءته تفتح وعيي علي مناطق اخري _ كتاباته عن التاريخ المصري الحديث وعن قصيدة النثر وحسين عفيف، ثم لحق بأوراق العمر في لحظة تالية، وكذلك أحب لغة محمد مستجاب، بوحشيتها حتي في اكثر اللحظات نعومة، احب ايضا نثر شعراء السبعينات، وأحب مسحة الخيال التي عمل عليها صبري موسي في “ فساد الأمكنة” وبراعته في نسج لغة توصيل حية تأتي بالامعقول وتجعله معقولا. ولا أخفي عليك انني هضمت عبد الفتاح الجمل وخاصة “ محب” بلغتها التي لا يستطيع احد أن يصنعها سواه”.

أساله: الكتابة في بعض مقاطع الرواية باللغة العامية.. أم تكن تخشي أن تعوق المتلقي وخاصة في الوطن العربي الذي ربما لا يعرف اللهجات المحلية؟

يجيب: أثناء الكتابة لم أخف، بعد الكتابة كنت خائفا من تأثير ذلك علي التلقي، والآن أتصور أنني لو كتبت “ ألعاب الهوي” بالفصحي كانت ستلقي انتشارا أوسع من ذلك.

الكتابة لعب بالنسبة له، ولكن ماذا عن السخرية؟ يجيب: ( لا اعتقد أن هناك كتابة كبيرة أو مؤثرة بدون سخرية، حتي في لحظات الموت، أو في أتعس اللحظات لابد من السخرية، أنا ابن مجتمع السخرية حاضرة فيه بقوة، وأنا اعتبرها فعل مقاومة بالأساس، لأننا نعيش في واقع إذا لم نسخر منه لن نستطيع أن نقاومه، بل لا نستطيع أن نعيش فيه، في “ أحمر خفيف” عندما كان بطل الرواية يبحث عن وجه عزرائل في وجوة الناس كان يقاوم الموت، ويسخر منه لمواجهته).

ولكن معظم الشخصيات هاربة من الموت أو تحاول الهروب من مصائرها؟

يجيب: ( أن ابن يقين، شخصياتي معظمها تبدو انتحارية بشكل أو بآخر، ولكنها جميعا لديها نزوع نحو الحياة. سأعترف لك تدخلي الوحيد في “ أحمر خفيف” كمؤلف للعمل جاء في مشهد تحرك النعش من علي باب المستشفي تعمدت أن أكسر بنية العمل في هذا المشهد من أجل أن انتصر للحلم والحياة.. لانه لا يمكن أن يظل الواقع بهذا الخراب).

***

عشرات الدراسات النقدية كتبت عن “ أحمر خفيف” بعد صدورها، لم تتفق أي من هذه الدراسات علي تفسير أو تأويل واحد للعمل، تعدد التاويلات يكشف عن ثراء الرواية..وهل كان يعي وحيد الطويلة كل هذه التأويلات وهو يكتب نصه؟

يجيب: “ لا اكذب عليك، رغم خبرة الكتابة، أظن انني أكتب وأنا في حالة “ نصف وعي” وهذا ما يفسر لك علاقتي بالكتابة في المقهي” أن تعيس وسط المجموع ولكن في لحظة معينة تنفصل عنهم، ان تكون قريبا وبعيدا في الوقت ذاته”.. التفسيرات اسعدتني بالتأكيد، ولكن ما كنت أقصده تحديدا بهذه الرواية أن تكون صرخة ضد القهر في أي مكان وزمان”.

يتوقف قليلا قبل أن يستكمل: “ في مسرحية الشخص لفيروز تسأل البطلة الحاكم أين المشكلة؟ فيجيبها الناس كلها بدها تقعد علي الكراسي..وما فيش كراسي تكفي”. هذه مشكلة العالم العربي الحقيقية أن تكسر أحلام الناس وتستولي علي كل شئ، حتي أحلامهم البسيطة.ليس ذلك فقط بل أن نظل نحكم بفكرة العشيرة. يضيف: (الأبنودي قال إن الأخوان المسلمين جعلوا الحسنة سياسة، لكنه في لحظة تجل حقيقة قال الابنودي بالشعر تعليقاً علي ما يجري في مصر الآن..ريحة الكافور هربانه من شجر الكافور)..ربما هذا ما أردت أن أقوله في الرواية.

يتوقف قبل ان يسألني: هل تعرف لمن كتب زياد رحباني أغنيته الشهيرة: سلم لي عليه؟ ويجيب أيضاً: “ كتبها لعبد الله أوجلان الثائر الشيوعي الكردي، وكتبها بعد القبض عليه تعاطفا معه… زياد كتب اللحظة بالغني والثراء بدون ان تبدو كتابته أو أغنيته مباشرة. ايضا هذا ما اريده في الكتابة”.

أعود مرة أخري إلي كتابة المقهي.. كتابة الزحام أو الصخب هل تختلف عن كتابة “ العزلة”؟

يجيبني: “أنا ابن حالة كتابة مهما اعددت لها، فانني انتظر لحظة ما للإنطلاق، اتوهم بأنني العب مع نفسي لعبة مراوغة، اوهمها اني لا أريد الكتابة ولتأت متي تأتي، لكنني اذهب بأواقي كل يوم تقريبا الي المقهي الي نفس المكان نفس المقعد، اتثاقل _ ربما استعد لمباغتتي- كمن يتدلل علي عشيقة لم يرها من قبل، لكنها حين تخرج من شرنقتها يرمي شباكه فورا”.

يشرح أكثر: “ أنا ابن ريف، أبن الريف ليس لهم مكان في المدينة المكان الوحيد الذي تشعر فيه بألفة في المدينة هو المقهي، تعثر فيه علي ركن من ذاتك، ربما يكون هو المعادل الموضوعي للحكاية التي تسمعها في المقهي، وأنت دون وعي منك تبحث عن الغائب عنك، عما ينقصك، تبحث في الوجوة، وتستمع إلي الحكايات، ربما بدافع كسر حالة الرهبة من المدينة.. تصور عندما كنت أعود إلي بيتي، كنت أحاول أن أصنع حالة من الصخب لذا اضع جهاز التسجيل في مدخل الباب، وعندما أدخل أدير الجهاز علي صوت مصطفي إسماعيل، ربما لانني ابن الألفة”.

أسأله أخيرا.. عن مشروعه القادم؟

يضحك: أنا أخاف من كلمة مشروع، ولا أخطط لأشياء كبيرة، في كل مرة أنشر فيها، اتصور أن هذا هو مشروعي الأخير، أقول: أمامي فرصة واحدة في الحياة و يتبق لي نص واحد،، سأحاول أن أكتبه خلال الأيام القادمة.روايتي القادمة عن المدينة، سأكتب عن الجزء الذي عرفته فيها

هل “استراحة” محارب بعيدا عن أجواء الريف؟

لا أفكر سوي في النص، أنا كما قلت لك مهموم بالإنسان أينما كان، وفكرة المصير الإنساني هي فقط ما يشغلني!

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم