ليس كل ما يلمع “ماس”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 3
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد العبادي

في فيلمه الروائي الخامس، يكمل مروان حامد طريقه كواحد من أهم المخرجين التجاريين في السينما المصرية المعاصرة، عبر اقتباسه لواحدة من أكثر الروايات مبيعا حاليا، ولأني أعتبر أن الفيلم السينمائي هو تجربة ابداعية مستقلة تماما عن العمل الأدبي الذي بنيت عنه فتعمدت ألا أقرأ الرواية ليكون تقييمي للفيلم مستقلا ومحايدا.

يعلي مروان حامد دوما من قيمة “الصورة” في أفلامه، فيعتمد دوما على “إبهار” المشاهد بصورة متألقة غنية بالتفاصيل – تصل إلى حد الزحام أحيانا – وقد أثبت منذ بداياته قدرته على إنتاج “صورة” عالية الجودة بنى عليها سمعته كواحد من أكثر المخرجين حرفية ونجاحا في السينما المصرية، ويمكن أن نقول بشكل مجمل إن “الصورة” من أهم نقاط “تراب الناس”، لكن السينما ليست فن الصورة الجميلة فقط.

هناك عوامل أخرى لصنع شريط سينمائي متكامل ومتميز، حين نحللها في “تراب الماس” تتفاوت درجة جودتها من عامل لآخر.

فإذا بدأنا بالعامل الأول الذي يجب تقييمه سنجد السيناريو، والحقيقة أن سيناريو “تراب الماس” هو من أكبر نقاط الضعف في الفيلم.. حبكة السيناريو مهترئة بشكل كبير.. جل الشخصيات مسطحة وخالية من التفاصيل.. ولا يحدث تطور حقيقي للشخصية، ربما كان هذا متوقعا ومقبولا حين نتعامل مع فيلم بوليسي بسيط.. لكن الفيلم لم يقدم نفسه للمشاهد كفيلم بوليسي بسيط.. بل حاول أن يقدم نفسه كفيلم عميق ومعقد!

أداء الممثلين أيضا جاء أيضا متفاوت الجودة.. هاجمني هاجس مرعب أثناء مشاهدتي للفيلم أن مستقبل التمثيل في السينما المصرية مظلم، لأن أداء الوجوه الشابة في الفيلم كان أقل بكثير من أداء الممثلين الأكبر سنا.. مسافة شاسعة تفصل بين آسر ياسين ومحمد ممدوح من جهة.. وماجد الكدواني وأحمد كمال وبيومي فؤاد من جهة أخرى، تبقى منة شلبي الاستثناء الشاب الوحيد.. تدعمها خبرتها الكبيرة نسبيا.

آسر ياسين ممثل مميز على مستوى تعبيرات الوجه والملامح، لكن على مستوى الأداء الحركي لم يكن مرضيا بالنسبة للدور.. فلم يجد التعامل مع “الرعشة” التي يعاني منها طه في يده.. فبدت حركات يده مفتعلة وغير دقيقة.. خصوصا لقطات سقوط الأشياء من يده.. وكذلك تتابعات عزف “الدرامز”.

محمد ممدوح وصل بأدائه إلى أفق جديد لم يسبقه له أي ممثل في العالم.. فهو الممثل الوحيد الذي كلما ظهر على الشاشة تتساءل :”إيه؟!.. هو قال إيه؟!…”

أما إياد نصار فقد ظلمه الدور.. فكان اختيارا سيئا للشخصية.. فكيف يكون إياد له زيجة استمرت أكثر من 17 عاما وابنةمراهقة؟

ربما كان أداء ماجد الكدواني هو طوق النجاة لتمثيل الفيلم.. أداء مميز ومختلف.. قدم فيه شخصية الضابط بشكل يبدو بسيطا للغاية من الخارج.. لكنه معقد للغاية في الحقيقة.. ورغم ضيق مساحات أدوار أحمد كمال وبيومي فؤاد إلا أن كلا منهما أضاف لدوره قيمة أكبر من مساحته ( هل حان الوقت يا بيومي لتخرج من عباءة الكوميديا التي تهلهلت عليك؟).

تصويرأحمد المرسي من أهم نقاط القوة في الفيلم.. لا ننسى ما قلناه عن الأهمية المتناهية للصورة في سينما مروان حامد.. لكن عاب عليها “البهرجة” الزائدة في محتوى الصورة.. وبعض اللقطات التي تم وضعها فقط لـ”جمالها” بدون أي فائدة حقيقية في سرد الحدث.. مثل اللقطة الواسعة لمطعم النيل الذي تقابل فيه العقيد وليد سلطان مع هاني برجاس.. كذلك عاب مشاهد المعارك اهتزاز الصورة والتشوش الزائد.. والبعد عن بؤرة الحدث…

مونتاج أحمد حافظ جاء انعكاسا لهوس مروان حامد بالصورة، لينتج لنا إيقاعا مشوها، فجاء الإيقاع بطيئا مترهلا في النصف الأول من الفيلم.. ليتصاعد بعد ذلك فيبدو متسرعا في النصف الثاني، النصف الأول حَفَل بالمشاهد الممطوطة والمكررة وعديمة الأهمية، ما سر تكرار مشهد اقتحام شقة طه ثلاث مرات بدون اختلاف كبير في المنظور؟.. ما الإضافة التي عادت على الفيلم من مشهد استحمام أبو طه؟ – بالمناسبة.. ما سر حب المخرجين لهذا المشهد تحديدا حتى قتلوه في العديد من الأعمال: الابن يساعد أبيه على الاستحمام!!…

إذا خرجنا من تقييم الفيلم كعمل مستقل إلى نظرة أكثر شمولا على مسيرة مروان حامد حتى الآن.. سنصاب بخيبة الأمل حين نجد أنه لم يكن هناك تطور حقيقي في الرؤية والتناول عبر مسيرته التي تجاوزت العشر سنوات.. ظهر ذلك في طريقة تناوله للمثلية الجنسية في “التراب” والذي لم يختلف عن تناوله لها في أول أفلامه الطويلة: عمارة يعقوبيان.

رغم أن تقييمي النهائي للفيلم في النهاية كان متوسطا.. متأرجحا بين الجودة والسوء.. إلا أني لا استطيع أن أخفي خيبة أملي.. فمن المفترض من فيلم مثل تراب الماس أن يُظهر لنا أحسن ما وصلت له صناعة السينما المصرية.. لكن للأسف.. بحثنا عن هذا “الأحسن” فوجدنا متوسطا.. أو أقل من المتوسط بقليل…

مقالات من نفس القسم