سيرة عائلة قبطية يهاجمها “التراب والنمل”

ياسمبن مجدي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ياسمين مجدي

عندما نكتب عن مؤلف راحل، فإننا نبحث عن رثائه، لاًن هذه عادتنا أن نتفقد الناس حينما يغيبهم الموت. في حالة حسين عبد العليم، فإنه هونفسه يبدأ بذكرالراحلين في مدخل روايته “سيرة التراب والنمل”. ويكون من اللافت أن نرثو كاتب راحل، هو نفسه في روايته يرثو الراحلين، ويوجه إهداءه إلى أرواح صديقة راحلة ثم يبدأ الفصل الأول بنعي. إنها دائرة من الرثاء متواصلة لا تختل.

تحيلنا كلمة التراب إلى الإنسان المخلوق من التراب، وإلى التراب يعود. غير أن هناك إحساسًا غير محزن، فإذا بدأت الحكاية بنعي أبطال الرواية، فإننا على مدار الصفحات نتعرف على لحظات إنسانية عاشوها وكيف كانوا أشخاصًا يملأهم الود. البداية والنهاية موت، لكن بينهما شخصيات عاشت حياة إنسانية تتبعناهم وقرأناهم بمحبة. مثل مؤلف العمل نفسه حسين عبد الرحيم، إذا كان رحل فإن خلفه أحدهم يحمل له حبًا، ويستكمل مسيرته فيتابع إنشاء صفحة له على الفيسبوك يرعاها. لا نعرف من يكون لكنه إنسان يحمل سيرة الود لإحدى الشخصيات التي انتهت حياتها بالموت، حتى لو هذه الشخصية هو المؤلف نفسه.

**

“سيرة التراب والنمل” هي سيرة الوحدة، سيرة رجل فقد زوجته فبدأ مسيرة يهاجمه فيها التراب والنمل، هل لأننا حينما نفقد محبينا، يمكن لأشياء محيطة أن تهاجمنا ويصبح من السهل لها القضاء علينا؟

بطل الرواية شخصية قبطية، يشهد التحولات الاجتماعية التي مرت بها مصر عبر عدة محطات تاريخية، منذ الملك ووصولاً للوقت المعاصر، فهي سيرة عائلة وسيرة نمو المجتمع من الهدوء للفوضي، من ميدان الأوبرا إلى ميدان به جراج أسمنتي كبير، من احتلال فلسطين إلى النكسة وغيرها من الأحداث التاريخية التي تصحبنا. اتسم البطل دكتورعزيز القبطي بصفات إنسانية، فهو طيب حنون مع مرضاه، عطوف مع زوجته.

نشعر بحس عائلي ونحن نقرأ تلك العائلة القبطية المصرية الصغيرة، نرى عائلتنا ونشعر بالانتماء للحس العائلي المصري الذي نعيشه جميعًا. أسرة قبطية تشعر بالدفء معها وأنت تصحبها بالإضافة لصديقات البطلة عايدة ومارجريت. تأخذنا الزوجة عايدة لرصد التاريخ عبر دفتر تسجل فيه الأشياء المحببة لها، دفتر عايدة فيه صور الأميرات وأخبار المطربين وصورهم، يبدو دفترًا عائليًا عرفته أغلب البنات المصريات، باعتباره يحوي المفضل لديهم، لكنه يتحول دفترًا للتاريخ فيما بعد، ويصبح ما به أحداث موثقة للأجيال القادمة.

استعمل المؤلف تقنية الرجوع العكسي بالزمن، فهو يبدأ من نهاية حياة الأسرة ويرجع في كل فصل خطوة للوراء بضعة سنوات للخلف، فيبدأ بوفاة عزيز 1998، ثم الفصل التالي في السبعينيات، والفصل التالي في الأربعينيات، كما لو أنه يعرض حكاية على المتلقي إعادة ترتيب فصولها، وعلى القارئ قبول عرض المؤلف وإعادة ترتيب الأحداث حسب المسار الطبيعي للزمن.

اهتم المؤلف برسم شخصية الأب عزيز والأم عايدة، بالإضافة للنساء صديقاتها في النادي، رغم أن ذكرهم قليل في النص إلا أن لهم حضورًا إنسانيًا مؤثرًا، في المقابل لم يعتني فنيًا بالشخصيات الأخرى.

اعتمدت الرواية على مدخل مباشر وكاشف..كأن المؤلف يقول للقارئ يا للرثاء.. يا لبؤس الإنسان، وهي رسالة على القارئ الوصول لها عبرالنص، وليس في المقدمة. كما أنه استخدم مقطع قرآني لتأكيد الفكرة، هو “يا حسرة على العباد” وهو اقتباس فصل الكلمة عن معناها الأصلي، لأن معناها أن الحسرة على العصاة وليس للإنسان في المطلق كما عنت الرواية.

يموت البطل دكتور عزيز بعد حنين للماضي ورغبة شديدة تعتريه للعودة إلى الخلف. لتكون رواية “سيرة التراب والنمل” هي سيرة الحنين، وسيرة الإنسان المخلوق من تراب وهو يستسلم للطبيعة وينخره النمل من الداخل عند موته على سريره. لكن خلف كل ذلك سيرة حياة من الحب والسعادة.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم