سهير المصادفة.. مُبْدعةٌ تَتَحمّلُ مَسْئوليّتها

سهير المصادفة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عاطف محمد عبد المجيد

إنها سهير المصادفة التي يمكن أن نَصِفَها بالمرأة الدءوب، أو النحلة التي تتفانى في عملها أيما تفانٍ.مَنْ يقترب من محيطها يدرك أنها تسعى إلى أن يصل عملها إلى أقصى مراحل التمام والكمال والإتقان، سواء كان نصًا شعريًا أو روائيًا أو عملاً إداريًا.هي شاعرة وروائية وباحثة ومترجمة، حاصلة على الدكتوراة في الفلسفة. تكتب الشعر والرواية، كما تكتب للأطفال، وتساهم أحيانًا بكتابات نقدية وأدب رحلات، إضافة إلى الترجمة.

تولت رئاسة تحرير سلسلة كتابات جديدة التي قدمت الكثير من المبدعين المصريين والعرب إلى الساحة الإبداعية،  وكذلك تولت رئاسة تحرير سلسلة الجوائز التي يكفيها فخرًا أنها قدمت، من خلالها، أعمال كبار المبدعين العالميين للقاريء العربي. من أعمالها الشعرية: هجوم وديع، فتاة تجرب حتفها، ومن أعمالها الروائية: لهو الأبالسة، ميس إيجيبت، رحلة الضباع، بياض ساخن، لعنة مية رهينة.

حصلت المصادفة على جوائز عديدة في مجال الشعر والوراية، إذ حصل ديوانها فتاة تجرب حتفها على جائزة أندية فتيات الشارقة للشعر في العام 1999، أما جائزة أفضل رواية فقد حصلت عليها في العام 2005 عن روايتها لهو الأبالسة من اتحاد  الكتاب المصري.

سئلت ذات حوار صحفي عن طقوس الكتابة ما بين الشعر والرواية فأجابت قائلة: الشعر هو الجزء الأكبر من الإلهام، ويأتي كاملاً غير منقوص إلا قليلا، والرواية تحتاج إلى دأب وعمل طوال الوقت، كما أنها تحتاج إلى معاشرة طويلة للأحداث والشخصيات، وأحيانًا إلى مجهود بحثي في بعض الزوايا التي يستحيل بدون الإحاطة بها كاملة إنجاز الرواية.أي أن الرواية تحتاج إلى سنوات، بينما الشعر يأتي مثل شهاب ساطع وواضح، يحتاج إلى العمل عليه قليلا، والرواية تأخذ الشعر بين جوانحها وهي أكثر تسامحًا عندما تستوعب الشعر كنوع أدبي وكذروة إبداعية يتوق كل المبدعين إلى الوصول إليها، أما الشعر فإنه ينحي ما لا يشبهه خارج فضائه وأثناء الكتابة،  شعرًا كانت أو رواية، لا أقرأ أي أعمال إبداعية مطلقًا، الجيدة منها خاصة، ذلك أن تأثير وجمال تلك الأعمال يكون قويًا على الكاتب لحظة الكتابة، فعندما أكتب رواية مثلاً، لا أقرأ سوي الكتب العلمية، أما أثناء كتابة الشعر فإنني أميل للاستماع إلى الموسيقي كثيرًا، لأن الشعر كما ذكرت لا يحتاج إلى أي طقوس فالقصيدة تكتب نفسها، وبسرعة شديدة جدًا.

ربما أنظر فيها، أصححها أو أتعرف عليها مرة أخري بالتنقيح أو التعديل، بعد يوم أو اثنين من كتابتها، وإذا تذوقتها كقارئة، احتفظت بها، وإذا لم أشعر بذلك فسعادتي لا توصف وأنا أمزقها.

وهي تجيب عن سؤال: مدى صحة أن المسئولية والإبداع طريقان متناقضان لديها، تقول: المسؤولية لا أتهمها ولا أحملها فوق طاقتها، ولكن الشخصية العامة كارثة المبدع، وأنا أحاول الابتعاد عن أن أكون شخصية عامة، أما المسؤولية فهي شيء مختلف تمامًا، وأنا أحترم مسؤوليتي، وقد كنتُ رئيسًا لتحرير سلسلة كتابات جديدة، وكنت رئيسة تحرير سلسلة الجوائز،  وأعتقد أن الأمر يخلو من أي تناقض، فعملي يتيح لي التعرف على المشهد الروائي المحلي والعالمي.كما أنني أستطيع معرفة مكاني كمبدعة في هذه الخريطة الشاسعة الأبعاد والمترامية الأطراف، كما أن عملي يساعدني أيضاً في تنظيم أولوياتي في القراءة.

وسئلت ذات حوار آخرعن أهم التحديات التي تواجه الرواية العربية الآن؟، فأجابت: أظن أن التحدي الأكبر الذي يواجه الرواية العربية الآن هو اكتمال طور نضجها الأخير لكي يكون لها متسع أكبر على خريطة الإبداع العالمي.   وأهم مقومات بلوغ الرواية طور النضج هي غياب القاريء وغياب حركة نقدية عربية قوية، مما أدى إلى غياب معايير الجودة التي تدفع الرواية إلى مستويات أعلى في الأداء. 

 وحين سئلت عما ينقصها كروائية أجابت:  الكثير..ينقصني الإجهاز تمامًا على الرقيب الداخلي والاكتفاء بالاحتكام إلى منظومة مباديء ومعتقدات تراكمت في روحي منذ خمسة آلاف عام.ينقصني الإجهاز تمامًا على الضجيج الخارج عن العملية الإبداعية نفسها.ينقصني المزيد من الجسارة لكي أنشر ما أكتب بعد أن أتخلص من وطأة ديكتاتور بداخلي ، لا يريد إلا الكمال غير المنقوص للعمل، ينقصني أن أعرف وأن أعرف وبلا توقف.

سهير المصادفة ترى الحداثة أنها كل ما هو جديد ومن وجهة نظر جديدة تستقي وجودها من اليومي والمعيش، وأدوات المجتمع الراهنة وآليات تثوير هذه الأدوات، ولهذا فهي تكتب دون أن تتعمد كتابة نص حداثي، وتتساءل هل يعقل أن تتفاعل ذات الكاتب الآن لكي تنتج نصًا جديدًا وفي الوقت نفسه ليس حداثيًا؟

وفي مقال عن سهير المصادفة تقول فاطمة ناعوت إنها شاعرة وروائية جادة، صاحبة مشروع إبداعي حقيقي.إنها سيدة جادة أعادت للحياة مشروع الجوائز العالمية الذي اغتيل منذ نصف قرن، لتعيده للنور في العام 2005 تحت مسمى سلسلة الجوائز التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب.إنه مشروع تنويري يميط حجب اللغة الكثيفة الواقفة حائلاً بين الحضارات الأخرى ولساننا العربي.وبعينها عاينت ناعوت كيف أن المصادفة تراجع المخطوطات العربية بقلمها الأحمر.فتدقق كل كلمة وفاصلة وهامش قبل أن تدفع بها للمطبعة.إنها تحترم اسمها الذي صنعته بكد وتخشى عليه مثلما تخشى على مشروعها الوليد الذي أخرج عشرات العناوين المهمةعالميًا.                                                                       وفي نهاية كلامها عن المصادفة توجه ناعوت كلمة للظلاميين المرتزقة الذين يحاولون إحباطها ليكفوا أياديهم عن امرأة نشيطة كانت تعمل على إثراء رف لا يزال فقيرًا في مكتبتنا العربية: رف الإبداع العالمي والترجمات. وحين تتحدث المصادفة عن سلسلة الجوائز تقول: حاولنا في هذه السلسلة تتبع الجوائز العالمية المهمة، بداية من نوبل وحتى الجوائز المحلية والقومية في البلدان المختلفة، شريطة أن تكون مهمة وحققت مصداقية كبيرة، وأعتقد أن السلسلة شكلاً ومضمونًا حققت أصداءً طيبة في الواقع الثقافي المصري في السنوات القليلة الماضية، وقد حاولت مخاطبة كل المترجمين العرب، ولأن السلسلة جادة ومهمة من وجهة نظرهم، فقد ساهموا فيها.   

كانت المصادفة تحلم بأن تقطع المسافة بين الواقع والمأمول، بحيث تترجم هذه السلسلة كل كتاب يحصل على جائزة ما، في نفس اللحظة التي يصدر فيها في بلده، وقد تحقق هذا نسبيًا،  ولكنه لم يتم بالسرعة الكافية.

وحين تتحدث عن أعمالها تقول المصادفة: لهو الأبالسة، وهي روايتي الأولي، حققت أصداءً أقوي من الديوانين،  وهو ما مثل لي مفاجأة، أما رواية ميس إيجيبت فهي الأقرب إلى نفسي، ربما لأنني أحببت بما فيه الكفاية الكتب الثلاثة الأولي، وأنا الآن ما زلت مأخوذة في أجواء هذه الرواية، ربما لأنها كانت أشد قسوة من كل كتاباتي السابقة، ولأنها رواية دموية، فكنت كلما فتحت جرحاً يعاني منه هذا البلد، كلما تألمت كثيرًا، وما زلت حتى الآن.وأعتقد أنني لن أخرج من أجوائها المرعبة والكاشفة قبل فترة من الزمن، لأن الشخوص في الرواية واضحة المعالم، وقد كانت معي أثناء الكتابة مسيطرة على المفكرة في ولم تقبل أبدًا المساومة، ومن ثم تعبت عيناي من هذه الشموس الساطعة، الشريرة أو الخيرة، وقد أصبحت الروح أكثر ألمًا بعد الكتابة، بالتأكيد ميس إيجيبت أقرب الأعمال إلى نفسي الآن.

مقالات من نفس القسم