“مغامرات في مدن الكتابة”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 46
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

"البحث"

بدا السرد المصري  ككادر ثابت لمدة طويلة ، فوثوب أسماء جديدة إلى قارئ خارج حدوده المحلية  لم يكن هينا. لعدة أسباب  منها  ما هو ناشىء عن فكرة التكريس ،أو غيرها من أسباب تعود إلى كسل القاريء ذاته في البحث الجاد عن الجديد. لذا كان العثور على نتاجات جيدة فعل حر يبحث عن تجارب في طور التخلّق أو مكتملة  تبحث عن ضوء خاص  بمعزل عن كل ما يجعلها  نائية.  أخذ ذلك  بالانحسار  بتواتر مستمر  بعد الظهور الآسر للفضاء  الإنترنتي  وفي إحلال  ديمقراطيته  الساحرة بدلا من التجمد الخانق. لذا كان عثوري على قصاصات إنترنتية  تتناول أعمال "إبراهيم فرغلي" ،ليأتي فضول البحث  عن التجربة  واللقاء الأول   من خلال مجموعته القصصية "أشباح الحواس" ، كان الشرط  المتحقق بشكل ظاهر هو تميز النص بعيدا عن إرث التشابه والتكرار. ففي قصص ذات إيروتيكية عالية، مرآتها العنوان، هناك هدم  ممارس  لعوالم التردد و المتوقع و المسكوت الخاضع لمهاترات الرقابة وضبابية المحرمات .

   تجد غايتك في نص إذن أنت لا تُفلت تجربة صاحبه، بل توغل في عطاياه بدأب. لذا  في تتبع أعمال ناضجة تناصب الرقيب العداء، سيكون التعثر  في  العثور عليها  في المعارض والمكتبات هو الأرجح   إزاء رقيب  متفاوت  الشدّة  و لا ينطق عن الهوى إنما هو من وحي”التضييق والتشدد والتجهيل”.  وفي ذلك نتائج تقصم ظهر الطرق المعتادة لانطلاق الكتاب لعدد أكبر من القراء دون محوها، مادام هناك  الطرق اللطيفة في تداولها بين الأصدقاء أو في إهداء الكاتب أو بواسطة الصديق الكريم جدا المدعو “الكتاب الإلكتروني”. فكانت رواية”جنية في قارورة “بحسيّتها ، لتثب لاحقا رواية “أبناء الجبلاوي” في متاهاتها وإشكالياتها الإبداعية، وتجيء المجموعة القصصية “شامات الحسن” المثيرة للجدل. خط كتابي لا يلتفت ولا يتراجع إزاء  تصاعد شيزوفرينا الرقيب و الوسواس القهري للتيارات الإسلامية  المختلفة  ظاهريا و المتآلفة عميقا بتطرفها، وكلاهما ابتلت به أكثر  الدول  اقترابا من الديمقراطية في الوطن العربي. ليكونا عون في  مسخ  متواتر للمجتمعات  و الإيغال في  فرض سياسات ملوثة للإنسان. لكن “فرغلي” كاتب جاد وحقيقي ظل كصوت نشاز مع كتاب آخرين  يوجّهون “ألا عيب  الإيروتيك” تجاه  قوى ردم  الحريات و كارهي التعايش وإن بالغ “فرغلي” أحيانا، لكنه ظل متمسكا بمشروعه من داخل الوطن ومن منافيه الاختيارية.  مراهنا  على اختراقات نصه  لقلاع الظلامية  للوصول للقاريء ، على استمرار حقن مساره بالجرأة ،  والقدرة على إدانة بلادة تستشري تدفع بها  سياسات التغييب وآلهة الترهيب.

                                                ” مدونة الفتيان”

 آخر الأعمال التي  قرأتها له هو نص خالي تماما من  الإضاءة الايروتيكية  وظلالها و طرائقها وتداعياتها.لكنه لايخلو من صورة أخرى  للتحدي  الذي هو السمة الأبرز في تجربته ..

 ففي رواية “مغامرة في مدينة الموتى” ،هنا كاتب لايهادن الحاضر، بل يبرز سوءاته بالمقارنة،  مواجها إياه بالماضي ليستشعر من أين أتت المزايا الباهرة والمثالب لأي سلطة في ذلك التاريخ السحيق. شاحذا حرفنته المعرفية  بحكاية تقتنص طير القاريء المترقب لصياده الطيب. تنفذ رصاصة النص لقلب ذائقته فتحييها بانفجارات موضوعاتها.إصدار بإيقاع ديناميكي رشيق ومشوّق  يدرك كاتبه تماما صعوبة المهمة وإختلاف قارئه يختلف عن قراءه السابقين. نص يمارس الرفض إزاء مايحدث من اجتثاث يومي للذاكرة، للجمال، لعبقرية أسلافه ، لاجئا لشخصيات فتيّة وشغوفة قريبة من المراهقة تأخذنا لطرق أخرى، لأسئلة لا تخمد جمرتها، هي بالضبط الشخصيات”الأمل”، فعبر شخصية “شادي” الغائب عن الحاضر، منتخب النسيان “خلاص “أو”حل””،  أدى إلى تأويلات أصدقاء فصله حول  ضياعه المؤسف من بعد ذاكرة رياضية عبقرية، لمسببات منها  ارتطام رأسه بالسلالم،  براعته التمثيلية لجذب انتباه الفتيات، مسكون بالأشباح ، أو كونه  قاريء نهم أضعفت الكتب ذاكرته، وفي هذه الملاحظة الأخيرة  سطوته في فتح باب المغامرات على مصراعيه  يساعدها موضوع الرواية  ذاته،  حيث الشخصية الرئيسية لها “معرفتها “الظاهرة و “فضولها” المستعّر، الذي  يسهل على الكاتب استثمار المزيد من  الأحابيل بدءا من العنوان التي يأتى مشيرا لمدينة الموتى و يحيلنا إلى مدينة نابضة بالحياة.

يساعده  بنوايا وأفعال صادقة  شخصيتان هما “ليلى” و “عالية”  فترافقانه إلى عجائب  “مقبرة الموتى”، ،وتستمر “عالية” بالمضي في دروب الخطأ والحمى متجهة  إلى  ممفيس  مدينة الجدران البيضاء، لنقابل سلسلة شخصيات منها،آمونيت، تيتي، إيمي، بتاح شبيس، والكثير من  المعلومات عن حضارة لا تنقطع عن رفد المزيد من  الإنجازات  في مواضيع  متنوعة أبرزها العلمية كالبناء، الطب .مزيجا جاذبا  من وعاء التاريخ و الأحداث  المعقدة و الضاجة بالأفخاخ، التي  تمضي أحيانا للتطويل، و الإسهاب، دون أن تفقد نكهة أنها رواية بارعة لقاريء من هذه الفئة العمرية بالذات ومسلية لغيره.

التوقيت

 رواية ترسم مكان و زمان  يحتضن أحداث وشخصيات تتوجه لجيل مختلف تماما، تلويحة الكاتب  لصانعي المستقبل. مؤمنا بالكتابة كمغامرة لا ينقطع  تأثيرها ،مؤكدا على الحضارة الأم التي تناسلت منها هذه البلاد ، والتشبث بها كضرورة  لاستحضار عظمتها و فرادتها، حضارة مازالت قابلة لإشاعة التعجب و الإعجاب في الكيفية التي جعلت “العلم”  هو المنطق  الأسمى  للتقدم  ، لذا لم يكن هذا الطرح  عبر رواية  للفتيان  بعد  تداعيات الثورة  حماسة غير مفهومة، أو محض صدفة ، هي رمية العارف الفطن ، قارورة  برسالة  تعرف طريقها لجيل أبعد نحتاجه جميعا لتستمر التغيرات، فلا ينطفىء  حشد الأسئلة، ولا تؤسر فكرة المحاسبة في قضبان اللامبالاة ، لا تغمر اليقظة بنهر الغفلة ، ولا تُخترق قلاع الهمّة بحصار التهاون. رواية باستذكارات تتجه إلى الإيغال في  تقليب  ذاكرة الانسان المصري  ووعيه، في مواجهة حالة التصحر التي يمر بها،  في العودة لحقائق الحضارة الفرعونية و انصهار الحضارات الأخرى دون الغرق بالنوستالجيا أو الإفراط بالتأسي، نص سعى لاستجلاب المتعة دون الانصراف عن أهمية الموضوع  يظهر كاتب ثابر على البحث حائكا رواية و منتقيا التوقيت عبر مخيلة لها يقظتها ورهاناتها الواضحة.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم