حسن عبد الموجود: سأقتسم جائزة نوبل مع بينلوبي كروز

الموت البطيء في "منتصف الحجرات
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره ـ محمد أبو زيد

ما الذي سيفعله حسن عبد الموجود بعد حصوله على نوبل، سؤال مهم لكن الإجابة أهم: "سأقتسمها مع بينلوبي كروز"، عبد الموجود لا يتحدث عن أجمل امرأة في العالم، من وجهة نظره، فقط في هذا الحوار، بل يتحدث عن النادي الأهلي، وأدهم صبري، وصوفي، ومحمد هاشم، وكافكا، وروبنسون كروزو.. إلى الحوار إذن.

حاوره ـ محمد أبو زيد

ما الذي سيفعله حسن عبد الموجود بعد حصوله على نوبل، سؤال مهم لكن الإجابة أهم: “سأقتسمها مع بينلوبي كروز”، عبد الموجود لا يتحدث عن أجمل امرأة في العالم، من وجهة نظره، فقط في هذا الحوار، بل يتحدث عن النادي الأهلي، وأدهم صبري، وصوفي، ومحمد هاشم، وكافكا، وروبنسون كروزو.. إلى الحوار إذن.

ـ هل تغير مفهوم ورؤويتك للكتابة الآن، عن رؤيتك لها قبل عشر سنوات، وما الذي تغير؟ وهل أثر ذلك في طريقة الكتابة؟

ـ بالتأكيد، فحداثة السن وعدم وجود خبرة فى الحياة، جعلت ما أكتبه أقرب إلى تهويمات فى البداية، وفى مرحلة يحيى الطاهر عبدالله الذى كان قديساً بالنسبة إلىّ، سيطرت علىّ حالة الكتابة على طريقة “أنا وهى وزهور العالم”، كما كنت أتخيل أن الكتابة الجيدة لا بد أن تكون لغتها شاعرية، كنت أقضى وقتاً طويلة فى تزيين الجمل، أو إعادة صياغتها لتصبح القصة أقرب إلى الشعر، وحتى على مستوى الشكل كنت أتخيل أن أى كاتب لا بد أن تكون له هيئة مختلفة، ومررت بكل الأطوار الفضائحية، بداية من الذهاب إلى الاستديو لأضع يدى على خدى أمام المصور، أو لأصوب إصبعى كالمسدس إلى رأسى على طريقة الأدباء الذين كنت أرى صورهم فى الجرائد، كما كنت أحفظ قصصى على طريقة يحيى الطاهر عبدالله. كنت أقضى وقتاً طويلاً فى حفظها، قبل أن ألقيها أمام أصدقائى، ولكنى توقفت عن تلك العادة حينما قال لى أحد الأصدقاء ساخراً “انت فاكر نفسك يحيى الطاهر عبدالله بروح امك.. خليك نفسك”،  وعموماً أنجزت مجموعة يكفى عنوانها لتعرف كيف كنت أفكر فى تلك الفترة “أجيال جديدة من المدن الرمادية”. ظللت لأعوام أحفر فى الطريق الآخر، كنت أخلص نفسى من كل ماله علاقة بالشعر والإكليشيهات واللغة “العالية”، كنت أبحث عن لغة “متقشفة”، ولكننى حفرت أكثر من اللازم، وصار علىّ أن أرمم لغتى مرة أخرى، لتصبح فى حالة وسيطة، وهذا سيظهر ربما فى مجموعتى “السهو والخطأ”.

 

ـ لا تبدو معنياً بالتسويق لما تكتبه، بإقامة حفلات التوقيع، أو البحث عن السفر والجوائز والتكريمات مثلما يفعل آخرون؟

ـ أنا أحترم من يسوّقون لأنفسهم. الحياة صارت ضاغطة، ولو لم تشتغل على نفسك جيداً فلن يلتفت أحد إليك. هذا ما تأكدت منه، فإقامة حفل توقيع ليس عيباً، أو أن تتقدم لجائزة، هذان أقبلهما، ولكننى أرى أننى أقل من تكريم، فماذا فعلت ليتم تكريمى، أمامى وقت طويل حتى أفكر فى ذلك، كما أننى لا يمكن أن أرسال جهة لأسافر، ولو تمت دعوتى فلا مشكلة، ولا أجيد التسويق لنفسى على فيسبوك، ولكن كما قلت أحترم من يفعل ذلك، فهذا شأنه وحقه.

 

ـ أنت بدأت شاعراً، لماذا لم تكمل في هذا الطريق، ما المغوي في الرواية بالنسبة لك؟

ـ توقفت عن كتابة الشعر لأننى تأكدت أننى سأكون شاعراً فاشلاً. فى إحدى المرات اختبرت ما كنت أكتبه على صديقىّ مصطفى ذكرى وياسر إبراهيم فى منزلى. أحضرت كشكول الشعر، ولا أدرى لماذا كنت أكتبه فى كشكول، وبدءا يقرآن بصوت عال، وأصيبا بهيستريا الضحك لدرجة أننى خشيت على “ياسر” أن يجرى له شىء. كنت أريد الذهاب إلى الرواية من باب أنها “وعاء للحكاية”، وهذه النظرة تغيرت فى ذهنى بكل تأكيد، فلا مشكلة فى وجود الحكاية ولكن مع تراجعها لتصبح تالية للأفكار، ولا أعتقد أننى حتى تلك اللحظة عبّرت عن نفسى بالطريقة الصحيحة، وكان التعجل دائماً سبباً فى كراهيتى لما أكتب بعد صدوره رغم ثناء البعض. أنا ناقد نفسى الأول، وسأعتبر أن مجموعتى “السهو والخطأ” هى كتابى الأول.

 

ـ  ماذا تقصد بأن “الحكاية وعاء”؟

ـ  الحكاية وعاء بمعنى أنها الهدف والغاية، وحينما تغيرت نظرتى إلى الكتابة أصبحت الحكاية جسراً للأفكار، أنت تحكى أحياناً ولكن جاذبية الحكاية ليست الهدف فى النهاية، وعبرها عليك أن تسرّب افكارك عن العالم وكائناته.

 

ـ العمل في أهم صحيفة أدبية، ووسط ثقافي محتدم، في الصحيفة  أو خارجها، كيف أثر ذلك عليك، بالسلب أم بالإيجاب؟

ـ بالسلب والإيجاب. حتى الآن أعانى من كراهية البعض لأسباب لا ذنب لى فيها، فمثلاً كنت مشرفاً على باب ساحة الإبداع لسنوات طويلة، وكان هذا خطأ كبيراً، فبالتأكيد نظرتك إلى الإبداع توجهك لانتقاء ما تراه أنت صالحاً، وهناك من سيرى أن ما تقدمه أقل فى المستوى، أو بشكل أدق سيكون للآخرين اختياراتهم. لم تكن الجريدة تستطيع ملاحقة الكم الذى يصل إليها يومياً بالإيميل والبريد، وكان بعض الكتاب يودون النشر كل أسبوع أو إثنين، ولو لم تفعل تتحول فوراً إلى عدو، كما كنت أحسب على “شلل” من أنشر لهم، رغم أنه لم تكن لى يوماً شلة، باستثناء حمدى أبوجليل وأسامة الدناصورى، والإثنان لا يحتاجان لوساطتى فهما أهم منى بكثير، والصحافة بالطبع ساعدتنى على التخلص من أوهام اللغة، وهذا يمكن أن أسرده فى كتاب كامل.

 

ـ أصدقاؤنا يشبهون العمل الصحافي بـ”الطابونة”،  لو لم تكن صحافياً ماذا كان يجب أن يكون؟

ـ تخيلت نفسى فى كل المهن، تخيلت نفسى طبيباً، ومهندساً، ونجاراً وسمكرياً وصاحب محل ملابس جاهزة، وملمع أحذية، وسائقاً، ومراكبياً، ولكن كنت أتمنى عموماً أن أكون روبنسون كروزو.

 

ـ لماذا روبنسون كروزو بالتحديد؟

أ أن أعيش على جزيرة، وحتى أحقق ذلك لا بد أن أكون صياداً، لا بد أن أعرف كيفية صناعة مركب، لا بد أن أتعلم كل شىء عن البحر، لا بد أن أكون سباحاً، ولكن مع الأسف فكرتى عن البحر موجودة فقط فى “موبى ديك”

 

ـ بالمناسبة، ما الذي استفدته من المرحلة التي مررنا بها جميعا في البداية مع القصص البوليسية والخيال العلمي؟

ـ الاستفادة ظهرت فى “ناصية باتا”. صار الإيقاع أكثر سرعة، صار لديك قدرة على صناعة التشويق، فأنت تغلق الفصل فى نقطة حاسمة على طريقة الروايات البوليسية أو أفلام الأكشن فى اللحظة التى تشعر أن القارئ مستغرق تماماً، حتى تدفعه إلى مواصلة القراءة. وكان جميلاً أن عدداً من أصدقائى انتبهوا إلى ذلك، وأحبوه، رغم ملاحظاتهم العديدة السلبية.

 

ـ هناك صورة سينمائية في كتابتك، مشاهد مكتوبة كأنها للسينما، هل تحلم بالسينما؟

ـ السينما هى الفن “الأول” بالنسبة لى، لطالما تخيلت نفسى مخرجاً، ومصوراً، وومثلاً مشهوراً. مع السينما أنتقل إلى عالم آخر، فيه كل ما أحبه، ويكفى أن الموسيقى جزء من ذلك الفن العظيم.

 

ـ بعد سنوات الطويلة  من العيش في المدينة، ما زال الصعيد هو الهاجس الرئيس في كل أعمالك، هل أنت مع الذي يقول إننا نكتب طفولتنا؟ ومدى تأثير ذلك عليك؟

ـ لا لست مع ذلك، وأنت تستفيد من محطات فى حياتك، وبالتأكيد تتغير تلك المحطات نزولاً وصعوداً، وأعتقد أن الحياة فى القاهرة ستظهر قريباً فى أعمالى.

 

ـ لكن ما يبدو هو أن الصعيد لم يغادرك بعد، حتى في لكنتك، هل هو من يتمسك بك أم أنت من تتمسك به؟

ـ أنا أقلب “صعيدى” حينما يقترب موعد النوم. يخرج الشخص القديم بسهولة، وأنا لا ألقى بالاً لهذا، كما أن سائقى التاكسى “يقفشوننى” بسهولة بالغة. يسألونى نفس السؤال “منين انت فى الصعيد؟”، أى أنهم يتجاوزون سؤالاً بديهياً “هل أنت من الصعيد”، وعموماً أعتز بفكرة أننى جنوبى، لكننى لا أصدّر تلك الفكرة أمام العالم، فأنا أعيش فى بيئة أخرى، وحتى أتوارى قليلاً علىّ أن أتكيف مع تلك البيئة، حتى أتجاوز فكرة أن من ينظر إلىّ يتعامل معى كأننى قادم من المجهول. حسنٌ.. علينا أن نتخطى تلك الفكرة لنتحدث فيما هو أهم بعيداً عن صعيديتى وقاهريتك، نحن ندان، ومن وطن واحد، ولا أريد أن أزايد عليك بفكرة أن جذورى أقوى وأصيلة.. الخ الخ، كما عليك بالضيط أن تتخلى عن النظرة فى عينيك التى تقول إننى أفكر فيك هكذا، أنك قادم لتوك من محطة رمسيس.

 

ـ تحكي في الرواية عن علاقة المؤلف بجماعات إسلامية، وأعرف أن لك تجربة قد تكون قريبة، إلى أي مدى أثرت في تكوينك تلك التجربة، وسؤالي هنا، عن رؤيتك الآن لتلك الجماعات  عندما تتذكرها بعد وصولها للحكم، هل تغيرت؟

ـ ستجد الإجابة فى الرواية، فالبطل قاسم التحق بجماعة التبليغ والدعوة مكرهاً، وبضغط من أبيه. كان مهموماً بمباريات الأهلى والمنتخب، وبقصص رجل المستحيل، وتان تان، وميكى، والشياطين الـ13، والمغامرين الخمسة. لم يكن يفكر فى الحور العين وجنة الفواكه والأنهار، ولا بطوبة من الذهب وأخرى من الفضة. الآن نفس الشخص بعد خروج تلك الجماعات من تحت الأرض يهددون أحلامه التى ازدادت نضجاً بكل تأكيد ولهذا سيظل يمقتهم.

 

ـ تطرح “المؤسسة” في روايتك الأخيرة عدة أفكار حول المقصود بها، ماذا قصدت أنت بها؟

ـ هى أقرب لفكرة مؤسسة العقاب عند كافكا، وهى أيضاً على تخوم “صحراء التتار” حيث الانتظار الذى لا ينتهى. إنها مجموعة من المؤسسات العقابية التى تم تجميعها فى مؤسسة واحدة لفرم الفرد، وصهره ليصير جزءاً من المجموع. إنها أقرب إلى شكل المؤسسة فى المجتمعات الشمولية التى لا تعترف بمهارة الفرد مهما كرم أصحابها النابغين.

 

ـ ما الفارق في ظنك بين مؤسسة حسن عبد الموجود، ومؤسسة الغيطاني؟

ـ الأشخاص يخشون المؤسسة فى حالة جمال الغيطانى، يهابون المسئولين عنها، يعملون ألف حساب لهم، أفنوا أعمارهم فيها، وسحقتهم، ولكن فى حالتى فإن الأشخاص يسخرون منها، ولا يعملون حسابها، ويدركون أن ارتباطهم بها مؤقت، ولكنهم أيضاً لم ينتبهوا إلى تأثيرها السلبى على أرواحهم بعد تقدمهم فى العمر.

 

ـ في روايتك الأخيرة، هناك لغة ساخرة تقفز بين السطور، لا يبدو الغرض منها السخرية، وسؤالي هنا عن “السخرية المريرة”، في كتابتك الإبداعية أو حتى البورتريهات؟ 

ـ بتعبير عزت القمحاوى “السخرية هى قشرة السكر التى تغلف كبسولة الدواء المُرّة”، وهذا هو مفهومى عن السخرية ويتطابق مع سؤالك.

 

ـ في بورتريهاتك التي كتبتها عن أصدقائك، تروي أن معظم أصدقائك المقربين اختلفتما في البداية  قبل أن تصبحا أصدقاء، كيف ترى ذلك، ما السبب في رأيك؟

ـ بلاهتى

 

ـ أيهما أهم بالنسبة إليك: محمد هاشم أم النادي الأهلي؟

ـ النادى الأهلى أقرب إلى محمد هاشم من حسن عبدالموجود. وهذه هى إجابتى بكل تأكيد. الأهلى أولاً، وبعدهم يأتى من أحبهم.

 

ـ هل تفكر في جائزة نوبل؟

ـ ألقيت خطاب نوبل مرة فى فى حلم يقظة!

 

ـ ماذا قلت فيه؟

ـ قلت إن هذه الإنسانة هى التى أوصلتنى لأقف أمام حضراتكم، وإليها أدين بالفضل، وأشرت إليها وانتقلت الكاميرا بكل تأكيد لوجهها الملائكى. كانت حبيبتى بينلوبى كروز

 

ـ صوفي هي الرواية الأهم في حياتك، ماذا تريد لها أن تصبح؟

ـ نفسها.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم