مصطفى ذكري: جيلي ليس امتدادا لجيل الستينات وكتابتنا تنطلق من نزعة فردية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 29
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: عبد النبي فرج

برز مصطفى ذكري كأحد الأصوات الروائية في فترة التسعينات في مصر. ولفت الانتباه في أعماله الى حس المغامرة والتجريد اللغوي وإزاحة التقنيات التقليدية للكتابة، وهو ما تجسد على نحو خاص في روايته «هراء متاهة قوطية» و«مرآة 2002». حول هموم الكتابة لديه ونظرته لواقع الرواية في مصر هنا حوار معه:

* في كتاباتك يدخل وعيك المعرفي كمقوم رئيسي في تشكيل وعيك الروائي. كيف ترى ذلك؟

ـ أنا اعتبر أن الجانب المعرفي شيء مهم للإبداع، وهذا ما دفعني لقراءة تاريخ الرواية والقصة القصيرة وفن السيناريو، فلا أحد يكتب من فراغ. ولكن يجب أن يكون التراث السردي من مكونات الكاتب الأساسية، ولا يتكئ على الموهبة فقط، لأنها لن تنفع الكاتب على المدى البعيد. وأنا لي هواية أخرى، وهي قراءة الكتب العلمية بخاصة كتب الفيزياء التي تعتبر مثيرة جدا سواء في كشفها للمجرات والعوالم الكونية التي اعتبرها أكثر خيالا من خيال بورخيس، في تقديمها مفهوما علميا للزمن. وقد استفدت من هذا الخيال بخاصة في علاقته بالزمن في روايتي  وغيرها. ولا يمكن إغفال كتب عدة في هذا المجال مثل رواية «لعبة الكريات الزجاجية» لهيرمان هيسه او كافكا في كل أعماله العظيمة.

* هل الرؤى الكابوسية التي تسم عالمك هي كوابيس الكاتب نفسه انعكست على الشخوص، ام مجرد حيلة من الكاتب للتعبير عن أفكاره ورؤاه؟

ـ الاثنان معا، بمعنى ان الكوابيس التي كتبتها أحيانا نتاج أحلام لي، وأحيانا تكون هذه الأحلام صناعة من أفكار ورؤى الكاتب، لكنها في النهاية ليست بعيدة عن سيرة الكاتب الحياتية لكي يستطيع تطويرها، وتكملة الكابوس الممتد عبر الرواية، وربما يفسر ذلك اهتمامي بشكل خاص بالكتاب الذين يقفون على الأرضية نفسها، أمثال «كافكا ـ بورخيس ـ بول استر» هؤلاء الكتاب يشبهونني، فالعالم الكابوسي هاجس للكتابة عندهم.

* لكن ألا ترى أن هذه الصناعة أقصد صناعة الكابوس تؤدي بالضرورة إلى الافتعال؟

ـ لا أنا لا أخاف من الصناعة في الكتابة، لأنها في النهاية خياري، حتى لو أدت الى التكلف. هذه طبيعتي وأنا لا أخفي هذه الصناعة، لأنني لا أخاف من عدم وصول كتابتي لقطاع عريض من القراء، بل اسعى في الغالب لقارئ نوعي، وعيه مركب يستطيع تفهم واستقبال هذه العوالم.

* كيف ترى جيلك، وهل قدم رؤية مختلفة عن الأجيال السابقة أم انه امتداد طبيعي لجيل الستينات؟

ـ جيلي ليس امتدادا لجيل الستينات. هو جيل افراد، أي ان النزعة الفردية موجودة بقوة لدينا (مثل مي التلمساني ـ نورا أمين ـ منتصر القفاش)، وهذه النزعة الفردية مفتقدة في جيل الستينات الذي تضمه سمات جوهرية تصل إلى حد التشابه التام، وعلى سبيل المثال بين البساطي واصلان. ثم ان النزعة الفردية عندنا أدت الى سمات جمالية مختلفة لدى كل كاتب على حدة.

* هل تتفق معي أن روايتك (ما يعرفه أمين) تبدو كمجموعة من المشاهد في فيلم سينمائي؟ ما تأثير السينما على السرد لديك؟

ـ هذا صحيح، فالذي لا يعرفه أحد أن هذه الرواية كانت في الأصل سيناريو، ولكن توقفت لطبيعة هذا العمل أولا، وطبيعة السينما الموجودة الآن في مصر. وعندما قررت أن احول هذا العمل إلى رواية بذلت مجهودا شديدا وكتبتها ثلاث مرات لكي أكسر هذه المشهدية. ورغم ذلك لم أستطع، فظلت بصمة السيناريو موجودة في العمل. والغريب أن هذا العمل من أكثر أعمالي نجاحا، وان كان لي تحفظات علي هذا الشكل لأنه شكل بسيط، بمعنى ان الراوي يصف المشهد والشخصيات لها سمات ظاهرية جدا، والسمات الباطنية مسكوت عنها من الراوي لطبيعة السيناريو ولو كان السيناريو في الأساس عملا أدبيا لتحول الراوي إلى عالم بالظاهر والباطن.

* لكن لماذا نجحت هذه الرواية برأيك؟

ـ أتصور انها نجحت لأن التلقي فيها اسهل من الأعمال الأخرى، كما أن جرعة المشاعر مفضوحة، وأنا غالبا في الكتابة أكتم هذه المشاعر بالصناعة، ورغم ذلك احب هذا العمل ولكن الشكل هو الذي فرض السيناريو. أما بالنسبة للسينما عموما، فدراستي الأساسية كانت السينما، والسينما تشحذ تأثير المشهد البصري والتفكير فيه كثيرا والانطلاق منه. فحين أكتب أرى المشهد وكأنه أمامي بالضبط. انه بمثابة جغرافيا المكان.

* ما هو تأثير ألف ليلة وليلة عليك والهدف من وراء استخدامها في روايتك «هراء متاهة قوطية»؟

ـ ألف ليلة وليلة أثرت على معظم الكتاب. والحقيقة انني وأنا اكتب هذه الرواية «هراء متاهة قوطية» كنت غارقا في قراءة ألف ليلة وليلة وذلك عام 1992، والذي حاولت أن أوظفه من ألف ليلة وليلة هي المناطق اللغوية البلاغية الضعيفة في اللغة، وخذ حرف العطف (و) الذي ينظر إليه دائما بشكل دوني، حاولت توظيفه حتى أهتك هذه البلاغية، إلى جانب ان ألف ليلة وليلة تتميز بالحسية العالية سواء في اللغة أو في عالمها، فكانت رغبة لتصعيد هذه الحسية بقوة على اعتبار أن الهراء عالم تحتي وهذه العوالم موسومة بالحسية والعنف.

* لكن لم تشر إلى الخيال في ألف ليلة وليلة وهو من أهم مميزاتها؟

ـ التخيل فيها عال، إلا أن هناك جانبا آخر لم يلتفت إليه الكثير وهو الجانب الكوميدي المتهتك الذي تحفل به وهذا موجود في روح «المتاهة» لكي يتم تصعيد هذه الروح إلى أن تصل إلى أقصى مداها فتصبح كوميديا سوداء.

* هل تتفق معي على أن الرواية لديك تقوم على بنية ذهنية ولذلك افتقدت التلقائية والعفوية؟

ـ كلمة الذهن أنا أحترمها تماما وكلما سمعت وصفاً لأحد كتبي بالذهنية أفرح، وأعتبر هذا النقد نوعا من المديح، لماذا؟ لأن تفكيري في العمل تفكير ذهني جدا، لأن الذهن في كل الأحوال هو صمام أمان للعمل الأدبي لكي يخلو من العواطف المبالغ فيها مثل التي لدى ادوار الخراط لأنها في تلك الحالة تصبح منفرة.

* صهر الواقع بالحلم هل هو تقنية يستخدمها الكاتب للهروب من مباشرة الواقع ام الحلم هو ملاذ ورحم نفسي له؟

ـ هذا التعبير «صهر الحلم بالواقع» أحبه، وأنا اعتبر أن الكاتب الذي يستطيع أن يصهر الحلم بالواقع هو كاتب كبير بالفعل، لماذا؟ لأن هذا الصهر يولد كائنا آخر لا يمكن تصنيفه. مثلا في كتاب (مرآة 2002)، عانيت اشد المعاناة، وظللت اعمل فيه ثلاث سنوات، وكنت أظل أفكر مدة طويلة في صياغة الجملة الاستعارية حتى كانت تصل معي الي حدود الكلاسيكية. كما استسلمت في هذا الكتاب لشكل العمل نفسه الذي انتهى إلى أن القارئ يصعب عليه تصور السياق العام قبل الانتهاء من الكتاب كله، لأن ثمة فقرة استخدم فيها ضمير الغائب من الممكن أن تجدها بضمير المتكلم، أو ان وصفا على لسان الراوي يتحول إلى حوار. إن الكتابة مرض، لأن الكاتب غالبا يفتقد الحياة الحقيقية المعاشة، ولذلك تأتي الكتابة كنوع من التعويض. وجاك دريدا الفليسوف الفرنسي الجزائري الأصل يقول ان الكتابة شيء والحياة شيء آخر.

* تلجأ كثيرا إلى الألعاب والحيل لكنها لا تؤتي بثمارها لديك سواء في الشكل أو في المضمون. فما رأيك؟

ـ كتابتي قائمة دائماً على التجريب والمغامرة. أحيانا تنجح هذه الكتابة، وأحيانا تفشل وأنا راض بهذه المغامرة بكل تبعاتها سواء نجحت أو فشلت.

* هل أثرت العوامل السياسية في نظرتك للأدب؟

ـ لا، على الإطلاق ليس لها تأثير على الكتابة او حتى على حياتي الشخصية، بالعكس أنا أكرهها مثلها مثل التاريخ. واكثر الكتابات التي اكرهها هي الكتابة التاريخية والايديولوجية، كما أن لدي قصورا في فهم التاريخ والسياسة.

* لماذا تعود إلى التراث في «هراء متاهة»؟

ـ أنا لا أعود إلى التراث بشكل منهجي منظم، ولا أواظب على قراءته، بل علاقتي به بسيطة. استخدام التراث ليس كبيرا في أعمالي الروائية، بل هناك أجزاء بسيطة اخترتها بشكل انتقائي، حتى الكتب التي أقرأها لها علاقة ببعضها مثلا أنا احب ألف ليلة وليلة ونهج البلاغة وهكذا.

* الجوانب الحياتية إلى أي مدى أثرت فيك؟

ـ من أكثر الأشياء التي أثرت في بشكل كبير رسوبي المتكرر في كلية الآداب قسم فلسفة. كنت أكرهها ولا أستطيع أن أقرأ كتابا واحدا في الفلسفة، وعندما فصلت من الكلية اتجهت إلى دراسة السينما، كما أن كثيرا من الجوانب التي رصدتها في (هراء) كانت مستمدة من علاقتي بأصدقائي الذين تعرفت عليهم أثناء فترة الرسوب.

* كيف ترى الرواية والمشهد الروائي في مصر. كيف تقيمهما؟

ـ من الممكن أن نقول إننا نعيش في زمن الرواية. فالرواية هي الوريث الشرعي لكثير من الأجناس الفنية مثل المسرح، شكل الرواية الملحمية، السير الشعبية، لأنها في الحقيقة جنس مرن يستطيع ان يضمر الأشكال الأخرى فيه، ويبدو لي أن هذا الشكل هو أكثر الأشكال الفنية ديمقراطية. بالنسبة للمشهد الروائي في مصر، أتصور أن به ازدهارا على مستوى الكم لأسباب كثيرة منها سهولته الظاهرية التي أغرت الكثير بامتطائه، مما جعل بعض الشعراء يتركون الشعر ويتحولون الى الرواية، خاصة أن الرواية مقروءة الآن ويحتفى بها إعلاميا. لكن عندما تفتش في هذه الروايات عن القيمة يتحول هذا الازدهار الى العكس تماما. هناك ندرة في الرواية الجيدة. الفن الروائي ليس للجميع والأعمال التي لها قيمة فنية محسوبة على تاريخ الرواية لا تحاكي الواقع، وانما تحاكي الإنجازات التي قدمت. لا يكفي الكاتب أن يكون عنده الوقت والحماس لكي يصنع رواية جيدة، النوايا الحسنة لا تؤدي بالضرورة لرواية جيدة.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم