فصول من سيرة التراب والنمل..حيث لا فرار من مواجهة القبح سوى الموت

آثام آدم
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نسرين البخشونجي

ليس من السهل أبدا أن يناقش الكاتب فكرة التغيير الاجتماعي، الثقافي والاقتصادي في مصر من خلال نص أدبي دون الوقوع في فخ المط والتطويل بل أن الكاتب حسين عبد العليم قدم تناولا جديدا لهذه الظاهرة من خلال سرد بسيط رغم عمقه في رواية لم تتجاوز المئة صفحة. ولم ينشغل بتقديم لغة معقدة ولكنه فضل الرمزية في النص.

“فصول من سيرة التراب والنمل” رواية تشبه الدائرة انتهت من حيث بدأت بموت الطبيب عزيز بشاري فانوس عام 1998. ومن خلال النعي الذي استهل به الكاتب روايته تعرفنا على تفاصيل كثيرة تخص بطل الرواية مثل ديانته، حالته الاجتماعية وظيفته ووظيفة والده، زوجته الراحلة “عايدة سنادة” وحالة عائلتها الاجتماعية وابنيه فؤاد وفاروق. وكأن النعي تلخيصا أنيقا لشخوص روايته.

لم يهتم حسين عبد العليم بفكرة الإطار الزمني لروايته، فاستهل كل فصل بالعام الذي تدور فيه الأحداث. تبدأ الرواية عام 1982 من خلال صراع الدكتور عزيز وولديه مع التراب والنمل حيث بدء في الظهور في البيت بعد وفاة الأم عايدة عام 1977 رغم محاولاتهم الحثيثة للتخلص منهم سواء البتنظيف المستمر أو بالمبيدات الحشرية على مختلف أنواعها. ولكن لم تنجح أى وسيلة في التخلص منهما. بل على العكس فإن النمل،التراب والعفن صاروا جزء أصيلا من غرفة الدكتور عزيز بحلول عام 1998. ومن خلال مشهد النهائية الذي جاء مؤلما جدا ” عندما عاد في الثلاثة عصرا دخل إلى حجرة الدكتور عزيز مباشرة، فوجئ به مستلق على ظهره في السرير، صغير الحجم كالطفل، منكمشا، شاهد فؤاد بنفسه مئات من أسراب النمل تدخل وتخرج من أذنيه وفمه، فأدرك أنها النهاية وأجهش باكيا.” وكأن توغل أسراب النمل وكثرة التراب الذي لا يزول من البيت رمزا لتوغل القبح وزوال الجمال من الوطن.

شخصية الدكتور عزيز تشبه قطاعا كبيرا من المجتمع المصري في ذلك العهد، فهو رجل ملتزم أخلاقيا واجتماعيا. حين قرر الزواج بحث عن فتاة من عائلة محافظة، دون أن يمر بأى تجربه عاطفية مع أمراة قبل عايدة. وكذلك عايدة، لكنها كانت مثل بنات جيلها تحتفظ بصور الأميرات المنشورة في الجرائد والمجلات وتضمهم لالبومات الصور التي خخصتها لكل المناسبات. لكن الحياة تغيرت من حوله وكان هذا التغيير سببا في تعبه ” كل أوضاعي سلمية، ليه الزمان انقلب كده.”

الرواية مليئة بالإشارات والرموز التي أراد الكاتب أن يوصلها للقاريء بشكل غير مباشر، مثل تغيير الذوق العام فالشعب الذي كان يسمع أم كلثوم وعبد الوهاب، كانوا يتمتعون بالهدوء في أثناء جلوسهم في المقاهي حيث كان “الصمت مقدسا” صار يستمتع بالأغنيات الصاخبة وصار صوت المسجل العالي وحين ذهب إلى قسم الشرطة ليشتكى قال له أمين الشرطة “طب دا كل الشارع زايط..أنت مش واخد بالك، أص دا أهم شارع تجارى في البلد.” بدء شعور الدكتور عزيز بالغربة والوحدة يزيد منذ عام 1992 وحتى وافته عام 1998، فكل الأماكن الجميلة المقاهي والأوبرا التي كان يستمتع بالجلوس فيها صارت ماضيا.

في مشهدان مختلفان أشار الكاتب حسين عبد العليم لحالة الجهل التي بدأت في السيطرة على الناس. ففي لحظة انفعال للدكتور عزيز داخل عيادته قال لإبنه فؤاد “اتفضل يا سيدى..الحمار جي يكشف على طفل عيان..قبل الكشف بيقول لي اكتب لنا مضاد حيوى..خلاص حضرته قرر إن ابنه محتاج مضاد وأنا هلى أنفذ.” وفي مشهد أخر في أثناء حوار الدكتور عزيز قال له ابنه فؤاد أن صديقه الطبيب النفسي قال له أن وجود التراب بهذه الكثافة دليلا على حزن البيت على أمه الراحلة فرد عليه والده “أنت عاوز علاج نفساني أنت وصاحبك.”

كرواية تناقش تغيير المجتمع المصري على مستويات عدة، لا يمكن أن تخلو من السياسة خاصة أن الدكتور عزيز وعائلته شهدوا كل التغييرات السياسية التي حدثت في مصر بداية من عصر الملك فاروق وصولا إلى عهد الرئيس مبارك. ورغم التزام الدكتور عزيز بالحديث في السياسة إلا انه كان سعيدا بعبد الناصر بل وبكاه حين توفي.

” عندينا في الصعيد مفيش ورث للبنات..اللي مش عاجبه من اجوازهم يخبط راسه في الحيط” رغم قصر النص السردي إلا أن الكاتب لم يغفل هذه القضية الاجتماعية المهمة إذ إن النساء يحرمن من الميراث في الصعيد والتى مأزالت موجودة حتى حاليا ولكن بنسبه أقل. لذلك كانت محاولات عايدة وإخواتها للحصول على ميراثهم الشرعي واحدة المشاهد المهمة في الرواية.

في رواية فصول من سيرة التراب والنمل الصادرة عام 2003 عن دار ميريت بالقاهرة، لم يشعر عزيز بالحزن لأنه أدرك أن الموت قريب منه جدا بل كان حزينا لأنه سيترك ابنه فؤاد وحيدا وتمنى أن يموت معه. ” دخل الدكتور عزيز حجرته وأغلق على نفسه الباب. كل حاجة حلوة بتخلص..عايدة مشيت..وعبد الناصر مشي..ولبنى خليل مشيت..وفاروق مشي..وأنا كمان همشي..ياعيني عليك يا فؤاد يا بنى..هتواجه الأيام دى لوحدك إزاي!؟”

عودة إلى الملف

 

 

مقالات من نفس القسم