سوبر هيرو

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 10
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمود عزت

دخل “محمد” ووقف ينظر إليها عند الباب، كانت تعد لهما الإفطار بشكل آلي وعلى وجهها أثر النوم لا يزال، تردد للحظة وفكّر أن يتراجع، لولا أنه كان قد ناداها بالفعل..
=”منال”.
دون أن تلتفت.
ـ أها..
= عايز أقولك حاجة..بصي لي..
التفتتْ إليه، فوثب إلى الأعلى، ووقف معلقاً في الهواء تحت سقف المطبخ بسنتيمترات قليلة، أحس على جبهته سخونة المصباح النيون وهو ينظر إليها بينما وجهها ينقلب من النعاس إلى الانتباه المفرط، شهقت وتراجعت إلى الخلف تخفي فمها بكفيّها، نزل فوراً إلى الأرض واقترب منها، كانت ترتجف وتنظر إليه مذعورة دون مساحة كافية للتراجع إلى الوراء، أمسك يدها وأحاطها بذراعيه وخرجا إلى الصالة، سارت معه باستسلام مأخوذة بفكرة أنها لا تزال هناك على سريرهما تحلم.
انتظر إلى أن جلستْ ثم وقف أمامها وبدأ في الحديث بصوت ثابت وبطيء.
= من إسبوع حلمت إني كنت قاعد لوحدي في سينما..سينما ف الصحرا، كراسي كتير فاضية ومغروزة في الرمل زي قاعة السينما وقدامهم شاشة بيضا، وفجأة السما ضلمت وابتدا العرض، الشاشة كانت شفافة، شايف من وراها النجوم والكواكب بتدور وبتتحرك، كان فيلم سوبرمان، بس أنا اللي كنت سوبرمان، وأنا بتفرج حسيت بعضة جامدة جدا في سمانتي، بصيت لقيت تعبان، بعد كده صحيت.
حدّقت فيه في عتمة الصالة الخفيفة بينما يصلهما صياح الديكة المتتابع من الأسطح القريبة، تحرك بسرعة إلى المطبخ ثم عاد بملعقة معدنية كبيرة ، ثناها بيده فلانت كالصلصال حتى تلاصق طرفاها، ثم فردها من جديد.
_ محمد إنت بتهزر؟
=لأ.
أمسك كرسي الصالة الثقيل ورفعه بيد واحدة، ضم وفرد ساعده به عدة مرات كأنه بلا وزن، تابعته ثم نهضت وأمسكت ذراعه تتحسسه. نظرت إليه بقلق
_ رحت لدكتور؟
= لأ..
نزلت على ركبتيها وأمسكت سمانته اليمنى، رفعت بنطال بيجامته وقّلبت فيها، ثم اليسرى، لم يكن هناك أثر للدغة أو جرح، فتّشت في ساقيه وذراعيه، تركها تفحصه دون اعتراض، لتقطع بنفسها المسافة الكاملة التي قطعها منذ أسبوع..
ثم وقفت ونظرت إليه للحظات، سحبته من يده إلى المطبخ، أجلسته إلى الطاولة، وضعت الشاي والساندويتشات ثم جلستْ قبالته.
_ إحكيلي كل حاجة..
= أنا حكيت لك كل حاجة..
كان ينظر في حيرة إلى كوب الشاي، قلّبت عينيها في وجهه في قلق
= مالك؟
_ أنا بقيت كل دقيقة بافكر إني لازم أكون في مكان تاني، باعمل حاجة تانية.
= حاجة زي إيه؟
_ القوة دي بقت عندي لإني لازم أعمل حاجة، سوبرمان أكيد مش بيصحى الصبح يروح الشغل.
= انت مش بتروح الشغل؟
_ لأ…
تبدل صوته من التوتر إلى الشعور بالذنب
_ بانزل كل يوم مش باعمل أي حاجة….هل المفروض أتطوع في حتة؟ أنقذ الناس من الفيضانات والزلازل والكوارث؟ أسلم نفسي للحكومة؟ للجيش؟
= وليه لازم تعمل كده؟
وقف محمد وأمسك رأسه بكلتا يديه، كأنه يمنع شيئا من الانطلاق خارجها..
_ أبدأ منين؟..مش عارف أعمل إيه..مش هينفع أبقى باجري ورا حرامية ونشالين في الشوارع،
مش هينفع أبقى باتعامل مع اللي باقابله..فيه أكيد حاجات أهم لازم أعملها..غير كده هكون زي عسكري كل مهمته يبعد جيش نمل عن برطمان عسل كل يوم..كل يوم..أكيد لازم أركّز على حاجات كبيرة
= زي إيه؟
_ أنا فهمت ليه في الأفلام بيعملوا عدو تاني خارق شرير بيهدد البلد..أو العالم..زي الجوكر..باتمان يقضي عليه ويخلص..
كانت ترغب في الكلام، لكنه كان ينحدر سريعا في الطريق المحفورة داخل رأسه.
_ أدمر إسرائيل؟.. أهد المستوطنات وأحرق الجيش؟ وبعدين هودّي الناس دي كلها فين؟ هاقتلهم؟ هارجعهم بلادهم؟ طب لو حررت فلسطين هاسلمها لمين؟..فتح ولا حماس؟..أنا كل يوم بافكر في الموضوع، بقالي سنين معرفش حاجة عن اللي بيحصل هناك، أروح سوريا؟..أدمر بشار ولا داعش؟..ولا أدمر الاتنين؟..طب ادمر مين الأول؟ هل أنا هكون مسئول عن اللي هيحصل بعد كده؟ هسلمه لمين؟..أعمل ثورة؟..طيب وهادي الحكم لمين؟..للي عايزه الناس؟ ولا اللي أنا مقتنع بيه؟..ولو ده حصل..هل ده ينفع يبقى اسمه ثورة؟.. أنا رجعت امبارح وقفت قدام العمارة..بصيت على عربية العميد جمال وحواليها الحديد والجنازير..حسيت إن اللي مكدرني بقى شيء أحقر من إنه يكون موجود بالنسبة لي..أنا أقدر أشيل العربية والحديد والعميد جمال وأي قوة تقف وراه من على وش الأرض..بس مقدرش أعمل كده..ومينفعش أعمل كده..اتخضيت إني من جوا لسه مبقيتش قد اللي بقيته…المفروض ماحسش بكده..المفروض أكون حاسس حاجات تانية..كمان أنا مستني أكون جاهز..بس مش عارف أجهز إزاي..أنا أقدر أواجه أمريكا..بس معرفش هاقولهم إيه..أنا معرفش حاجات كتير..والمفروض اللي هاعمله ده هيقرر مصير ملايين..وأنا لوحدي..ممكن جدا أكون غلطان..ممكن أخد الجنب الغلط..هل ده لو حصل..هاعرف أصلحه؟

نهضت منال وأعادته مرة أخرى إلى كرسيه، زمّت شفتيها وبدا على وجهها الإحساس بالمأزق، ليس نفس المأزق الذي حدثها عنه، كانت تفكر كيف تتحدث معه على مستوى ما يحدث، أن يكون كلامها مناسباً، تصاعد بينهما دخان الشاي.
_ أنا هتجنن..وبدأت تجيلي أفكار غريبة.
التقطتْ الخيط.
= زي إيه..
_ أكيد فيه ناس حصل لها اللي حصل لي..واللي حواليهم افتكروهم إنهم مش بني آدمين..
صمتَ فجأة متحققا مما يريد قوله..
= يعني إيه
_ شياطين..أو قالوا إنهم ملايكة أو آلهة وعبدوهم..
نظرتْ إليه في ارتباك من قفزاته الواسعة.
= ما يمكن دي حاجة وهتروح..
_ أنا مش مبسوط.
رفعتْ عينيها إليه، رأت وجهه يتقلص وينقبض
_ أنا مش عايز أعيش حياتي كلها في قلب كوارث وجرايم.. مش عايز أكون مسئول عن حاجات أكبر مني..مش عايز أشوف جثث..ومش عايز أشيل جثث..
علا تنفسه وتهدّج صوته
_ أنا عايز أرجع زي ما كنت..
أخفى وجهه بكفيه، راقبته بوجه مشفق إلى أن انحدرت دمعة خارج كفه وسقطت على الطاولة، نادته فلم يرد، ارتج جسده كله ونشج، نهضت وضمته إلى صدرها في جزع فاستسلم لها، كان يتمنى عميقاً لو عاد كل شيء إلى ما كان عليه قبل أسبوع، قبل أن تندلع في جسده كل هذه القدرة، التي ترقد الآن عاطلة في جسده، يشعر بها غريبة عنه، ويسير بها تحت وطأة شعور قاتل بالخمول، يهدد كل لحظة سلام أو استرخاء كان فيها عليه أن يقوم بأي شيء آخر، كبير ونبيل.
هدأ والتقط أنفاسه، ناولته منديلا ليمسح أنفه، أخذ نفسا عميقا وابتسم لها على نحو غائم.

بعدها نهضت منال ودخلت لترتدي ملابسها لتنزل إلى عملها، لم تتوقف لحظة عن التفكير فيما يعنيه هذا الاكتشاف في حياتها، بينما جلس هو ساهماً دون رغبة في فعل أي شي، فقط فكّر أنه ربما يكون مكتئباً وأن ذلك قد يتطلب لاحقا تدخلا طبيا بشكل ما..
حين عادت إليه، نهض ليودّعها عند الباب، قبّلت خده، ثم انتبهت وتحركت عائدة إلى المطبخ، فتحت ضلفة علوية وأخرجت برطماناً ضخما ووضعته أمامه، برطمان مربى بغطاء منبعج لم يتمكنا من فتحه من قبل بكل الطرق، مد سبابته ولمس الغطاء، دار محدثا فرقعة عالية.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون