شخص آخر

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

  محمود فهمي 

 

ظل سائرًا لمدة طويلة في طريق ضيق، تصطف على جانبيه أشجار هائلة، تصنع أغصانها سقفا لهذا الممر، أحيانا يرتفع ذلك السقف، فيسير معتدل القامة، وفي أوقات أخرى ينخفض السقف، فيسير حبوًا، وأحيانا كان يضطره السقف المنخفض للزحف، فيشتم رائحة الأرض المبتلة تحته، أحس بالتعب، لكنه فضل مواصلة السير، وهو يجر في قدمه اليسرى سلسلة ثقيلة تنتهي بكرة حديدية ربطوها في ساقه، بعد أن أقنعوه بأنها هامة وضرورية.

لم يسألهم عن أهميتها، بل استسلم لما قالوه وقبل به.

حين رأى ضوءًا خافتًا في نهاية الطريق دب في جسده النشاط، فسار مسرعا رغم الثقل الذي يكبل قدمه، عند نهاية الطريق وجد نفسه عند هوة لا نهاية لها، كانت الأرض تتحرك تحت قدميه، فرد ذراعيه محاولاً أن يحافظ على توازنه، لكنه واهووووووو.

ارتطم بأرض الغرفة الباردة، جلس فاردًا ساقيه وهو يمسح وجهه بكفيه، نظر إلى الشباك الذي يتسلل منه الضوء، مد يده إلى المنبه ليوقف دقاته التي يزيد صوتها من توتره، حمل المنبه من مكانه ووضعه فوق المكتب، لاحظ أن الورد الذي في المزهرية جف، فألقى به في السلة الممتلئة بأوراق ممزقة.

بعد أن ارتدى ملابسه صفف شعره، نظر إلى وجهه في المرآة، مرر أصابعه فوق جبهته محاولاً فرد تجاعيدها، وتمنى لنفسه يومًا أقل سوءًا من كل أيامه السابقة.

وضع المنشفة فوق كتفيه وخرج من الحمام، عندما وصل إلى شباك غرفته ليفتحه سمع صوتًا في سريره، وشعر بشيء يتحرك تحت الغطاء الذي تركه منذ دقائق.

اقترب بهدوء من السرير، وعندما رفع الغطاء لم يشعر بنفسه إلا واقفًا عند باب الغرفة من هول المفاجأة، كان النائم في سريره هو نفسه، بنفس ملامحه، وبذقنه التي لم يحلقها منذ ثلاثة أيام، والجرح القديم الذي في جبهته.

ذهب إلى المرآة مسرعا ليتأكد من وجوده، وحين وجد صورته ترتسم أمامه ازداد جنونه، كان يتوقع ألا يكون موجودًا، فإذا كان هو موجودًا، فمن إذن الذي ينام في سريره؟

اقترب مرة أخرى من سريره، ورفع ببطء الغطاء عن النائم أمامه، أخذ يهزه ليستيقظ، هزه في البداية هزًا خفيفًا، ثم هزه بعنف، لكن لم تبد منه أي حركة.

ناداه باسمه فلم يجب، أحس بالصداع الذي لازمه ليومين يعود إلى مقدمة رأسه مرة أخرى، بحث في أدراج المكتب عن الأقراص، التي اعتاد أن يتناولها كلما أحس بالصداع، ذهبت عنه رغبته في تناول الفطور، وجد أن موعد نزوله إلى العمل اقترب، ارتدى ملابسه بسرعة، وعندما هم بالنزول أخرج من الدرج نسخة من مفتاح شقته، وتركه بجوار النائم، فربما يستيقظ، ويريد الخروج.

المساء يقترب وهو جالس في الشرفة يراقب المارة، وفي يده كوب شاي ساخن، أحس بالارتياح أن شبيهه الذي رآه في الصباح لم يعد موجودًا، لكن في طريقه إلى المطبخ ليعيد كوب الشاي الفارغ سمع صوت باب الشقة وهو يفتح ويدخل منه شبيهه، ويدخل إلى غرفة نومه، ويهم بخلع ملابسه، دون حتى أن ينظر إليه، كان يرتدي الملابس نفسها التي ارتداها هو عند خروجه إلى العمل، وكان يحمل الحقيبة السوداء نفسها، أسرع بوضع الكوب في حوض المطبخ وعاد جريا إلى غرفته، وجده يرتدي الملابس نفسها التي يرتديها هو الآن، نظر إلى ملابسه، لم يعره شبيهه اهتماما، دخل إلى السرير وشد الغطاء فوق رأسه، تماما مثلما يفعل هو في الليالي الباردة.

ألقى بجسده على مقعد في الصالة وهو ينظر إلى السقف، كان يفكر في التخلص منه، فكر أن يقتله بالسكين، لكنه لا يحب مشهد الدم، وخشي أن يلوث دمه الفراش، هل يضع له سما في الطعام؟ لكنه لم يشاهده يأكل ولو لمرة واحدة.

إذن سيجره إلى الشرفة ويلقي به من هذا الارتفاع الشاهق، فكر أن الناس سيعرفون أنه من قتله عندما يرون التشابه بينهما لدرجة التطابق، فكر أن يشوه وجهه أولا حتى تختفى ملامحه، لكن هذا فظيع، هكذا قال لنفسه، وهل تهون عليك نفسك؟ انتبه إلى أن وجهه سيظل سليمًا لكنه سيشوه وجه هذا النائم.

مر بيده على وجهه، فأحس بالراحة عندما اكتشف ذلك، أخذ يبحث في الأشياء القديمة عن المكواة الحديدية التي ورثها عن أبيه، الذي ورثها بدوره عن جده.

حملها بيده اليمنى، وأخذ يقترب بحذر من السرير، وعندما أمسك بطرف الغطاء ورفعه بسرعة، وجد السرير خاليًا.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شاعر وقاص مصري، والمجموعة تصدر عن دار الرواق قريبًا

 

 

 

مقالات من نفس القسم