سيرة الاختباء (6)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 178
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ممدوح رزق

أنهيت منذ فترة رواية رعب تدور أحداثها بمدينة “المنصورة”، وتستند ـ بالتعبير الشائع ـ إلى شخصيات ووقائع حقيقية. لا أحد يعرف شيئًا عن هذه الرواية سوى أصدقائي في دار “ميتا” الذين احترموا رغبتي في تأجيل نشرها إلى موعد لم يمكنني تحديده.

كنت قد بدأت كتابتها منذ ثلاث سنوات، مستعيدًا أجواء روايتي السابقة “خلق الموتى” المنشورة عام 2012، أما سبب تأجيل نشرها فيتعلق بشكل أساسي بكون هذه الرواية مثالًا ساطعًا لما سبق أن تحدثت عنه في حوار سابق، وهو تحويل الكتابة إلى حياة انتقامية كما قررت منذ زمن طويل، وبالرغم من أن الرواية ـ كالمعتاد ـ لا تعتمد على “الانتقام” بصورة جوهرية، إلا أنه من السهل تصنيفها كفعل عدائي صريح، بالغ العنف، نحو شخصيات واقعية محددة، لا تزال على قيد الحياة .. يعيدني هذا إلى ما كتبته في المقال الأول من “سيرة الاختباء”: “أن تكافح من أجل الاختباء بكل ما يضمره من تمنّع ومشقة وخسائر؛ فهذا يعني أنك تستوعب جيدًا عدم القدرة على بلوغ الغاية الأصلية؛ أي أن تختفي تمامًا”.

لا أمتلك الآن ما يجعلني أكتب، وأمرر نصوصي خارج عزلة محصّنة، لا يمكن لأحد العثور عليها، كما لا أعتقد أنني سأتمكن ذات يوم من امتلاك هذه العزلة وفقًا لما كانت عليه حياتي، وما زالت، ولما يبدو على نحو قاطع ـ إلا لو حدثت معجزة سينمائية ـ أنها ستظل ملعونة به حتى نهايتها .. هذا ما تكفّل بمنعي من تحديد موعد لإصدار الرواية، ذلك لأنه ـ ببساطة ـ من الممكن، بل من اليسير الوصول إليّ.

نشرت طوال الماضي أعمالًا أقرب إلى المقامرة على حياتي الخاصة، ولكنها كانت في الوقت نفسه تتحلى بهامش مقنع من الأمان بالنسبة لي .. أما في هذه الرواية فيكاد ينعدم هذا الهامش، وبما أن “الانتقام” تحوّل عندي قبل سنوات كثيرة إلى غريزة كتابة فإن هذا يفرض بالضرورة أن تبلغ هذه الكتابة مقصدها في لحظة ما، أي أن تصيب الهدف الواقعي الذي كان من ضمن أسباب وجودها، مهما تأخر حدوث ذلك .. إنه أمر لا يمكن التخلي عنه، أو حتى التفاوض بشأنه، حتى مع أقصى درجات اليأس من إمكانية اختفائي .. أعرف جيدًا أن بوسعي حسم أي معركة ناجمة عن نشر هذه الرواية، ولكن الحرص الذي أعنيه يتركز بديهيًا في عدم اقتراب أي تهديد مهما كان خفوته نحو عائلتي، فضلًا عن أنه ليس لدي وقت كي أضيّعه في حسم المعارك الواقعية الناتجة عن ما أكتبه .. لا يقع كل هذا خارج النص، بل هو جانب أصيل من تكوينه .. جماليات الصراع نحو الاختباء .. جماليات الحلم بالاختفاء .. الحضور الذي لا يسبق الكتابة أو يتبعها فحسب، بل يستقر داخلها، ويعيّن لغتها، ويقود مساراتها أيضًا.

منذ فترة قصيرة أعلن د. إيهاب الشربيني مؤلف كتاب “حكايات شوارع المنصورة” بأنه يستعد لإصدار رواية وصفها بأنها “أول رواية رعب تدور أحداثها بالمنصورة ـ تستند على وقائع حقيقية” .. تحدث معي أصدقائي في دار “ميتا” حول هذا “الادعاء”، بما أنهم يعرفون متى بدأت كتابة روايتي، ومتي أنهيتها، وبالرغم من أنه لم يكن هناك نيّة سواءً لدي أو عند مسئولي الدار بأن يتم وضع هذه اللافتة الوصفية عند صدور الرواية؛ إلا أن دعاية هذا المؤلف دفعت أصدقائي في دار “ميتا” لاقتراح بأن يتم نشر ـ على الأقل ـ غلاف لروايتي يحمل توثيقًا بنفس الصيغة، وأن أفكر في نشر الرواية، ليس بسبب صدور رواية رعب قريبًا لكاتب آخر تدور في المدينة ذاتها؛ فهم يعلمون أنني أتبوّل فوق السباقات، لا أخوضها، وإنما استنادًا على أن حياتي ستظل حتى نهايتها ملعونة بكل ما كان طوال الماضي، أي أنني سأظل مرئيًا دون حدوث معجزة سينمائية.

مقالات من نفس القسم