ملاحظات حول إيروسية جورج باطاي

جورج باطاي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ممدوح رزق

أقدم في هذه المقالة ملاحظات مبدئية حول كتاب “الإيروسية” لجورج باطاي، ترجمة محمد عادل مطيمط، بوصفه أحد فضاءات اللعب أو “متون التفكيك” المستعملة في مشروعي النقدي ـ قيد الكتابة: “النقد الإيروسي.. نحو اكتشاف شبقية التناص”، والذي يُعد مدخلًا تطبيقيًا لمنهج جديد مثلما أشرت في الجزء المنشور منه، ويتناول ـ حتى الآن ـ نصوص وصور مها الجويني، آن لويس جيرمين نيكر أو “مدام دو ستايل” في القرن 18، فوتوغرافيا نادية عبد الواحد في ستوديو فان ليو 1959، فيكتورين موران موديل إدوار مانيه في لوحة “غداء على العشب”، بيث بطلة مسرحية “منظر طبيعي” لهارولد بنتر، ميريل ستريب في أغنيةThe Winner Takes It All، وPam Grier في فيلم Foxy Brown.

يمكن التفكير في الصمت كطموح التوحد مع لاشعور اللغة من قبل أن تتحقق، أو البدائية المعتمة التي تسبق حدوثها، أي “ما قبل”، و”ما حول” اللغة كفكرة لا ترتبط بغير نفسها، ولا يقع شيء خارجها .. لا وجود لـ “الصمت” حيث لا يتوقف الخطاب ـ كخالق ـ عن العمل داخل أجساده التي تدعي “صمتها” أحيانًا، أو أنها تطارد “الصمت” الذي يحث عليه “فيتجنشتاين”، في حين أنها مطاردة ـ بفعل الخطاب نفسه ـ من ذلك الصمت .. بهذا ليس الصمت المتداول هو الصمت الأوّلي نفسه أو “ما وراء” الكلام الذي يتم الإصغاء إليه بل هو استمرارية متنكرة للكلام تتوهم الصمت، عماء يحاول أن يكون ظلًا لأصله.

يتكلم “الماركيس دو ساد” عن تجارب أبطاله ، وعن نفسه من خلال تلك التجارب كي يثبّت “كلامه” في دائرة العزلة المطلقة، وفي الوقت نفسه يمنح هذا الكلام انتماءً ضمنيًا مراوغًا لأطر التاريخ المعقول والأخلاقي .. أتحدث عن انتماء مضاد، مفارق، يمحو ما يجابهه، ومع ذلك يٌبقيه عالقًا في إبهام مغاير .. إنها محاولة تكييف أثر الجريمة “الخارجي” ليصبح مكوّنًا لمتعة الآثام المتراكمة في الداخل، حين يكون ذلك الأثر موضوع عمل، أو “أسلوبًا” لتخطي ذاته.

يمثل الانفصال Disontinuite الإرادة الجوهرية للصمت البدائي مقترنة بخديعته القهرية أي “الاتصال” حيث يكتشف الكائن نهايته .. حصيلة مغامرات الاتصال الفاشلة في الإيروسية الجنسية والانفعالية والمقدسة .. لكن اللامبالاة المطلقة Apathie ليست نفيًا حرًا أو اجتنابًا لعنف الوهم الاتصالي، ذلك لأنه يكمن أساسًا في اللغة، أو بالأحرى في لاشعورها كـ “صمت” قبلي، وبذلك لا مجال لتسكين “إيروسية اللغة” أي التمزق الخيالي للكينونة .. هي ليست طبيعة مجاورة في قائمة الوجوه الإيروسية: الأجساد والمشاعر والمقدس، وإنما يمكن القول إنها غريزة تلك الوجوه محتوية أقنعتها .. المشيئة المتجذرة، التي لا يستند حضورها على تجسداتها المؤقتة .. لذا كل خطوة في اتجاه “العزلة” هو تماد “لغوي” نحو المستحيل أو “الاتصال المطلق”، وليس تحررًا حيث لا يتوقف “الكلام” / مغامرات “الاتصال” مطلقًا مع الغياب الظاهري للآخر، ولا يتحقق “الصمت” بما أنه لن يكون أبدًا ذلك الصمت الأوّلي، أو ما وراء الكلام حقًا.

بذلك فالإيروسية “عنف الاتصال” تختبئ في الصمت، أو عتمة ما قبل اللغة المنطوية على الفردية / الانفصال كطيف “خامة” ينتج جسدًا / لغة .. تمثلات حسية تعلن الإيروسية بواسطتها عن نفسها، ولكنها لا تتجلى فيها .. تمرر وجودها ليس كحقيقة، وإنما كغموض غيبي .. كروح لا ممارسة، تُخفي سرها التدميري الممتلئ كاملًا بنقائه المتوعّد، والفائض بخيالاته غير المحكومة فيما قبل تمظهراته الجنسية والانفعالية والمقدسة.

ما يؤديه النقد الإيروسي هو تحويل التناص إلى استراتيجية كاشفة لعنف الاتصال اللانهائي بين النصوص المختلفة حيث يتداخل ما هو فني وشخصي وتاريخي، تصبح خلاله اللغة / الجسد في حالة تقويض متواصل لنفسها .. تجاوز مستمر لذاكرتها المعرفية .. بذلك لا تخلق اللغة “وهم الصمت” بما أن هذا الصمت / الكلام المتنكر ليس ناجمًا عن الرغبة في “استقرار لغوي”، وإنما تناوش “بدائية الصمت” بفعل سعيها المرتجل والمتلاحق لتغييب سلطتها .. الكفاح الشبقي المدوّخ لمراوغة هيمنتها الإدراكية أو سيطرة المعنى.

مقالات من نفس القسم