شاهدة ربع قرن

شاهدة ربع قرن
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سارتر في زيارة إلى القاهرة عام 1976، وفي ندوة عن المسرح المصري يتحدث لويس عوض عن المراحل المسرحية المختلفة، مشيراً إلى حركة "الواقعية الملحمية"، فيشد الاسم انتباه سارتر ويتساءل عن خصائص الحركة وأسسها ومن هو زعيمها، فيشير لويس إلى سعد الدين وهبة الذي يتوجه إلى الميكروفون معتذراً ويقول إن الدكتور لويس ربما يقصد نعمان عاشور، الذي يقع بدوره في الحيرة ذاتها ثم يعتذر.  

هذا ليس موقفاً ضاحكاً من إحدى الروايات الشبابية التي قد تحاكي تاريخنا الثقافي بصورة ساخرة، بل هو ما جرى في حقيقة الأمر، حسب رواية الكاتبة الصحافية عايدة الشريف، في كتابها، شاهدة ربع قرن، الذي أعادت مكتبة الأسرة طبعه قبل نحو عام، في سلسلة سير وتراجم، ويحوي مقالات وموضوعات مختلفة، أغلبها عن كتّاب وشعراء ومثقفين كبار، اقتربت الكاتبة من عالمهم وحادثتهم وشهدت أطرافاً من حياتهم، عدا بعض الفصول التي تتناول موضوعات أخرى مثل فصل زيارة سارتر إلى مصر المشار إليه.

كتاب قديم، ولكن لا بأس، فسرعان ما تتراكم الكتب ويصير الجديد قديماً بعد أسابيع أو شهور معدودة، وإذا اكتفينا بملاحقة الجديد ربما لن تتاح لنا الفرصة أبداً لإزالة الغبار عن بعض العناوين، والتوقف أمامها رغم التيار المتدفق من أغلفة وعناوين كل يوم تقريباً، وبالتالي ما اكتشفنا كتابا له طرافته وخصوصيته مثل شاهدة ربع قرن.

جمعت الأستاذة عايدة الشريف مقالات وموضوعات هذا الكتاب من كتاباتها لفترة طويلة في عدد من الإصدارات الثقافية العربية على مدار عقود، تناولت فيها خلال مناسبات متنوعة علاقاتها بأقطاب الساحة الفكرية والثقافية المصرية غالباً، ومنهم محمود محمد شاكر، التي أفردت له كتابا مستقلا صدر عن دار الهلال بعنوان قصة قلم، وكذلك يحي حقي وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور وناجي العلي وسناء جميل، حيث تمزج في سطورها بين استدعاء الذكريات والتلميح بالأسرار والنميمة غير المؤكدة والأحاديث الخاصة، وتبقى متعة ذلك التلصص على عوالم هؤلاء الأساطير قائمة ما لم تستسلم الأستاذة عايدة لغواية النقد الأدبي والتحليل، كما فعلت كثيراً، وخصوصاً في الفصل الأخير الخاص بنجيب محفوظ، متمادية في تأويل بعض رواياته بما يتوافق مع إيمان محفوظ بالوظيفة والكفاح، فتكتب مثلاً: “ففي روايته (خان الخليلي) كان البقاء لأحمد عاكف الإنسان المتوازن المثابر وكان الزوال والموت لرشدي العابث الأرعن”.

وتعلن الكاتبة عن انحيازها الفكري التام لمن تتناولهم بوضوح وبساطة، تراهم جبالاً راسخة ومنارات هادية، حتى ولو ابتعدت الحكايات الطريفة التي ترويها عنهم عن رؤيتها تلك أحياناً، وترى كل من يختلف معهم أو يشاكسهم على العكس من ذلك تماماً، فتتحامل عليه وتسرّب سهامها خفية ومثيرة للابتسام كذلك، ولعلّ النموذج الأشد سطوعاً وظرفاً على هو تحاملها على الزوجات الأجنبيات للكتّاب المصريين، حد القول إنهنّ كن السبب في قصف أعمار أزواجهن مبكراً.

ربما يبدو من هذه السطور أنه كتاب هزلي، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فهو كتاب جاد جدير بالقراءة، غير أن القارئ الشاب قد يجد متعة خاصة في التلصص على جوانب مجهولة في حياة بعض أساطير تاريخنا الثقافي، فانظر مثلاً إلى محمد مندور، في فصل عن أجور الكتّاب المتواضعة، حين يطلب منه الإذاعي طاهر أبو زيد الاستضافة، فيسأله كم تدفع الإذاعة، فيقول طاهر: (جراتسيا)، يعني تدفع “شكرا”، فيرد مندور: يفتح الله، وهل تشتري جراتسيا ساندوتش لعيالي؟ 

 

 

مقالات من نفس القسم