داء الشبحية

داء الشبحية
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رحاب إبراهيم

دائما ما يلازمني الشعور بأن الآخرين لا يرونني. لا أقصد كوني شخصا شبحيا بالطبع - بالرغم من أن مرض الشبحية موجود في عائلتنا – ولكن أقصد أن أحدا لن يراني إلا في اللحظة التي أنظر فيها إلى عينيه .

ولما كانت هذه اللحظات قليلة نسبيا لديَ , لذا أعجب كثيرا حين يتذكرني شخص ما مهما كانت عدد المرات التي التقينا فيها .أنا لا أحب النظر إلى العيون ... غالبا لا أرى داعيا لذلك .. هذان الثقبان اللذان يدوران باستمرار يمارسان لعبة الفضح والتخفي . حين أتحدث مع أحد أنظر مباشرة إلى شفتيه .. لا ..لا تبتسم هكذا وتظن ان الأمر شهوانيا ..ليس كذلك .

إنما أحب رؤية الكلمات فور مولدها ..قبل أن تتلون .. هذه اللحظة تحديدا هي التي أستطيع أن أفسر فيها ما إذا كانت هذه الكلمة قادمة من القلب أو من الشفتين .

جدتي لأمي كانت تمتلك نفس الموهبة .. هكذا حكوا لي . لم أرها ولم يعد يذكرها غير جيل الأجداد . أصابها داء الشبحية بعد عامها الثلاثين بقليل , كانت قد أنجبت أولادها كلهم . بدأ نصفها الأسفل في الاختفاء تدريجيا, وعزا جدي ذلك لشراهتها في التدخين, رافضا وضع أي عوامل وراثية أو نفسية في الحسبان, صار يخفي عنها علب السجائر والولاعات , لكن ذلك لم يمنع الداء من الانتشار.

في السنة الأخيرة تحولت جدتي لعينين فقط, تجوبان البيت, وتفزعان الأطفال حين تحدقان فيهما باهتمام بالغ في عمق الليل , أو ترمقان الخادمة بغضب قبل أن يشم الجميع رائحة الشياط قادمة من المطبخ .

كانت هذه السنة هي أقصى ما عاناه جدي مع جدتي, وحين انطفأت العين الثانية أخيرا  كان قد تزوج من زوجته الثانية .

لحسن الحظ لم يصبني داء الشبحية – على الأقل حتى الآن – فجسدي لا يزال مكتملا . تستطيع رؤيتي فقط إذا نظرت أنا لعينيك . هذا يمنحني عبئا لا يدركه الآخرون , لأنني يتوجب علي انتقاء من انظر لعينيه بدقة .

خالي توفي بالمرض الأكثر عارا في تاريخنا العائلي, نقص الحلم في الدم ..ظل جسده يسمك ويتصلب بينما رئتاه تعملان بقوة غير مسبوقة , ساحبتين كل الهواء المحيط به , جاعلتين الاقتراب منه يعرضك حقيقة لخطر الاختناق .

خوفي من مصير خالي ربما كان السبب في إصابتي بالعكس. صارحني الطبيب في الفحص الأخير بارتفاع نسبة الحلم في الدم وحذرني من تطور الأمر ناصحا إياي بتكثيف مشاهداتي لنشرات الأخبار وقراءة بعض المجلات النسائية , الأمر الذي لم أستطع فعله بالقطع .. ربما فقط أمكنني التدرب على التحديق في المزيد من العيون .

 

خاص الكتابة

 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون