حوار مع الشاعر الكردي حامد بدر خان

حامد بدرخان
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كتابة وحوار: أسعد الجبوري

عندما وصلنا إلى شقته في الحي الجبلي مع أولى لحظات الفجر، وجدناه يحتسي قهوته وإلى جانبه كومةٌ من الصحف الناطقة بالكردية والتركية والعربية. كما وجدتْ في الصالون الواسع قناني من مختلف المشروبات مع علب لسجائر غريبة.

صافحنا الشاعر حامد بدرخان (1924-1996)،وجلسنا بهدوء مشوب الحنين.وما أن أخذتُ التفرس بوجهه،حتى باغتتنا امرأة متصابية كما يظهر ذلك عليها،وهي تستأذنه للذهاب إلى السينما،لأن رؤيتها للفيلم الذي تعشق أبطالهُ،لم تكن موفقة الليلة البارحة.

ضحك حامد وهو يشير إليها بالذهاب.بعد ذلك التفت إلينا قائلاً:إن المرأة التي رأيتموها،هي المغنية الفرنسية أديث بياف،وهي متعلقة بفيلم ( z ) للمخرج كوستا جافراس الذي يتناول قصة التحقيق حول مقتل أحد قادة الحزب اليساري الفرنسي، وبمجرد بدء التحقيقات،كما يشير سيناريو الفيلم،تبدأ حملة قوية لإخفاء أدلة الجريمة من قبل شخصيات مرموقة كرئيس الشرطة وعدد من كبار الضباط.كانت بياف تكرر الذهاب لمشاهدة الفيلم،لأنه من بطولة إيف مونتان والمغنية إيرين باباس.والممثل شارلز دينير.

■ هل حلمتَ لو أنكَ كنت جزءاً من قصة الفيلم؟

ـــ نعم. فالتشرد والسجون والتحقيقات والتعذيب والشرطة،كانت ضمن اختصاصاتي يوم كنت على التراب القديم.

■ كم من الأمتار المطبوعة على قدميك؟!

ـــ قد لا أستطيع الوصول إلى رقم محدد،لأن تراب الطرقات بات مختلطاً بعظام القدمين،ولا يمكن الفصل بينهما في كلّ الأحوال.

■ هل كان ذلك بفعل تعاقب الرحلات؟!

ـــ لا.ليس الأمر متعلق بالرحلات بالضبط،إنما بالهجرات الاضطرارية.وكأن لكل يوم باباً للهجرة التي عادةً ما تشحن القدمين بتلك الطاقة الغامضة على المسير،وشق أشدّ الطرقات وعورةً.

■ وتلك الهجرات،أكانت تبدأ من القدمين أم من العقل؟

ـــ من الرأس طبعاً.الرأس الذي لا يمنحُ الأرجلَ خرائط الطريق وحدها،وإنما إشارات المرور ومفازات الضياع على وجه الأرض وما بين الجبال.

■ هل يعتقد الشاعر حامد بدرخان أن للجبال لغةً يمكنُ اكتسابها؟

ـــ بشرط واحد: أن يكون الشاعرُ بروح النسر.

■ ولكن روح الجوارح،قد لا تعلمُ الشاعرَ غير روح الافتراس؟

ـــ ليست النسور وحدها من مدرسة الافتراس.فعلى هذه الأرض، تنتشر ألوف الاختصاصات التي تندرج ضمن مفهوم الفريسة والافتراس.البشر معلمون بارعون في علوم الافتراس كما أرى وأوكد.

■ أنت تتحدثُ عن عذاباتك.عن الشقاء الذي بات منزلك المترحل المتنقل من مكان إلى آخر،وكأنك سندباد جبلي من طراز آخر؟!

ـــ نعم. أنا جزءٌ من تركيبة الغروب الذي لم تستطع الصخور هضمه،كونها تقاوم تغريبة وغربة الكردي جغرافياً ونفسياً.  

■ ألا يقدر الشعرُ قشطَ كتل الآلام عن جسد الشاعر،فيما لو كان مُعَذَباً على سبيل المثال؟

ـــ لا أظن ذلك. فقد يكون عذابُ الشاعرِ أغنيةً، تمرُّ أمامهُ في الهواء،وليس بالضرورة أن يكون ذلك الألم ُ كتلةَ جمرِ تحرقُ لحمَ جسده.

■ الحساسيات الشعرية عندك وعند سواك،ألا يمكن أن تكون عائقاً أمام كتابة نص نظيف من خرائب الذات وأمراضها المستشرية،خاصة عند شعراء الأقليات؟

ـــ أنا معك.فهناك نصوصٌ أسقطها الإفراطُ في الصراخ والنحيب،مما جعلها أشبه بالأعين الاصطناعية الخبيرة بالذرف الاتوماتيكي للدموع.وهذا كارثة ماحقة لجوهر القصيدة،أو لمعنى الشعر بشكله العام. 

■ وحامد بدرخان.أين يقف من هذه المسألة؟

ـــ أنا مع الشعر الثوري الذي يفتح للبشر خزائن الحرية،لا خزائن الدمع.

■ أما زلتَ تشعرُ بالاضطهاد حتى وأنت في منازل السموات؟!

ـــ ثمة من يدفعني إلى ذلك دفعاً.أنه المخزون القديم من الإرهاب الأرضي الذي سبق وأن تعرضت له أنا وشعوبي المتشتتة هنا وهناك.

■ تحت نظام ديني تقصد؟

ـــ لقد أفرغتْ أغلبُ قوى الديانات على الأرض البشر من الله،فضيّع استبدادُهم الأرواح في التيه، وحتى أضاعوا كل شئ.الأنفس والأراضي.العواطف والبغال.الشمس والخمر.الكتبَ والوسائد المعطرة بروائح النساء.

■أنت وِلدتَ في قرية شيخ الحديد في منطقة عفرين السورية،ماذا تحملُ من ذكريات عن تلك الأرض البعيدة؟

ـــ لكلّ شاعر تربةٌ خاصةٌ به.وعفرين هي مجموعة الفلزات التي يتكون منها جسمُ حامد بدرخان.

■ لماذا الإصرار على الالتصاق بمسقط الرأس،علماً أنك شاعرٌ،بدّلَ اسمهِ من (حميد مراد حسن)  إلى أراغون.وكنتَ دائم الحديث عن علاقاتك العالمية بأراغون وناظم حكمت وآخرين من المشاهير؟

ـــ لقد حدث ذلك التبديل في منتصف الأربعينات من القرن الماضي،وكان بفعل الملاحقات التركية لي،بعد هروبي من سجونها في  إِبَّانِ تغيير تركيا لسياستها التي كانت موالية للاتحاد السوفيتي،والانضمام للغرب.

هل كنت شيوعياً بالمعنى الطبقي كمعذب مسحوق،أم شاعراً شيوعياً بالمفهوم الإيديولوجي؟

ـــ كنت مسحوقاً مناضلاً من أجل القوت،وقد سحرتني مفردة البروليتارية الرثة،قبل أن انخراطي بمجاري نظريات ماركس ولينين والسيد انجلز الذي لم أفهم من كتبه سطراً واحداً.

■ هل شعرت بأن قصائدك في كتاب (على دروب آسيا) قد تعرضت إلى  نوع من التدمير السياسي الأيديولوجي بعد انغماسك في الحزب؟!

ـــ لا يمكنني الاعتراف بذلك.فشعري طالما يتفاعل مع الإيديولوجي كشريك في لغة الآلام والأحلام والطموحات الإنسانية،وليس كغلاف دعائي أو إعلاني بحت لشعر قادم من خارج السياق البشري.

■ قيل أن حامد يجيدُ اللغات الفرنسية والتركية والعربية والكردية،فبأي واحدة بَرَعتَ بكتابة الشعر؟

ـــ بالعربية بعد التركية.

■ هل اعتبرتَ العربية لغةَ أحاسيس، ظاهرها عاطفي،وباطنها بلاغي على سبيل المثال؟

ـــ لقد اندمجت بالعربية من خلال الكتب التي قرأتها.ومن خلال تأثري برموز الشعر العربي القدامى والمحدثين،ممن ربطتني بهم صداقات واسعة الطيف.

■ ماذا ينهك جسد الشعر برأيك؟

ـــ تغييب الوقائع.

■ ولكن الوقائع اليومية،تفرض على الشاعر الالتزام بالحوادث التاريخية،وتقليم أصابع الخيال.ألا تشعر بذلك؟

ـــ ليس في ذلك عاراً.فالشعوبُ على تلك الأرض،كانت تكافح من أجل الرغيف النظيف قبل أن تبحث عن ربطة العنق والبذلة السموكنغ.إما إذا أردنا أن نتحدث عن الخيال،فأن الاعتماد عليه،سيجعل من القصيدة مصحة سوريالية،تنخر فيها الأمراضُ الشرسة التي تناقض الحياة الطبيعية للشعوب.

■ هل لابد من التفكير بالشعوب؟

ـــ نعم.وإلا لمَ التأليف بالدم والكتابة بالمحراث وحرق الأعصاب؟

■ ألا يجد الشاعر حامد بدرخان أن فكرة (الفن هو طريقة للعمل لا طريقة للتفكير)  فيها الكثير من التضليل والكثير من الخداع،خاصة فيما لو طُبق هذا المفهوم على الشعر؟!

ـــ قد يصح هذا المعنى،فيما لو طبق على الشعر،لأن ((القصيدة التعليمية الباردة هي تلك التي يبدو فيها بوضوح اتجاه الفكرة)).وبالتالي فهي تخوض الصراع من أجل تحقيق هدف كتابتها والوصول إلى الفكرة التي بُعثتْ من أجلها.

■ هل ينطبق هذا مع مفهوم ماركس،عندما كشف تأثير الشروط الاقتصادية التي تخلق تقسيم الطبقات ونضالها،والنظر  إلى الأدب كتعبير عن هذا التناقض الاجتماعي؟  

ـــ كان ذلك صحيحاً إلى حدّ بعيد.فالكاتب العظيم مكسيم غوركي حددّ ذلك،عندما أشار إلى أن عجز الأدب الأوروبي في الخلق،إنما كان بسبب الإصرار على وجود الآداب خارج الطبقات الاجتماعية،مما قاد مختلف الكتّاب إلى ((تقليص دائرة مشاهداتهم الواقعية وإلى حرمان أنفسهم من الدراسة الواسعة للعادات،وإلى الانكماش داخل عزلة روحهم والاكتفاء بعقم معرفة الذات )).

■ هل يعتبر الشاعر حامد بدرخان العزلة مرضاً ومعرفة الذات عقماً؟!

ـــ ربما كتب غوركي ذلك تحت تأثير ضغط ماركسي شديد وعلى إيقاع المنجل والشاكوج.ولكنني ابتعد بعض الشئ عن تلك الآراء غير الدقيقة.

■ هل لأنك تعتبر الذات منجماً لصناعة التاريخ مثلاً؟

ـــ لا أظن بأن الذات وحدها قادرة على فعل شئ مهم حتى بالحبّ.فهو الكائن الذي يحتاج إلى الطرف الآخر.أنا شاعر يروي حيوات ملايين من البشر،ولا استطيع الاعتكاف أو التخندق بذاتي.أنا لست ذئباً في كهف.ولا أخاف من النوم تحت شجرة الله في العراء.

■ ألأنك كردي وتميلُ إلى التوكيد على المخاطر التي تخصُّ قضيتك القومية من باب الإعلام مثلاً؟

ـــ لا أعرف لمَ كان خُلِقنا مرميين على الأرض أصلاً،ليتم خداعنا في صميم وجودنا بيولوجياً وجغرافياً وبمختلف الطرق التي تدفعنا هرولةً نحو مقابر التاريخ؟

■ هل تعتقد بأن صناعة شاعر كردي،يماثل صناعة جبل من الرخام؟

ـــ عظيم.يا للسؤال الحادّ.الساخن.الأخاذ. المدهش. من الآن فصاعداً،سيعتبر الأكرادُ هذا السؤال لبّ الشعر الكردي.

■ ولكنك لم تجبني عن السؤال يا صديقي حامد!

ـــ لأنكَ سبق وأن فجرت هذا السؤال،يوم كنت في ضيافتك يا أسعد.أنا لم أنس منزلك في دمشق،يوم كان محطة لجميع الشعراء والكتّاب.والجبل الشعري الذي تتحدث عنه،سرعان ما تراه صخراً سائلاً في حضن اللغة.

■ في حضن اللغة أم في حضن المرأة يا حامد؟

ـــ لكلّ حضن أدواته الهندسية.أنا أعرف ذلك،وأدركُ ما تحاول التصويب إليه.

■ نعم. فما أقصده،هو الحديث عن نسوان الدنيا ليس غير.ماذا فعلت بهنّ.وماذا فعلنّ بكَ هنّ؟؟

ـــ كنّ مثل الحلقوم المرّ. وكنّ بلا أيادٍ للعناق.وكنّ مترددات وباليات،ومن يحظى ببعضهنّ،سرعان ما تساقط على جبينه نجوم الظهر.

■ هل تعني أنكَ كنتَ بلا حبّ؟!!

ـــ هكذا خرجت من الدنيا الأولى شاعراً أعزب بطريقة ما،ولم أجد لي في الحبّ قلباً تعكس مرآته غير الوحشة والكثير من غابات الهموم السوداء.لقد تركتُ نفسي دون زواج بامرأة،لأنني كنت خائفاً عليها من جسمي الحجري الذي تصلّب بفعل الزمن المؤلم.

■ هل تعتقد بوجود سقف برأس الشاعر حامد بدرخان؟

ـــ بالتأكيد.ولكنه ممتلئ بالثقوب.

■لمَ تعتقد بذلك؟

ـــ من خلال خبرتي وإدراكي.فلا يمكن للشاعر حصر نفسه في صندوق مغلق،دون أن يجد نافذةً أو ثقباً يمكنه من رؤية النجوم،والتحليق في الفضاءات البعيدة.

■ هل لأن القلق جزء من عمل الشاعر برأي حامد بدرخان؟

ـــ طبعاً.وإذا لم يجد الشاعرُ القلقَ بين منازل رأسه،سرعان ما يتقمّصهُ،من أجل أن يتعايش مع طقوسه التي تفتح له في الشعر الآفاق.

■ ولكن القلق مادة فطرية توجد في رأس الإنسان،أو تظهر في تربته دون زراعة،مثل ظهور الفطر على سطح الأرض.

ـــ لنقل أن قلقَ الشاعرِ هو قلقٌ مثقف.

■ ثمة من يقول أن (الشاعر مسكون بصوتٍ، يتوجبُ على الكلمات أن تتناغمَ معه))

ـــ إن أمراً كهذا محسومٌ بالفعل. فالارتباط ما بين الاثنين،هو ما يحقق وحد التفاعل لانجاز الأعمال الخلاقة والفريدة.مثلهم مثل العلاقة التناغمية ما بين الطيارين والرادارات الأرضية.

■ هل كنت طيراً في يوم من الأيام؟

ـــ أنا خرجت من الرحم الأول بمثابة طير حرّ.وعشت طيراً تضخم به الحرية دمها للتحليق عالياً على الرغم من الإرهاب والسجون والمطاردات القمع اللغوي الذي يتعرض له المؤلفون باللغة الكردية على أكثر من بقعة في تلك الأرض القديمة.

■ هل على الشاعر الذي يخرج ميتاً من تلك الدنيا،أن يبقى محكوماً بقوانينها وهو في السماء؟

ـــ ربما.فمن الصعب على الشاعر أن يغلق باب الذاكرة،ويترك الأرض كالحمامة الذبيحة في الخارج.ذلك عار ٌ، لا يصح لشاعر أن يرتكبهُ، حتى لو أصبح نصف الفردوس من ممتلكاته الشخصية

 ■ وهل يعتقد بدرخان،بأن في الجنة الكثير من الممتلكات الخاضعة للقوانين الرأسمالية؟

ـــ لا أعتقد ذلك.فالشيوعية بعد الموت،ستبقى حزباً لغويّاً وحسب.

■ والدّيالكتيك.هل سيكون فاعلاً،ويحافظ على مستوى الحوار الفلسفي ما بين الربّ وبين عباده في ذرّوة ما يُسمونه بالمحاكمات القائمة على مبدأ الثواب والعقاب؟

ـــ ليس بالضرورة أن تكون الرحمة مشاعاً،تحصلُ الذئابُ من خلالها على الطمأنينة،فيحافظون على تراثهم في القتل والافتراس والدم.

■كأنكَ تريدُ محاكمات دون شفقة ورحمة؟

ـــ بكلّ تأكيد.فقرابين الحروب المليونية هنا وهناك،لم تكن ضمن عمل مسرحي، أو كانت تعمل في سيرك.

■ تبدو مشحوناً بحب الفلاحين والعمال سياسياً،أكثر من تعلقك بالجانب العاطفي للجنس اللطيف!

ـــ لم يكن هذا صحيحاً على وجه الدقة.فهناك ملايين من النساء العاملات والفلاحات،ويستحقنّ من الشعر كل تقدير.ولو كانت على رأسي قبعةٌ،لرفعتها تحية لهنّ إلى الأبد.

■ والحب القلبي؟كم نسبة ذلك في دم الشاعر حامد بدرخان؟

ـــ لا أعرف تلك النسبة بالضبط.

لا تبدو الإجابة مقنعة.فشاعر يخلو من العواطف،كمثل صحراء دون مياه.هل سبق وأن تعرضت لصدمة عاطفية؟

ـــ بالنسبة للصَّدْمات،فكنّ بأعداد لا بأس بها.إلا أنني تورّطت بحبّ كسّر قلبي مثل أنية من البلور.ولا أريد الحديث أكثر.لقد شاركني آخرٌ في حبّ من وقعتُ بحضنه،ففضلت الهزيمة على الصدام.

■أما زلتَ خائفاً من العشق وأنت في هذا المكان السماوي يا حامد؟

ـــ ليس كثيراً.

■ هل بحثت عن شبيهة للمرأة القديمة في هذه الأمكنة،لتصليح أعطال قلبك؟

ـــ لا.لم أفعل ذلك.

■ لماذا؟

ـــ لأنني لا أريد تكرير تجربة جلجامش ببحثه عن عشبة الخلود.

وهل تظنُ بأن السيد جلجامش وجد مبتغاه هنا؟

ـــ لم أسأله.كنت أراهُ يمر من هنا،ولا يريد التكلم مع أحد،لأنه يرغب بالاستمرار في أسطورة التيه إلى أبد الآبدين.

■ أليست السموات هي أبد الآبدين على حدّ علمك؟

ـــ ولكن جلجامش لا يريد أن يتقاعد.قال أنهُ صانع وهّم،ومتمتع ٌ بتلك الوظيفة.

■ وأنتَ يا حامد. ماذا صنعتَ غير الشعر على تلك الأرض؟

ـــ بالمفهوم الماركسي،لا شئ سوى البكاء الداخلي بدمعٍ،قطراتهُ تشبهُ الرصاص.وبالمفهوم العاطفي،فأنا الصورة الأخرى لدونكيشوت في حربه مع طواحين نساء،بقلوب من النايلون.

■ يبدو أن قصص الحب أكبر من القلب يا حامد،وإلا كيف يمكن العزوف عن الزواج مثلاً.هل من مرض كان قد قضى على شعلة الشغف في جسد الشاعر؟

ـــ لماذا لا تقلب الصفحة؟

■ نعم.سنفعل ذلك. ولكن هل كان الأمر مُقلقاً إلى تلك الدرجة؟

ـــ كان عليك أن تحضر عرافاً للكشف عما وراء الباطن الذي تحاول سبره.

■ هل سبق وأن مرّت بذاكرتك فكرةُ (ستيفنس) عن الشعر العميق للفقراء والموتى؟

ـــ بالطبع.فالقارئ البرجوازي ضحلٌ،ولا يقدر أن يخرج من قفص المنفلوطي ونزار قباني وجبران خليل جبران وبعض الرموز المستعارة من الجاهلية الثانية.ولذلك نجد الشعر العميق مرتبطاً بصاحب الجرح العميق أصلاً،لأن اللغة ترتبط ما بينهما بجسر من المشاعر اللائقة بكل ما يجعل الحياةَ أمراً مقبولاً بعض الشئ.

■ ما الذي تفعله في هذا الجزء من السماء الآن؟

ـــ أربي طيوراً.

■ أي نوع من الطيور؟ولمَ اخترتَ هذه المهنة بالضبط؟

ـــ إنها ليست مهنة،بقدر ما هي هوايةٌ، سأعتمدها بنقل بعض الرسائل إلى العالم الأرضي الآخر.وإما نوع الطيرِ،فهو نادرٌ، ويُعرف بطير (( المرآتوت )) الشبيه بالحمام الزاجل.

■ وإلى من ستكون أولى تلك الرسائل التي ستبعث بها بواسطة هذه الطيور العملاقة الغريبة؟

ـــ للفنان سعد يكن.سأشكره كثيراً على نبوءاته التي تحدث عنها في رسومه التشكيلية،عندما كان يحذرنا عن  هوّل الدمار البشع النائم تحت جلودنا،والذي استفاق محطماً البلاد والعباد في سوريا.

■ لماذا لا تقود تظاهرة للاحتجاج ضدّ القتل على الأرض.ألا يُسمح لكم بذلك؟

ـــ بالطبع. ولكن موتى الحرب،منهمكين الآن في تثبيت إقاماتهم في الأمكنة الجديدة.

■ ظننتُ أنهم يقومون بتعبئة عقود النكاح!-

ـــ لا.هؤلاء ليسوا من أصناف من قاتلوا وماتوا بسبب الدافع الجنسي. 

مقالات من نفس القسم