قراءة في كتاب “طبعًا أحباب .. جولة في حدائق الصادقين” للشاعر “إبراهيم داود”

طبعاً أحباب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جمال الطيب

الأكثر جمالاً بيننا: الغائب

                                        الشاعر اللبناني “وديع سعادة”

يستهل “إبراهيم داود” كتابه الذي يحمل عنوان “طبعًا أحباب.. جولة في حدائق الصادقين”، والصادر عن “الهيئة العامة لقصور الثقافة”- القاهرة 2019م، بمقدمة يقول فيها: “لا أجد الألفة ناصعة إلا وأنا أكتب عن الذين أحبهم”، …. “حاولت أن أفضفض وأنا أشير إلى أرواح ظللت أيامنا بالإبداع العفي”،… “معرفتي بالشخصيات التي كتبت عن بعضها هنا هي التي بددت وحشتي”.

هكذا في ثلاث عبارات اجتزأتها من المقدمة، تُعدّ المدخل إلى كتابه مُحمّلاً بمشاعر الصدق لِمَا ستقرؤه، بل وتذوب في حكاياته عنهم. تتنوع الموضوعات والشخصيات التي يكتب عنها “داود”، فهو يُحدّثك عن “الكراهية” من خلال قراءته لرواية “مقبرة براغ” للفيلسوف والروائي الإيطالي “أمبرتو إيكو”، وفي فصل يحمل عنوان “الصخرة” في إشارة إلي “أم الشهيد” من قراءته لرواية “صحراء التتار” للإيطالي “دينو بوتزاتي”، وفي فصل عنوانه “الأصل والصورة”، يتحدث فيه عن علاقته بالكاتب الأرجنتيني “بورخيس”، والذي يقول عنه: “وأشعر بأنه يتحدث نيابة عني حين يقول: “العالم لسوء الحظ واقعي، وأنا لسوء الحظ بورخيس”.  

لا يستطيع الكاتب أن يغفل الحديث عن الصحافة، مهنته التي يزاولها، وتحت عنوان “مزهرية الجدة”  والذي استقاه من الكولومبي “ماركيز” في تشبيهه للحوار الصحفي والذي يراه “ثروة طائلة ولكن لا أحد يعرف أين يضعها”، ثم يعود بنا إلى الروائي الأمريكي “وليم فوكنر”، والذي يرى أن الكاتب يحتاج إلى ثلاثة أشياء لكي يكون كاتبًا: الخبرة، والرصد، والخيال، أو أي اثنين منهم، وفي بعض الأحيان إلى واحدة. أما عن حال صحافتنا فيوجزها “إبراهيم داود”، بقوله: “نقابة الصحفيين احتفلت مؤخرًا بيوبيلها الماسي.. في غياب الصحافة. (!).

ننتقل إلى جانب آخر من الكتاب يأخذنا فيه إلى عالم الموسيقى والألحان من خلال شخصيات انتقاها: زكريا أحمد، وعمّار الشريعي، وبليغ حمدي، ومحمد الموجي. فيقول عن “زكريا أحمد”: “لم تكتشف أم كلثوم طفولتها إلا مع ألحانه، هي لم تتمتع في طفولتها بمزايا الطفولة؛ لأنها “بنت شقا”، ويقول عن “عمار الشريعي”: “كان عنوانًا لمصر المبدعة التي لا تعرف المستحيل”، و”بليغ حمدي”: “كان يصل إلى العصب الحي من أقصر الطرق”، ويختم حكاياته مع الملحنين بقوله عن “محمد الموجي”: “مع الموجي تشعر أنك مع أحد من أقاربك”.

لا يبعدنا “إبراهيم داود” كثيرًا عن الموسيقى، فها هو يأخذنا إلى الغناء، من خلال أصوات غنائية أحببناها، فيحكي لنا عن: هدى سلطان، وشادية، ووردة، وصباح، وسعاد محمد. فيقول عنهم: “هدى سلطان”.. “صوت يحمل على ظهره الأشواق المهجورة؛ الأشواق الخالية من الكهرباء والافتعال”، و”شادية”.. “ستجدها موجودة بعد صافرة الحكم إذا فازت مصر ببطولة، وموجودة إذا تعثرت”، و”وردة”.. “صوت يجمع بين خصائص الصوت الجبلي والريفي، ناصع في جواباته، دافئ في قراراته”، و”صباح”.. “وكان صوتها هو “الحلو” على مائدة الغناء المصري الحزين، القديم قدم الحياة والموت”، و”سعاد محمد”… “صوت مثل فاكهة محببة لا اسم لها، صوت مباغت يأخذك من بين يديك عنوة لترى بعينيك الأشواق ترفرف في مكان بين ضلوعك”.

يواصل صحبتنا إلى الأصوات العذبة الرائقة والشجيّة، ولكن هنا في دولة تلاوة القرآن الكريم، وأساطينها: مصطفى إسماعيل، والشعشاعي، والتي جاءت عناوين الفصول تحمل أسماءهما، ولكن من خلال السطور تجده يشير إلى “محمد رفعت”… “سيفونية القرآن الكريم” كما أطلق عليه معاصروه، ومحمود القيسوني، وحسين الصوّاف، وحنفي برعي، وأحمد ندا، وفي الخمسينيات محمود علي البنا، وعبد العظيم زاهر، والبهتيمي، وغلوش، وعبد العزيز علي فرج، والحصري، والمنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد.

من كل هؤلاء نلمس محبته للشيخ “مصطفى إسماعيل” وتعلقه به، في واقعة يحكيها لنا مليئة بالشجن تأخذك وتضمك لتتماهى معها، دارت أحداثها أثناء الإستماع إليه لأول مرة في مقهى ضيق في حي “الأنفوشي” بالإسكندرية. وبعد أن يفرغ من حكايته يترك الموسيقار “عبد الوهاب” ليحدثنا عنه، قائلًا: “إن عنصر المفاجأة عند الشيخ مصطفى إسماعيل إن هو إلا عبقرية ينبع منها هذا الابتكار المستمر، إضافة إلى صوته الذهبي”.

وفي الختام وبعد أن فرغ من حكاياته عن أعمدة مدرسة التلاوة في مصر، يقول: “ونحلم بظهور أصوات جديدة تكمل المسيرة.. قبل أن تلتهم رمال الجزيرة العربية ما تبقى من الوجدان المصري الحزين”.

يميل بنا “إبراهيم داود” إلى زاوية الشعر والشعراء في كتابه، وكيف لا وهو الشاعر المبدع صاحب الستة دواوين: تفاصيل، مطر خفيف فى الخارج، الشتاء القادم، لا أحد هنا، انفجارات اضافية، حالة مشى، ثم ديوانه “أنت فى القاهرة” عام 2015 عن دار ميريت. يحدثنا عن الشاعر السوري “محمد الماغوط”، والذي يقول عنه: “لم يكن شاعرًا سوريَّا؛ كان أكبر من ذلك، لأنه سليل القهر الذي جرف الإنسانية إلى ما آلت إليه”، ثم يأتي الشاعر “عفيفي مطر” وكتابه “أوائل زيارات الدهشة” الذي يقول عنه: “الكتاب سفر بين مواقع الطفولة وأوائل الشباب، محطاته هي لحظات الدهشة التي أقلقته وحولت انتباهه وحددت بعض المعالم في تكوين علاقته بالعالم”، وعن الشاعر يقول: “أخلص للشعر ولكرامة الشاعر، وتعامل مع السلطة وشعرائها باستعلاء محبب، أضره في الحياة، ولكن أنقذه.. كشاعر”، يأتي الحكي عن الشاعر اللبناني “أنسي الحاج” والذي يوجز حديثه عنه بكلمات قليلة ولكنها مكثفة وذات دلالات، فيقول: “هو رائد قصيدة النثر، حتى لو كان أدونيس مُنظّرها، و”محمد الماغوط” له السبق والموهبة، فديوان أنسي “لن” “1960” هو الإعلان الرسمي لها”. في حديثه عن الشاعر الراحل “حلمي سالم” تشعر على الفور بالصداقة والعلاقة الإنسانية اللتان كانتا تربطهما، ويقول عنه: “من الصعب أن تأخذ منه موقفًا؛ لأنك- مهما حدث- عندما تلتقيه تشعر أنك أمام واحد عزيز عليك من أهلك.. كنت تنتظر عودته”.

في الختام نعود إلى مقدمة الكتاب، والتي يقول فيها “إبراهيم داود”: “الكتاب تجوال عمره ربع قرن في حدائق الصادقين” لنشهد على صِدق قوله.

…………………….

*”طبعاً أحباب” لإبراهيم داود.. صدر عن “الهيئة العامة لقصور الثقافة”- القاهرة 2019م.

 

مقالات من نفس القسم