كن سراجا لعينيّ المائلتين

أميليا روسيللي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أميليا روسيللي (1930- 1996)

التقديم والترجمة: جمانة حدّاد

أميليا روسيللي شاعرة خدشت لحم وجعها ووحدتها ومعاناتها بأظافر لغةٍ تشبهها في أنها استفزازية وهشة في آن واحد. كتابتها محاولة دائمة لتخطّي الذات، من أبرز عناصرها المجازفة والتكثيف والشجاعة والتقشف والتوتر والعنف والتجاوز، والحرية أيضا خصوصاً: كأنها قصائد لا يمتلكها احد. أما القلق والخوف من الزوال فثابتتان في شعرها، وهي التي كانت تردّد باستمرار: “لا شيء يدوم حقاً”، ومثلهما الحبّ وهي التي عانت في حياتها وحدةً قاتلة وخسرت أحبّة كثيرين.
تنتمي أميليا الى جنس الشعراء الملعونين، الى سلالة رامبو وكامبانا ومونتالي. فعام 1937 اغتيل والدها كارلو روسيللي، الذي كان من أبرز زعماء مقاومة الفاشية ومؤسس حركة “عدالة وحرية”، أمام عينيها وهي لم تبلغ بعد السابعة من العمر. وقد ترك هذا المشهد الدموي أثراً كبيراً في روحها وساهم في بلورة الشياطين التي ستسكنها لاحقاً، الى حين انتحارها المأسوي عام 1996.
رغم ان روسيللي لم تكتسب ربما، نتيجة تربيتها الكوزموبوليتية، الحسّ الغنائي الايطالي، إلا أنّ ذلك لم يحل دون لمعان صرخات وجدانية في قصائدها هي مزيج من الهلوسة البصرية والشعور الحقيقي، صرخات شفافة صادقة كهذه التي نحبّ أن نطلقها معها اليوم وفي كل آن: “يا أيها الحب الذي يقع ويستلقي عند قدميّ، نجمتكَ يا حبّ هي بيتي الأوحد”.

***

مختارات

كان ثمة في الصين القديمة أزهار أندلسية. أنت لا تصفرُ من اجلي. غصن نذالتكَ الملتوي لم يكن سوى الجَمال! بحرٌ أملس ومسرَّح على جمجمة وعرة. منحوتة حبّكَ لازمةٌ، فاصلةٌ بارعة من فواصل المايسترو الذي يتقن الاختفاء عن مائدة خالية.
أرض اليابان القاسية والبعيدة هي وطنكَ. أرض اليابان الوعرة والمتشابكة هي الرحلة التي سيمنحني إياها غيابكَ.
العالم كلّه أرمل إن كنت ما زلت تمشي فيه حقا. العالم كله أرمل ان كان حقيقياً. العالم كله حقيقي ان كنت ما زلت تمشي حقا، العالم كله أرمل ما دمت لم تمت! العالم كله ملكي ان لم تكن حياً حقا بل محض سراج لعينيّ المائلتين. ولادتكَ أعمتني وأهمية النهار الطالع ليست سوى ليل لمداك.

عمياء أنا لأنك ما زلت تمشي! عمياء أنا لأنك تمشي والعالم أرمل والعالم أعمى ما دمت تمشي وتمشي متشبثاً بعينيّ السماويتين.

***

أجهلُ إذا كنتُ سأموت جوعاً أم لا، إذا كنتُ سأموت خوفاً وعيناي مفتوحتان كمعجزة…

أجهلُ إذا كان الصيف الأخضر مختلفاً عن اختلافكَ الأخضر…

أجهلُ إذا كنتُ أكتب الشعر افتتاناً أو عذاباً، أجهل إذا كنت اكتبُ افتتاناً أو حكمةً، وأجهل إذا كنتَ تعرف أنني أكتبُ لأجلكَ، لأجلكَ أنتَ فحسب…

أجهلُ إذا كنتَ تقع أو ترتجف، أنتَ تجهل إذا كنتُ ابكي أو أيأس. اليأس اليأس اليأس، كلّه اختراع. أنت تجهلُ إذا كنتُ أبكي أو أيأس، تجهل إذا كنتُ اضحك أو أيأس. وأنا اجهل إذا كانت،
بين الصخور الشاحبة،
ابتسامتكَ.

***

كانت إقامتي في الجحيم ذات طبيعة سماوية
لكنّ بلاط العناية الإلهية كان يصرخ أسماء مرتجعة
وازدادت تجارب الماضي شراهةً
القمر أيضا تحرّر من حنينه
وصارت ورود الحديقة تذبل ببطء تحت شمسٍ ناعمة
وحين كنتُ ألامس الحديقة كانت نعومتها تخترقني حتى العظم
وحين كنتُ ارتجل أغنية كانت الشمس تقع
لم تكن إذا طبيعة الأشياء السماوية ما يحرّك روحي
بل الحنين.

***

العالم ضرسٌ مقلوع
لا تسألوني لماذا
لي من العمر اليوم سنوات كثيرة
والمطر عقيم…
هل يأسي هذا حبٌّ ؟
أتراه حبٌّ ما يُسمّى حباً
أم أنه الحاجة الساذجة إلى ان نبني في الآخر
ما ينقصنا؟
أتراه حقيقية بديهية
أم اختراع روحٍ تتضوّر جوعا؟

مقالات من نفس القسم